نجيب شجاع الدين -
بعض المشتغلين في مهنة التعب اللذيذ وأغلب الدخلاء عليها تستهويهم الإشارة الى الصحافة بالعبارة المهمة «صاحبة الجلالة».
بينما الحقيقة أنها لم تعد كذلك نظراً لكثرة أصحابها حيث تحولت على أيديهم إلى لعوب، فقدت آدابها وأخلاقياتها كما تنازلت - استجابة لرغباتهم - عن شرفها واهتمامها بأي ضوابط وميثاق مهني يفترض أن يحكم كل ما يدور داخل بلاطها.. بلاط سيراميك صاحبة الجلالة.
كمتابع شبه يومي لنشاطاتها المشبوهة، المشروعة المطلوبة وتأملها وهي تضع مساحيقها البيضاء، السوداء، الرمادية، الملونة وهي الأخطر.. أجد أن الأمر كما لو كنت تنظر لما حولك من وراء نافذة سيارة «بيجو» تنطلق بسرعة جنونية تسابق الريح دون أن تصل لنقطة محددة.
تتواتر الأخبار، تتطور، تتصاعد ردود الفعل حولها.. المواقف تستنكر، تشكر وتشيد، تتوسع وتتضخم وتتورم وتكبر ثم تصغر وتصغر الى أن تتحول بحجم حبة سمسم.
ثلثاها سياسي وثلثها الباقي متأثر به أحياناً بشكل خفي مدروس وحليناً بشكل تلقائي، فالمقدمات تقود الى النتائج.
ومع هذا فإن ثلثيها متوقع يعجز أن يفاجئ أي يمني كالمناسبات تماماً، تحل علينا بصورة مستمرة، ولم تعد مواعيدها مرتبطة بأوقات محددة تأتي متعاقبة على مدار العام ثورة 26سبتمبر يوم إجازة لا جديد في الأمر سوى أنها الذكرى الـ51... ويا زمن في إطار رسمي اعتبرت الحكومة أنها رسمت لوحة بهيجة واختفلت بإيقاد الشعلة.. وفي إطار شعبي شاركها المواطن بهجتها وهو يلعن الظلام بحفل إيقاد الشمعة.. ألا تلاحظ أن انطفاء الكهرباء هي الأخرى باتت ذكرى في حياة الشعب اليمني يظهر عنصر المفاجأة من أحدهم حين يجعل من مناسبة العيد الوطني عيداً شخصياً للمرة الأولى يحتفي بزفافه ودخول القفص الذهبي وإعلان التخلص من كروت الاتصال و...و مخلفاتها البغيضة الآثمة.. (كان ذلك صديقي) وليد شعب..
وإذا لم يكن فلنتصارح.. أليست قرارات وإجراءات الجهات المختصة وإنجازات الحكومة وقرارات المسؤولية في بلادنا أشبه.. دائماً يعقبها الندم.
لاشك بأن جميع ثورات الشعب اليمني فعل عظيم يستحق التمجيد والتخليد ولكن المشكلة أننا بحاجة الى ترجمة هذا الانجاز عملياً على أرض الواقع ولابد من الانتقال للخطوة التالية بنجاح إذ يبدو أن الشعب لم يتغير ولايزال في كل يوم يعيش لحظة تاريخية فارقة.. تضحياته مستمرة.. انفجار، استشهاد، تعثر مشاريع، تعطل خدمات، حوار، انسحاب فريق، عودة فريق، اجتماع مبعوث، ومبعوث في اجتماع، اتصال مع مسؤول أوروبي، أمريكي، خليجي، يقول ويقول والشرح يطول عن وضع داخلي هش وحال أمني خارج نطاق التغطية.. يرجى الاتصال بي!
سابقاً في مناسبات الثورات كان يطلب منا التحدث عن حرية الرأي والتعبير الذي ينعم به البلد.. وعند اضافة فوضى التغرير الأخيرة تم تقديم وعود جديدة بالمزيد من حرية الرأي، ولعل هذا أجمل ما في الأمر.
ليعبر المواطن عن رأيه كما يريد إلا أن الوضع مختلف تماماً بالنسبة للمهتمين بإيصاله ولعب دور الوسيط بين المجتمع وصناع القرار.
بعض التجارب حين تتنوع وإن كانت قصيرة المدة تجعلك تؤمن بنسبة مليون في المائة بمقولة هيكل «لا يوجد إعلام لوجه الله».
ولنتصارح.. أحزاب المعارضة التي كنا نعرفها بهذا الاسم سابقاً الى ما قبل العام 2011م أو بالأصح إعلامها كان ولايزال أشد من يفرض القيود على أدائه بل وأكثر ارتباطاً بمفردات النظام السياسي من أي إعلام آخر..
لطالما تساءلت ما الذي يجبر وسائل إعلام أحزاب اللقاء المشترك وبالذات عندما تنشر أخباراً تتعلق برئيس الجمهورية أن تلتزم باستهلال فخامة الأخ المشير الركن حفظه الله.
استناداً الى مبدأ التعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير المتاحة منذ ما يفوق العشرين عاماً فإنه كان من حق أحزاب المعارضة أن تطلب من إعلامها الاختصار قليلاً، بل كان يجب عليها فعل ذلك بحكم موقعها على الساحة السياسية على سبب وجيه يجعلها تظهر للمجتمع القارئ خلال الفترة الماضية على أنها مجرد تابع..لولا أن الرئيس هادي دعا وسائل الإعلام عقب توليه السلطة وفي مقدمتها الحكومية قبل الحزبية والاهلية الى التعامل بمهنية في حال تناول الاخبار المتعلقة بالشخصيات وفي مقدمتها رئيس الجمهورية لكانت صحف المشترك اجتهدت أكثر من السابق في إضافة الصفات والمسميات ولا أظنها سمعت بنظرية (رد الكيد الى النحر».
أخيراً
طُلب من احدهم تقديم نصيحة لآخر يريد أن يكون صانع أخبار إقناعاً لرئيس تحريره المغمور الذي يعتقد أنه فلتة زمانه ويكرر من وقت لآخر على مسمعه أن الصحفي الجيد هو الذي يصنع الخبر.
هل يعني هذا أن يقوم الصحفي بتفجير أنبوب نفط لكي يحصل رئيسه على خبر عاجل، وربما عليه أن يترأس اجتماعاً استثنائياً يبحث إدانة ارتفاع أسعار السجائر دون مبرر..بكل بساطة السياسيون والارهابيون والمجرمون والمسؤولون فقط هم الذين يصنعون الأخبار في اليمن.