محمد علي عناش -
< بعض القوى السياسية والقوى الاجتماعية ظنت ما كنا نكتبه عنها نوعاً من المماحكات الحزبية التي لا طائل منها، واظنها لاتدرك ان المثقف الفرد لايكتب لمجرد المكايدة او استجابة لإملاءات من هنا او هناك - واظن نفسي من اولئك -بل يكتب استغواراً لجوهر الاشياء وقراءة واعية للمآلات، ومثل هذا قد يتأكد لمن يتابع مانكتب في هذه الصحيفة الغراء،
مازلنا حتى الأن نؤمن إيماناً مطلقاً بأن المؤتمر الشعبي العام- كتنظيم سياسي واجتماعي كبير- قادر على أن يلعب دوراً محورياً في هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا، وقادر على حماية ما تبقى للدولة من مقومات، من الانهيار والسقوط، وأن يصنع لحظة التغيير الوطنية في اتجاه البناء الوطني والديمقراطي وبناء الدولة الحديثة، إما بخيار الحوار والوفاق الوطني الجاد والمسؤول، وإما بخيار قيادة حراك شعبي وسياسي كبير مماثل لما حدث في مصر في30 يونيو الماضي، والخيار الثاني هو الأقرب نظراً لتعنت القوى التي ركبت موجة الثورة تحت مسمى الربيع العربي، واصرارها على المضي في مسار منحرف ومدمر.. فلا نعتقد أن الوقت والظرف العصيب الذي تمر به البلاد، يسمح بإمكانية الحلول الوطنية خارج هذين الخيارين، اللذين تحتمهما المرحلة.. لأن وضع البلاد قد وصل إلى مرحلة خطيرة، باتت تتطلب حلولاً وطنية عاجلة، واصطفافاً وطنياً كبيراً لمنع الانهيار الوشيك للدولة، ووضع حد لكافة التجاوزات والانتهاكات والعبث بالمال العام والفوضى الموجودة على جميع المستويات، منذ ثلاث سنوات من الأزمة الخانقة التي لم تنته حتى اليوم، بل أخذت تتفاقم وتتوسع بأبعاد خطيرة وكارثية، طالت كل شيء الأرض والإنسان والسيادة الوطنية، فكان من أبرز نتائجها، الانفلات الأمني والاغتيالات وأحداث مجمع وزارة الدفاع التي مازالت غامضة ومطموسة الحقائق وبتوافق أطراف نافذة في السلطة، كما كان من الكبائر في فقه الأزمة اليمنية- والتي سوف يسجلها التاريخ في أسوأ صفحاته- تفكيك المؤسسة العسكرية وتحويلها إلى كنتونات حزبية، وتمزيق الوطن بهوية «مطلع ومنزل»، وانتهاك سيادة الوطن وتنصيب بن عمر وصياً أممياً على قراراليمنيين وشؤون حياتهم وبلدهم.. خلال هذه الفترة قدم المؤتمر الشعبي العام التنازلات تلو التنازلات، وكان السباق إلى طاولة الحوار وطرح المبادرات التي تكفل الخروج من هذه الأزمة المفتعلة، وتجنيب البلاد ويلات الصراعات، مستلهماً في ذلك التجارب المريرة التي مرت بها بعض الدول العربية باسم الثورة والربيع العربي.. أعداء الحرية والتغيير وممتهني حرفة التضليل والمتاجرة بالقضايا الوطنية، من القوى الانتهازية والظلامية والانقلابية.
كانوا يدركون ما يمثله المؤتمرالشعبي العام من إعاقة لمشروعهم الانقلابي وطموحاتهم اللاوطنية في الاستحواذ على السلطة والثروة، لذا صار المؤتمر كتنظيم سياسي هو المستهدف الأول من قبل هذه القوى، التي سعت جاهدة إلى تفكيكه وإلى إجتثاثه، حيث تعرض للضربات تلوالضربات، بإقصاء كوادره واستهدافهم في وظائفهم ومناصبهم، وتعرض قياداته الوسطية لسيناريو اغتيالات ممنهجة مازالت مستمرة حتى اليوم، يحدث كل هذا في ظل صمت رعاة المبادرة الخليجية وعلى رأسهم المبعوث الأممي جمال بن عمر، الذي لم يعر هذه الممارسات أدنى اهتمام ولم يعتبرها من المعوقات والأسباب التي أخلت بالوفاق الوطني في العمق والمضمون، لكنه يتجاسر على قناتي "اليمن اليوم" و"آزال"، لأنهما صوت إعلامي حر ومهني، يفضح ويفكك أخطاء وتجاوزات وسلبيات المرحلة الانتقالية التي تحولت على يديه إلى مرحلة انتقامية.. خيار التسوية السياسية والوفاق الوطني الذي استبشرنا به خيراً، فشل في إخراج البلاد من أزماتها ومعالجة القضايا والمشاكل الوطنية، بل أضاف أعباءً جديدة ولم يحافظ حتى على مستوى الوضع قبل الأزمة.. وأمام هذا الوضع المتردي والمخاطر التي تتهدد الوطن ووحدته وسلمه الاجتماعي، في ظل صمت وتخاذل وتواطؤ القوى السياسية والنخب الثقافية المحسوبة على تيار التحديث والدولة المدنية والتقدم الاجتماعي، التى صارت متحالفة وفي خندق واحد مع القوى التقليدية والظلامية أعداء مشروع الديمقراطية والتحديث والتطور الاجتماعى منذ انقلاب 5 نوفمبر 67م، بات الأمر ملقى بثقله على كاهل المؤتمرالشعبي العام كتنظيم له حضوره وجماهيريته، ومعه كل القوى والمنظمات والنخب السياسية والثقافية التي تشعر بما آل إليه وضع البلاد من سوء وتدهور، وتؤمن بحتمية التغيير وتحمل المسؤولية الوطنية في هذه المرحلة، فعلى المؤتمر أن يخرج من دائرة الصمت الشعبي والجماهيري، وأن يغلق بوابة التنازلات فلم يعد الوقت والظرف يسمحان بمزيد من التنازلات والاعتبارات، في ظل استمرار الاستهداف الممنهج لوحدة الوطن ومؤسساته العسكرية والأمنية، وما تبقى قائماً من بُنَى الدولة التي أوشكت على السقوط والانهيار والعودة إلى مرحلة اللادولة واللانظام، فلابد له أن يبادر إلى تفعيل قطاعاته الشبابية والطلابية والنقابية والجماهيرية، لقيادة اصطفاف وطني لانتشال المرحلة من مستنقع الفوضى والخراب وإنقاذ سفينة الوطن من الغرق.