بقلم: سارة فيليبس - شكلت أحزاب المعارضة في اليمن عام 2002 تحالف اللقاء المشترك في مسعى لتقويض سلطة حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. هذا التشكيل لم يكن شراكة حقيقية بين حزب الإصلاح الإسلامي الذي يهيمن على التحالف، وبين ثلاثة أحزاب كبيرة أخرى.
فالطبيعة الشاذة لتحالف بين إسلاميين وعلمانيين لا يمكن تجاهلها، خصوصا عند النظر إلى أن حزب الإصلاح كان متحالفا مع المؤتمر الشعبي العام ضد الحزب الاشتراكي قبل عشر سنوات وأن الحزبين خاضا حرباً ضد الانفصاليين قبل اثني عشر عاما.
ومن سخرية الأقدار في اليمن أن يجد حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي قضية مشتركة تجمعهم- إشارة لأهمية تلك المصلحة- تقوم على تحالف بأيدلوجيتين مختلفتين في السياسات اليمنية. ورغبة الأحزاب في التعاون هي أيضا مؤشر على تزايد مذهب البرمجة الانتخابية في أوساط المعارضة اليمنية.
وتحالف المعارضة هو قائم على اتفاقية بين أعضائه على ألا يتنافسوا فيما بينهم إذا كانت النتيجة ستكون للغريب. وفي المحاولة الأولى لتعاون أعضائه في الانتخابات البرلمانية عام 2003، كان التحالف عاجزا وبرز الشك والريبة في أوساطه خصوصا بين حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي.
قبل الانتخابات الرئاسية والمحلية بأشهر قليلة، زادت رغبة أعضاء تحالف المعارضة في التعاون، مما أعتبره الكثير من اليمنيين مفاجأة. في النهاية، لم يحقق تحالف المعارضة أقل المؤمل منه لا في الانتخابات الرئاسية ولا في المحليات. وبدلا من ذلك، حقق التحالف ما أصبحت مهمة غير معلنة للمعارضة للسبع السنوات القادمة: إثارة المناقشات واستخدام الضغط على الحكومة لإصلاح نفسها.
وعلى الرغم من بعض الانتهاكات الانتخابية، إلا أن الناخبين اليمنيين فضلوا اختيار زعيم قوي مألوف لديهم يمكنه تحسين أوضاعهم، على مشهد للتغيير لا يمكن التنبؤ به بزعيم جديد لم يخضع للاختبار من قبل.
الرئيس علي عبدالله صالح حصل رسميا على نسبة 77 بالمائة من أصوات الناخبين بينما مرشح تحالف المعارضة لانتخابات الرئاسة، فيصل بن شملان، فلم يتلقى غير 22 بالمائة من أصوات الناخبين. وفي الانتخابات المحلية، كانت نتيجة المعارضة أسوأ من نتيجتها في الرئاسية حيث حصدت نسبة 9 بالمائة من المقاعد على مستوى المحافظات و14.5 بالمائة على مستوى المديريات.
تحالف المعارضة لم يقدم اعتراضاً رسمياً على النتائج بالرغم من ادعاءاته الأولية- والمضخمة بشكل واضح- بأن ابن شملان قد حصل على مليوني صوت أكثر من النتيجة المعلنة رسميا.
وبينما قدمت الانتخابات فرصة لتعزيز جهود التنسيق في أوساط المعارضة ضد خصم مشترك، لكن الانتخابات فتتت المعارضة إلى أجزاء متباينة.
تحالف المعارضة أثبت لنفسه أنه أضعف من ضعف أعضائه وهم منفصلون عن بعضهم، لكن ربما أنهم سيتعلمون من هذه التجربة ويعيدون تنظيم أنفسهم في الانتخابات البرلمانية القادمة في أبريل 2009.
انتخابات سبتمبر 2006 كانت نصرا، على الأقل في مستوى المشاركة الشعبية والإدارة الانتخابية. مفردات الديمقراطية التي تميزت بها لغة الخطابة خلال فترة الحملة الانتخابية أكدت على أنها السبيل إلى جوهر الديمقراطية، الطريق الشرعي لاستنباط حوار سياسي. الانتخابات أيضا أظهرت أن الشعب اليمني يزداد وعيا للسياسات التي يمكن إدارتها من خلال العملية الانتخابية، والذي كان ينظر إليها بأنها شكل غير مرغوب للبناء المؤسسي وعقبة في استخدام النظام للديمقراطية ليعطي الشرعية لنفسه.
ما حصده الحزب الحاكم من مقاعد المجالس المحلية بنسبة تتراوح ما بين 75 بالمائة و80 بالمائة يدحض مزاعم المعارضة بأن شعبية النظام كانت مهزوزة خلال تلك الفترة.
في يوم الاقتراع أكد أعضاء اللجان الانتخابية على المستوى الكبير في المشاركة في العملية الانتخابية، وحتى الفارق النسبي بين ممثلي الحزب الحاكم وممثلي تحالف المعارضة أظهر نضج حزبي كبير. وكان هناك قرابة 27000 لجنة فرعية تراقب غرف الاقتراع حيث كان الناخبون يدلون بأصواتهم.
وإلى جانب ذلك، فإن كل لجنة فرعية كانت مكونة من ثلاثة أشخاص، من أعضاء الحزب الحاكم وتحالف المعارضة، وكل مرشح، في الانتخابات الرئاسية والمحلية، كان له ممثل في غرفة الاقتراع لمراقبة العملية، مما يعني أنه كان هناك 200000 شخص من المراقبين المحليين المستقلين قد راقبوا العملية الانتخابية يوم الاقتراع في كل أنحاء اليمن.
