حوار/جميل الجعدبي - »من أجل الحقوق تندلع الحروب«.. هاجس يشغل هذه الأيام بال الفنان فؤاد الكبسي وهو يعكف على توثيق الأغاني اليمنية بغية الحفاظ على الموروث الفني اليمني وحمايته من »السطو«الذي يتعرض له... الزميل (جميل الجعدبي) عرج معه على كثير من المحاور المتعلقة بفنه وحياته الشخصية أو ما يهم الفن اليمني بشكل عام.. فؤاد الكبسي أفرغ كل ما في جعبته بلا تحفظات
❊ جديدك الفني »كان ترانيم يمانية« الذي نزل السوق في عيد رمضان لكنه احتوى مجموعة من أغاني التراث فما الجديد في القديم؟
- الألبوم كان الجزء الأول من سلسلة يستمر إنزالها مستقبلاً بنفس النمط والغرض منها توثيق الأغنية اليمنية بمختلف ألوانها التراثية.
❊ أي أن جديدك هو تبنى مشروع توثيقي لمجموعة الأغاني التراثية؟
- أنا أركز على هذا الجانب.. يجب أن نحصر تراثنا أولاً ونسجله ونوثقه في المنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر، »منظمة اليونسكو« مثلاً أذكر لك حدثاً وطنياً مهماً لم يدخل ضمن قائمة التراث في فنون وغناء الشرق غير الأغنية الصنعانية، وقد تقدمت دول عربية كثيرة بشكوى لماذا الأغنية الصنعانية بالذات- وهذا لأن لها خصوصية ولا تشبه أي أغنية أخرى على الاطلاق وهذا بالنسبة لنا مكسب كبير، ونحن نريد استغلال هذا الجانب.
توثيق وحفظ
❊ كيف يتم انتقاء الأغاني المختارة عند إنزال ألبوم جديد؟!
- من خلال التجارب والخبرة السابقة يحصل نوع من الاختلاف في وجهات النظر للشريط الواحد فلكل مستمع نمط معين ومهمتنا أن نعمل على إشباع الميول المختلفة في نفس الألبوم الواحد وفي نفس الوقت نخلق أسلوباً جديداً في التعامل مع الأغاني.. هذا غير توثيق وحفظ الأغاني التراثية وضرورة أن يكون لها نصيبها في كل إصدار جديد.
قرصنة وطمس
❊ نلاحظ انحساراً في الفن الخلاق يقابله ضخ للفن الهابط.. كيف باعتقادك يتم كبح الأخير لصالح الأول..؟!
- يا عزيزي هذه مأساة.. بعض الأشخاص أو الجهات أنزلوا قبل فترة شريطاً لبعض الفنانين تفاجأت ان فيه مجموعة ألحان تراثية نسبت لشاعر وملحن آخر.. والمصيبة ان الشريط مر عبر لجنة المصنفات في وزارة الثقافة، والحقيقة أنا صعقت حينما شاهدته، ألحانه تراثية من ضمنها ألحان غنيتها أنا..
هناك هبوط في شارع الفن، وهذا كله بسبب تجاهل الجميع وعدم وجود معرفة حقيقية بعظمة مانملك لأننا لانتعامل مع الموسيقى كثقافة بل كترف، وتقول هذه ألحاني وكلماتي هذه قرصنة وطمس للهوية الثقافية الفنية اليمنية..
گارثة
❊ لكن الجمهور قد يكون يستحسن هذه الأنواع.. وتلبي رغبته؟!
- يتحدث بانفعال.. يا أخي الجمهور يتربى مع المادة التي تعطيها ومع الأغنية التي يتلقاها ودور مؤسسات الدولة هو أن ترقى بمستوى الإنسان سياسياً وثقافياً وإعلامياً، كثير من البلدان لايمكن أن تساعد على الاسفاف، وإذا حدث فهي في حدود لاتخضع للرقابة لكن، أنها تمنح ترخيصاً من لجنة حكومية لتشويه التراث فهي كارثة.
مؤشرات خطيرة
❊ أعرف وشاهدت موظفين في الثقافة يسحبون أشرطة مزورة من السوق.. فمن تتهم بالتقصير تحديداً؟!
