عدن- أحمد حسن عقربي - يحكي كبار السن من أهالي منطقة بئر أحمد الواقعة ضمن مديرية البريقة محافظة عدن- للشباب من أبناء المنطقة.. عن جنات غناء عاشوا سنواتها المبكرة، أخذت في اشكالها نهضة زراعية انتاجية ميزت بئر أحمد عن كثير من مناطق عدن وغيرها من المحافظات المجاورة..
ويتذكرون كم كانت منطقة بئر أحمد مصدراً غذائياً وزراعياً لمحافظة عدن بمديرياتها المختلفة منذ تأسست جمعيتها الزراعية الانتاجية عام 1957م والتي أدت فيما بعد إلى سلسلة من جمعيات تعاونية زراعية وإنتاجية، منها ماعنيت بزراعة القطن بأنواعه وأخرى عنيت بالخضار والفواكه وغيرها من المنتوجات الزراعية.. جميعها اسهمت في تحويل المنطقة من »صحراء جرداء إلى جنات خضراء غناء«.. أكد هذا الوصف المستثمر المرحوم الأمير »العبدلي مقبل عبدالقوي« وقد استطاع الأهالي أن يحفروه في ذاكرتهم وذاكرة أبنائهم كقولٍ مأثور مايزال يتردد على ألسنة المزارعين في المنطقة حتى اليوم..
^ وسوف لن يتردد هؤلاء الأهالي عن الإفصاح وبكثير من الأسف والألم- عن موعدٍ سيئ لبداية انحسار جنتهم واختفائها.. مطلع السبعينيات من القرن الماضي قطعه معها »النظام الشمولي في جنوب الوطن سابقاً« ووفقاً لمشروع »التأميم«.
كان ذلك إيذاناً قاسياً ببدء طوفان التصحر الذي اتسعت مساحاته لتشمل أكثر من ألفي فدان كانت ترفل بالخير والخضرة.. وموئلاً أخَّاذاً للروح الباحثة عن الجمال..
منذ ذلك الوقت على زحف التصحر الغاشم تحولت اشجار المنطقة إلى مصدر رزق للاحتطاب لا أكثر.. فيما أكثر من 50٪ من سكان المنطقة راحوا في عداد العاطلين عن العمل.
غروب »التأميم«
^ الشيء الذي لم ينحسر تماماً أمام الرغبة الشمولية في التصحر، هو الحافز الذي ظل يحمله المسؤولون في الجمعية التعاونية الزراعية لمنطقة بئر أحمد.
جاهزية الجمعية واصرارها على تحقيق مشروعها ساعدها على اقتناص لحظة غروب »التأميم« و»الشمولية« وانبلاج فجر الوطن الموحد، للبدء فعلياً بإعادة الأراضي إلى اصحابها.. والتفكير بإعادة استصلاحها وتهيئتها من جديد للعمل والإنتاج الزراعي.
^ لكن المؤسف أن يبدو المشهد حتى الآن على حقيقته منقوصاً..
يقول المزارعون ممن لايملكون الإمكانات الممكنة لاستصلاح أراضيهم: لم تساعدنا ظروفنا منذ تمكنا من استعادة أراضينا الزراعية على إصلاحها، وكان من الطبيعي ان نحصل على تعويضات عما تم تدميره من آبار المياه والتربة أيضاً.
وبالرغم من الجهود التي تبذلها تعاونية وزراعية بئر أحمد ومتابعتها لقضايا المزارعين في المنطقة مع السلطات المحلية بالمحافظة والجهات ذات العلاقة.. إلاَّ أنه لافائدة وفقاً لرئيس الجمعية الأخ نجيب محمد حيدرة والذي قال لنا: »إنه طرق جميع أبواب المسؤولين فلم يجد إلاَّ وعوداً فقط«!! لافتاً إلى ما رصده البرنامج الاستثماري للمديرية »البريقة« كتعويض للفلاحين في منطقة بئر أحمد لإصلاح الأراضي والتخلص من الأشجار الطفيلية.. وما وعد به أيضاً الاتحاد التعاوني الزراعي من قروض وآلات.
وقال: »منذ ثلاث سنوات على اعتماد البرنامج الاستثماري (2) مليون كتعويض للفلاحين.. لم نتمكن من ذلك.. وهي الآن في المشمش، أما ما وعد به الاتحاد التعاوني يبدو وكأنه وعد عرقوب!!«.
عبث.. وتدمير
^ ونبه حيدرة إلى ما تتيحه مظاهر المماطلة والوعود، من فرص العبث بالأراضي الزراعية في المنطقة من قبل سماسرة الأراضي.. ومحاولات الاستحواذ عليها وعرضها في المزاد العلني تحت ذرائع الاستثمار الوهمي.
وبحسب حيدرة فإن »العبث بأراضي الجمعية الزراعية لم يتوقف عند هذه الحدود.. فقد شمل تدمير السدود التي تلعب دور الخازن والمرشد لتدفق مياه السيول القادمة من محافظة لحج إلى منطقة البئر.. هذا التدمير يجعل من الأراضي الزراعية جميعها.. بما في ذلك الأراضي التابعة للجمعية عرضة للخطر، والغريب ان ذلك يحدث دون أية رقابة أو متابعة من قبل الجهات المعنية أو ذات العلاقة«.
^ .. وماذا عن دور مكتب الزراعة؟
حين سألنا عدداً من المزارعين في منطقة بئر أحمد.. جميعهم اتفقوا على أن لا دور يستحق الذكر لمكتب الزراعة تجاه هذا العبث وقالوا: »كأن الأمر لا يعنيه«.
وبدورنا هنا نسأل مكتب الزراعة: هل أنتم متأكدون بالفعل من أن هذه المنطقة الزراعية ليست في حاجة إلى دعمكم وعنايتكم.. ولو عبر مشاريع نعلم سوياً إمكانية تنفيذها!!
ونسأل أيضاً: هل تغضبكم أطلال هذه القرية الزراعية التي لانشك في معرفتكم أنها فقدت كلياً صفاتها الإنتاجية.. واصبحت قرية مستهلكة.. بعد ان كانت منتجة للحبوب بأنواعها والخضار والفواكه والقطن وغيرها.. وتوافر الاكتفاء الذاتي لسكانها.. مثلما لانشك في معرفتكم أن موجة التصحر الغاشمة التي لاتزال هادرة.. دفعت بالكثير من سكانها الريفيين وبدوها الرحَّل إلى الهجرة نحو المدينة وتحديداً إلى الساحل؟!
أراضي الشباب
^ على الضفة الأخرى ينتظر الكثير من شباب منطقة بئر أحمد نتائج الوعود التي قطعتها قيادة المديرية »البريقة« في تمكينهم من الأراضي البيضاء »غير الزراعية« وتخطيطها وإقامة تجمعات سكنية خاصة بهم..
وأبدوا انزعاجهم من المماطلة والوعود الكثيرة بهذا الشأن، لافتين إلى أن هذه الأراضي تتعرض لعمليات استحواذ ومتاجرة من قبل سماسرة ولصوص الأراضي وبادعاءات مختلفة.
|