عبدالولي المذابي -
< كان تفكيك المؤسسة العسكرية والامنية وتدمير الامكانات والعتاد واضعاف معنويات الجنود والضباط هدفاً واضحاً ورئيسياً للقوى المتآمرة على الوطن ووحدته منذ أن وضعت معركة الدفاع عن الوحدة اوزارها في صيف عام 1994م. وتشكَّل هذا الهدف لدى تيار البيض الانفصالي من اعتقاد خاطئ بأنه هُزم في تلك الحرب بفعل الآلة العسكرية القوية، متناسياً ان التفاف الوحدويين من جنوب اليمن قبل شماله حول الوحدة والدفاع عنها كان اللاعب الرئيسي الذي حسم المعركة في أقل من 70يوماً. وفي العام 2011م قاد تحالف أحزاب المشترك والحوثيين مؤامرة جديدة وضعت نصب عينها ذات الهدف - تدمير الجيش- كطريق للوصول الى السلطة من منطلق ان المؤسسة العسكرية والامنية هي عماد النظام الذي يعيق تلك القوى عن تحقيق أهدافها، وقد فشلت تلك القوى في اسقاط النظام بسبب الالتفاف الجماهيري حوله وليس بسبب الجيش، وتحقق انتقال سلمي للسلطة عقب توقيع المبادرة الخليجية في الرياض واجراء الانتخابات الرئاسية ورغم كل ذلك ظلت المؤامرة على المؤسسة العسكرية والامنية قائمة عقب تشكيل حكومة باسندوة التي كلفت بتنفيذ بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، ولكنها تجاوزت كل البنود الواردة في المبادرة وآليتها وركزت على هدف واحد هو تفكيك وتدمير الجيش باسم الهيكلة وقدمت كل التسهيلات لهذا الغرض بتواطؤ من المبعوث الاممي جمال بنعمر الذي اشرف بنفسه على عمليات التسليم والاستلام بين قيادات وحدات الجيش بمختلف تشكيلاتها، كما اعقب ذلك اصدار قرارات جمهورية بإعادة هيكلة وحدات الجيش تضمن الغاء بعضها ودمج البعض واستحداث وحدات ومسميات جديدة بالاضافة الى اجراء نقل بعض المعسكرات والألوية من مواقعها الى اماكن ومناطق جديدة. وقد أسفرت هذه العملية عن تدمير الوحدات النوعية في القوات المسلحة والتي تم انشاؤها وفق أعلى معايير الكفاءة سواء من حيث إعداد الكوادر او من حيث التجهيزات والامكانات والاسلحة المتطورة، ومن ذلك وحدات وألوية قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة..ولم تتوقف المؤامرة على المؤسسة الامنية والعسكرية بل اتخذت اساليب ووسائل اكثر بشاعة تمثلت في سلسلة طويلة من الاغتيالات أدت الى استشهاد نحو 400 ضابط من خيرة رجال القوات المسلحة والامن، وسط صمت رهيب من الحكومة ووزارتي الدفاع والداخلية. وما يثير التساؤل ان تلك العمليات التي نفذت اغلبها -إنْ لم تكن جميعها- في وضح النهار لم يتمخض عنها تغيير مسئول واحد سواءً في القيادات العليا او الوسطية او حتى مدير امن محافظة، ولو من باب امتصاص غضب الناس. وهو ما فسره بعض المراقبين بالتواطؤ من قبل وزارتي الداخلية والدفاع ازاء ما يجري من اختلالات امنية واستهداف منظم لكوادر الجيش والشرطة خصوصاً بعد كارثة اقتحام مجمع وزارة الدفاع المعروف بالعرضي وسط العاصمة التي تعد ابشع عملية ارهابية تنفذ في اليمن منذ تشكيل تنظيم القاعدة، وهي التي دفعت القاعدة للاعتذار والاستعداد لتعويض الضحايا، في حين لم تقدم الحكومة أي اعتذار عن تقصيرها واهمالها لواجباتها في حماية الناس، وكان الجميع يتوقع تعديلات وزارية عاجلة في وزارتي الدفاع والداخلية كأقل نوع من الاعتذار ان لم يكن إقالة الحكومة فوراً. في هذه الاثناء يسعى المبعوث الاممي جمال بنعمر حثيثاً لتقسيم اليمن بدعم واضح من قطر وتنسيق مع الحزب الاشتراكي الذي تتولى قياداته فصائل الحراك الجنوبي الانفصالي، وقد