- يا صديقي هناك في إدارة المصنفات الفكرية بوزارة الثقافة شخص جيد للأمانة لكن المشكلة في قرارات لجنة المصنفات فهي التي تجيز هذه الأشرطة.. اتصلت ببعضهم قالوا لم يمر عبرنا.. طيب عبر من مرت؟؟ شخصان أو (3) أشخاص حضروا وكل واحد يتنصل من المسئولية.. وهي مؤشرات خطيرة جداً، ولا أحد يهتم بهذا الجانب.. حتى القضاء يقول لك القاضي: »يا أخي لاتشغلنا بالفن.. من أنت؟«.
❊ برأيك لماذا هذا النفور من تعامل القاضي مع القضية الفنية؟!
- باسماً في المحكمة القاضي ينظر يميناً وشمالاً.. حين يأخذ ملف القضية ويقول هذه قضية فنية!!؟، وأنا فضيلة القاضي العلامة فلان الفلاني!!.. أقترح أن يكون لدينا محكمة متخصصة منعاً للإحراج الذي نقع فيه والقاضي، على الأقل مساواتنا بالأحداث مثلاً هناك في مصر شرطة مصنفات تحبس ونيابة مصنفات ونشاهد الآن كيف تحارب أمريكا العالم من أجل الحقوق، وقد شاهدنا وشاهد العالم كله أن أول مانهب في العراق هي المتاحف والفنان والمكتبات وهنا تأتي الحاجة لمحاكم فنية فمن أجل الحقوق تندلع حروب بين الدول ولكن كيف نستطيع أن نمنع الآخرين في الدول الأخرى من السطو على تراثنا، وكيف نثبت حقنا في هذا الموروث وأنت تعيد صياغته بشكل مشوه ورديئ، إذاً أنت أخذته منهم وبالتالي هو ليس تراث كما ندعي.
سطو خليجي
❊ بمناسبة السطو كان لديكم خلاف مع شركة إنتاج كويتية يتعلق بحقوق الفنان/ فيصل علوي إلى أين وصلت هذه القضية..؟
- هذه شركة رومكو جاءت إلى اليمن عام 2004م من أجل امتلاك أغاني الفنان فيصل علوي والاستحواذ عليها بحجة أن لديها عقود تمليك من الفنان فيصل علوي بينما أتضح عند اظهار هذه العقود أنها مزورة.. ولاتحمل توقيع الفنان فيصل علوي الذي قال يومها أن عملية التسجيل لهذه الأشرطة تمت بطريقة مباشرة لجلسات خاصة.
يعني، أن الفنان فيصل علوي كان يستدعى ويحل عندهم ضيفاً ويقومون بتسجيل مجموعة من الأغاني والأشرطة مقابل شوية مصاريف وهدايا للفنان.. وطبعاً لم يكن الفنان يعرف أن هذا سيؤدي إلى استغلال هذه الأعمال على مدى السنوات واستمرار استغلال أغاني الفنان اليمني ظاهرة معروفة في السوق الخليجي بشكل عام ومازالت.
ختومات شطرية
❊ وكيف انتهت القضية؟
- مؤسسة 13يونيو التي اشترت من الشركة الكويتية حق الامتياز الوهمي في اليمن تجنبت وصول القضية للمحكمة وفضلوا حلها في نطاق وزارة الثقافة فقط، رغم أنهم أتوا بعقود معمدة من القاهرة تحمل ختم يمني شطري يحمل اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهي ختومات للقنصلية السابقة قبل الوحدة حيث كانت الختومات مع أشخاص هناك وهي نفس الأختام الشطرية التي قدمت في قضايا مشابهة للفنان أبوبكر سالم استعاد بعد اكتشافها نحو 38 شريطاً من شركة رومكو الكويتية.
الحمد لله كانوا في الوزارة متعاونين معنا وتعاون معنا الوزير والوكيل في هذا الموضوع.
❊ ما سر غياب الأصوات الفنية النسائية عن الساحة وكذلك خشبات المسرح؟!
- في الحقيقة نحن في اليمن نتجه اتجاهاً آخر.. لسنا مهتمين بالإنسان، كنا إلى (20) سنة في زخم فني.. ثم حصل انحسار.. لماذا؟! لأنه لم نعد نهتم بالفن كفن..هي قضية مجتمع، وبالنسبة لنا كفنانين لانحمل وزارة الثقافة وحدها المسئولية.. هي مسئوليتنا أيضاً كلنا فاليمن تمتلك موروثاً فنياً وثقافياً ثرياً لكن في الواقع العمل غير موجود.