وفي النهاية، أظهرت نتائج الانتخابات أن النظام كان أكثر مرونة مما كان يتوقعه الناس، وبينما مثلت له العملية الانتخابية تحديا، إلا أن سلطة النظام لم تنتقص بالنتيجة.
انتخابات 2006 أحدثت نتيجتين مهمتين: الأولى، الحماس العام للنظام بإجراء إصلاحات في كافة مناحي الحياة العامة السياسية والاقتصادية في البلاد. والثانية، محاولة النظام بعد الانتخابات زيادة الدعم الدولي للحكومة. فاستطاعت اليمن تأمين قرابة خمسة مليارات دولار كتعهدات مالية من المانحين خلال مؤتمر عقد في نوفمبر الماضي في العاصمة البريطانية لندن.
الانقسامات داخل المعارضة:
إلى جانب المناورات التي يقوم بها النظام مع المعارضين، فإن جماعات المعارضة نفسها تقوم أيضا بإخماد بعضها البعض. جماعات المعارضة اليمنية موجودة داخل شبكة معقدة من التعصب المحلي والمحسوبية والانشقاق لصالح القبيلة أو المدنية وللشمال أو للجنوب، كل من تلك الجماعات ملتفة حول نفسها أكثر من تحالفها وتتلقى تمويلات من دول عربية أخرى فاشية.
والتمويل الخارجي يعني أن معظم الأحزاب السياسية اليمنية قائمة على أساس إيديولوجيات مستوردة (مثل الماركسية والناصرية والبعثية والوهابية)، وليس من تلك الإيديولوجيات ما يناسب الظروف السياسية الخاصة بالبلاد.
في هذه البيئة المجزأة، تنتشر الإشاعات التي تطوق أولئك المعارضين مما يجعلهم ينحازون فعليا لخصومهم الإيديولوجيين، وهو الوضع الذي يقوض الثقة بينهم بشكل خطير.
هذه الشكوكية بين المعارضين توفر أرضية خصبة للانقسام فيما بينهم. وعلاوة على ذلك، فإن المعارضين يتمتعون بحرية كافية لعدم الاتفاق مع بعضهم البعض وتحديد المشاكل التي يواجهونها. فالاختلاف في أوساط المعارضين يعد أسهل من خلق تماسك للضغط على الحكومة.
الانقسامات في حزب الإصلاح:
مثل الكثيرين في اليمن، يشك الغرب في المبادئ الديمقراطية لحزب المعارضة الإسلامي، الإصلاح. قد تكون تلك الشكوك مبالغ فيها لكن بالتأكيد أن الكثير منها صحيح. فالإصلاح هو حزب مراكز غامضة ولديه أهداف عامة تشوبها الريبة. فأغلبية قيادته معتدلون، لكن هناك جماعة سلفية متشددة غير رسمية داخل الحزب.
القيادي المتشدد في حزب الإصلاح، عبد المجيد الزنداني هو العامل الأساسي لجذب الداعمين السلفيين، الكثير منهم يرفضون سياسات الحزب لكن ربما مازالوا يصوتون للإصلاح أو يدعون برامجه الاجتماعية لعدم وجود خيار أفضل من ذلك.
أحيانا يتشدد المعتدلون داخل الحزب تجاه السلفيين على الرغم من علاقة المجاملة مع هذه الجماعة. الزنداني يعارض علانية رسالة المعتدلين بأن الديمقراطية منسجمة مع الإسلام وهو نفسه يدير جامعة يُنظر إليها عموما بأنها تفقس التعصب والتشدد، مما زاد من حدة القلق الدولي تجاه نوايا الحزب.
وعلى الرغم من ذلك، فلم يتخذ الإصلاح خطوات فعلية لإبعاد الزنداني عن الحزب. يمكن الافتراض بأن مثل هذا النوع من الغموض يخدم الأغراض السياسية للإصلاح. فبدون طرد الزنداني وأمثاله من الحزب يتحقق شيئان للإصلاح: أولها، يوسع قاعدة الحزب لتشمل أعضاء لا يرغبون بطريقة أو بأخرى في دعم أي حزب يملك برنامجاً سياسياً معتدلاً ظاهرياً. والشيء الثاني، أنه يقدم تبايناً واضحاً بين المتشددين الإسلاميين وبين معتدلي الإصلاح، وهو الاتجاه السائد في الحزب.
ومع ذلك، فإن خلق مظلة إسلامية بتحالف غير محكوم يوفر ملجأ لتشكيلة من العناصر الايدولوجية المتنافسة فيما بينها، جعل الإصلاح يساهم في وجود شكوك داخل البلاد وفي الخارج أيضا حول نواياه الحقيقية.
ففقدان الإصلاح للتلاحم والتماسك يعزز من مخاوف الليبراليين اليمنيين من أن الإصلاح ما هو إلا حزب متطرف يحيط نفسه بقشة الاعتدال.
❊ (أستاذة السياسات العربية في الجامعة الوطنية الاسترالية وهي خبيرة في سياسات الاستقرار الإقليمي والإصلاح السياسي. متخصصة أيضا في شؤون السياسة اليمنية والمشاركة السياسية والدمقرطة والإصلاحات في العالم العربي ودور الإسلاميين في تلك الإصلاحات).
❊ واشنطن- منظمة هبة كارنيجي للسلام الدولي
❊حقوق الترجمة محفوظة لصحيفة «الميثاق».
|