اعطت وثيقة بنعمر الانفصالية ضوءاً اخضر للحراك الانفصالي كي يسيطر على مؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية باسم الهبة الشعبية لاستعادة الدولة، والتي تحاول القوى الانفصالية توسيع نطاقها لتشمل كافة المحافظات من خلال فرض العصيان المدني بالقوة الجبرية او من خلال المصادمات المفتعلة بين المواطنين وقوات الشرطة والجيش لإثارة الحقد ضد الجيش، وهو ما أدى الى غياب شبه كامل للشرطة في حضرموت وصل الى 95% بحسب تصريح المحافظ الديني ما اضطره الى الاستعانة بالجيش. مجزرة مجلس العزاء في الضالع ببشاعتها ألهبت مشاعر الناس في الشمال والجنوب اليمني.. وبإلقاء نظرة على تفاصيلها وبيان اللواء 33 يتكشف جلياً ان اطلاق قذيفة دبابة من قبل أحد الجنود التابعين للحراك يأتي في سياق ذات المؤامرة الهادفة الى ازاحة هذا اللواء وقائده المشهود له بالكفاءة والاخلاص تمهيداً لإعادة براميل التشطير على بوابة الضالع، يليها عمليات الطرد والتنكيل بالمواطنين المنتمين للمحافظات الشمالية ومن ثم اعلان استعادة الدولة. ولعل السكوت عن مؤامرة تدمير الجيش سيشجع الكثير من القوى على اعلان دويلاتها بما فيها القاعدة التي احتلت محافظة ابين لمدة عام واعلنت فيها امارتها الاسلامية قبل دحرها من قبل اللجان الشعبية بمساندة الجيش..ولعل السؤال الكبير الذي يُطرح اليوم ما الذي ستقدمه وثيقة بنعمر بإنشاء اقاليم شمالية جنوبية خالصة بصلاحيات كاملة تتمتع بأعلى قدر من السيادة، فضلاً عن الغاء اتفاقية الوحدة واستبدالها باتفاق اقامة دولة اتحادية تعترف بالدولتين ضمنياً وهو ما يمنحها الحق مستقبلاً بالتراجع عن هذا الاتفاق واعلان الانفصال في أي لحظة. ويدفع البعض بأن هذه الوثيقة تثير مخاوف عدة اكبر من مخاوف الانفصال كدولتين وتتجاوزها الى تشظي البلد ووقوعها في فتن وحروب اهلية طويلة قبل ان تستقر على أربع دول على الاقل، ويدعمون اعتقادهم هذا بالصراع القائم حالياً بين فصائل الحراك الجنوبي وادعاء كل فصيل أحقيته بتمثيل الجنوب واستلام السلطة، في حين تستعد قبائل حضرموت لانفصالها عن اليمن بشكل منفرد لاقامة دولة حضرموت الكبرى. وفي الشمال لاتزال جماعة الحوثي مسيطرة على صعدة رغم انف الدولة التي لم تجرؤ حتى الآن على اعادة محافظ صعدة المعين بقرار جمهوري طه هاجر، وعين الحوثة تاجر السلاح المعروف فارس مناع محافظاً لصعدة منذ أكثر من عامين والذي يمارس مهامه رسمياً، فيما الدولة تغض النظر عن هذا الوضع الذي يشير الى مشروع دويلة مستقلة في صعدة والجوف وقد تشمل حجة وعمران، كما يبدو في حالة الصراع القائمة حالياً بين الحوثيين والسلفيين. وكان الحوثة قد خاضوا ست حروب مع الدولة منذ العام 2001م سقط خلالها الآلاف من الجنود والحوثيين، واستنزفت ميزانيات ضخمة بالاضافة الى تدمير العتاد والاسلحة والذخائر والآليات العسكرية، وكانت البداية لاضعاف هيبة الدولة وكسر شوكتها، حيث تبين فيما بعد تورط قيادات كبيرة في الجيش بأعمال فساد ونهب للمال العام باسم حروب صعدة شملت سحب اموال ضخمة وبيع اسلحة وآليات، فضلاً عن استخدامها من قبل اللواء علي محسن قائد المنطقة الشمالية الغربية لتصفية حسابات سياسية ومذهبية لحزب الاصلاح مع الحوثيين. هذه الاوضاع والاطماع لاشك تستدعي موقفاً جاداً من المؤتمر الشعبي العام وكافة القوى الوحدوية في الوطن من أجل التصدي لمؤامرة الانفصال قبل فوات الأوان وخروج الامور عن السيطرة نهائياً.
|