قد تجد حالات فردية وأنشطة موسمية لا تأخذ جانب الديمومة أو المنتظمة والمبرمجة.. ولاتوجد بنية تحتية ففي المناسبات الرسمية مثلاً عند تقديم أوبريت أو أعمال فنية للمناسبة تحدث فضائح.. كوادر ضعيفة والمعدات والأجهزة، لا تصلح للأعمال الفنية سواءً على المسرح أو الميادين فتضطر تستأجر من الخارج.
تگاليف باهظة
❊ هل قام التلفزيون اليمني بدوره تجاه الأغنية اليمنية من وجهة نظرك.. وهل مساحة الأغنية اليمنية كافية مقابل الأغاني الأخرى؟!
طريق مسدود
- في الحقيقة التلفزيون اليمني بحاجة لموازنات الأغنية تكلف كثير، فالأغنية تكلف من (300) إلى (400) ألف دولار، وعندنا لايوجد قدرة لإنتاج أغنية ولو بألف دولار، وبالتالي لاتستطيع انتاج اغنية صحيحة.
صاحب البرنامج التلفزيوني لايجد مادة غنائية يمنية يشد بها الجمهور ويجذب المشاهد بسبب رداءة التصوير وشكل الفنان ومظهره وكذلك الديكور يلجأ إلى الأغنية الأخرى.
❊ كنت رئيساً للجنة التحضيرية لإنشاء نقابة للفنانين.. أين وصلتم؟!
- وصلنا لطريق مسدود.. بعد (6) أشهر جهزنا خلالها النظام الأساسي وأقر وأعددنا للانتخابات، أصبح مصيرها مؤجلاً نتيجة بروز قضايا شخصية وظروف خارجية تتعلق بالتمويل والدعم المادي، أبعدتني عن الاستمرار في بذل الجهود لإنشاء مثل هذه النقابة، ومع الأيام أخاف أن أصل لقناعات بأنه سيكون شأن نقابتنا شأن أي نقابة أخرى ليس لها دور في المجتمع إلاَّ ما ندر.
نظرة متخلفة
❊ لماذا هذه النبرة اليائسة؟
- هذه هي الحقيقة المرة فالمسيرة الفنية في بلادنا تعاني من الاحباط الشديد نتيجة لعدم وجود قناعات ورؤية حقيقية لماهية الفن ودور الأغنية في حياة الشعوب فالجهل متفشي حتى بين أوساط ذوي الشأن الذين مازالوا ينظرون للفن والفنان بالنظرة الدونية بحيث تفرد مساحة بسيطة للأصوات الفنية النسائية وانحسارها في أداء دورها في الفن واستمرارها، فالأمر مرتبط بشكل كبير بدور الأسرة والمجتمع ونظرتهم المتخلفة للقضية الفنية وأيضاً خوف الأسرة من الوسط الفني الملوث وتمسك المجتمع بالعادات والتقاليد فكثير من الأسر لن تسمح لإبنتها امتهان الفن حيث والمستقبل غير مأمون العواقب وهم على حق في ذلك أما دور المؤسسات الخاصة فدورها ضعيف جداً لانستطيع حتى ان تنشل نفسها من هذا المأزق بسبب غياب التشريع وأيضاً غياب الأرضية المناسبة والحماية التي هي ضمان كل عمل أو نشاط.
عينة بضاعة
❊ هل تعتقد بإمكانية الاستثمار في المجال الفني؟
- هذا مجال خصب والطموحات موجودة، لكن الطامة الكبرى هي عدم وجود حماية الحقوق، فمن أين ستطور شركات الإنتاج مشاريعها بغير حفظ حقوقها؟!.. فهي عبارة عن بضاعة عينية أو روحية وبذل جهد من قبل اشخاص، وبالتالي تنظر مردوداً، فسرقة الحقوق هي مأساة وكل وزير ثقافة يأتي يتنصل عن هذه المسئولية، وهي مربط الفرس وأهم الأسس، لكن يقول لك »هذه مسألة لانقدر لها تريدنا نقتلب لك شرطي؟! يلاحق الأشرطة في كل زغط«..
ونحن لانريد سوى وضع ضوابط تنظم وتحفظ حقوقنا، وبالتالي ستأتي شركات إنتاج ومستثمرين مثل أي دولة ولعلنا لاحظنا عند تحرير القطاع الخاص الفني في الوطن العربي كان لتلك الدولة قناة فضائية واحدة بائسة الآن شوف كيف أصبحت وهذا بفضل الحماية.
|