محمد علي عناش -
الثورات عندما تندلع ضد أي نظام ،إنما لتقيم دولة العدل والحرية، كهدف مركزي ثابت لأية ثورة أوحركة تغيير طموحة، وبالتالي يجب أن تحدد الأدوات الحقيقية والفاعلة لإقامة هذه الدولة، وأن ترسم المسارات السليمة وأن يضبط الإيقاع في اتجاه بلوغ الأهداف وتحقيق الغايات الوطنية في التغيير وصنع التحولات اليمنية الشاملة..
فهل ترجمت الساحات الثورية هذه الغايات؟ وهل شكلت عامل ضغط قوي ومؤثر لتحقيق أهداف التغيير وفي مقدمتها بناء دولة المؤسسات، رغم أن الخيام ظلت منصوبة في الشوارع والساحات لأكثر من سنتين؟بالتأكيد لا.. بل مضى الإيقاع الثوري منذ البداية، في اتجاه تحقيق طموحات الأشخاص، وتكريس الحدث في اتجاه إقامة دولة التنظيم "الإخوان" وبركائز ومقومات نصف النظام الذي نزل إلى الساحات، والمؤلف من قوى قبلية وعسكرية ودينية وقوى متحولة انتهازية، سعى الإصلاح سعياً حثيثاً لإعادة إنتاجه من جديد نظاماً كاملاً من داخل الساحات، بحكم أن الإصلاح كان مسيطراً ومتحكماً في أدوات ومجريات الأحداث الثورية، أما بقية الأحزاب ذات التكوين التقدمي، فلم تكن سوى ديكورات لتسويق الحدث كثورة تغيير مدنية، وهو ما بدأ الإصلاح في تحقيقه بالفعل منذ تشكيل حكومة الوفاق الوطني، التي لم تعكس في أدائها حالة وطنية وفاقية، وإنما حالة حزبية وتبعية لمراكز قوى تقليدية تم تصنيفهم بأنهم حماة الثورة، ولم تسعَ إلى إنجاح التسوية السياسية والمرحلة الانتقالية، بل جاءت معبرة ومدافعة عن مصالح "التنظيم والشيخ والجنرال الرئاسي"ومن خلفهم طابور طويل من الشخصيات الحزبية المتحولة والقوى المدنية الانتهازية، ومنفذة لأجندتهم وطموحاتهم في الاستيلاء على السلطة والثروة، الإقصاء الوظيفي والتجنيد الحزبي والإعفاءات الضريبية وعقود المقاولات والتوكيلات، أبرز مظاهرها وأدواتها.. نحن اليوم نعيش الذكرى الثالثة لأحداث الأزمة اليمنية التي مازالت تلقي بتبعاتها الثقيلة على كاهل الشعب، ومازالت تستنسخ الآلام والفواجع وترسم مصيراً يمنياً مجهولاً وقاتماً، نظراً لإصرار قوى الأزمة والتأزيم على الانحراف عن أهداف التغيير الطموحة والتكالب للسيطرة على المؤسسات العسكرية والمدنية..
بدورنا نحن الذين كان لنا موقف من هذا الصخب الثوري العدمي الذي تجاوز منطق العقل والمنطق، أن نجاريهم في تمجيد11فبراير كيوم وطني للتغيير.. وهو في حقيقته لم يرتق طوال هذه الفترة إلى هذا المستوى، وإنما جسد في تفاعلاته وتطوراته، أزمة وطن وخيبة أحزاب، ولا يزال يفرز نتائجه الكارثية باعتباره يوم أزمة يمنية، كونه لم يصل إلى منتهاه كثورة كما حصل في تونس ومصر، وإنما كأزمة تم تسويتها بمبادرة خليجية ومؤتمر حوار وطني، والتي بدورها سارت في مسار منحرف، أي ليس في اتجاه الحلول والمعالجات وإنما في اتجاه التأزيم المستمرفي جميع الاتجاهات وبمختلف الأدوات، عبر المماطلة والتلاعب في تنفيذ بنود المبادرة الخليجية، وارتفاع وتيرة الاغتيالات والهجمات الإرهابية والفساد الحكومي الممنهج وقطع الطرقات وضرب الكهرباء وتفكيك المؤسسة العسكرية والأمنية وتحويلها إلى قطاعات حزبية، وإثارة الحروب والصراعات القبلية والطائفية، وصولاً إلى الخروج بوطن مقسم إلى أقاليم.. لم يكن هناك أي رد فعل لمناهضة ومحاصرة هذا الانحراف، من قبل القوى والائتلافات الشبابية والتي قيل إنها بلغت أكثرمن أربعمائة ائتلاف ومكون، ماعكس وجود خلل كبير في عمق الحدث الثوري الذي أخذ مسمى ثورة الشباب، التي لم تكن سوى سلم تسلقت عليه القوى التقليدية والأحزاب وبالذات الإصلاح، والذين مارسوا السلطة بوعي الفيد والغنيمة ورسخوا تجربة سيئة وفاشلة في إدارة شئون البلاد طوال سنتين، انعكست سلباً على جميع الجوانب وخاصة تدهور الحياة المعيشية للمواطنين، والانفلات الأمني، وفقدان هيبة الدولة وغياب وظيفتها الاجتماعية والتنموية.. اليوم الجميع يرثون لحال البلاد ووضعها السيئ، وينددون بممارسات وتجاوزات الحكومة وفشلها، ويعلنون أن ثورة الشباب قد سرقت وتم مصادرتها لصالح حزب الإصلاح وقواه التقليدية المختلفة، إذاً أين هي الأربعمائة ائتلاف شبابي؟ لماذا لا يتحركون كي يصححوا المسار كما فعل الشباب في مصر في يوم 30 يونيو العظيم.. نحن لا نريد من وراء تساؤلنا أن نقول إنها كانت مجرد وهم ونلغي وجودها، بقدر ما نهدف إلى قراءة الحدث قراءة موضوعية، واكتشاف الخلل ومواطن الإخفاقات في الفعل والخطاب الثوري الشبابي..الشباب كانوا ضحية للأحزاب التي حسمت الأحداث والتسويات بشكل مغاير لتطلعات الشباب في التغيير، وإنما وفقاً لتحالفات المصالح، لكن هذا لا يلغي وجود إشكالية جوهرية تكمن في افتقاد الشباب للقدرة على التنظيم والحشد وقيادة فعل ثوري مضاد،وبلورة خطاب جديد ينطلق من قضايا وثوابت ومتطلبات اللحظة وماتفرضه من استحقاقات.. الحقيقة أننا دائماً ما نفشل لأننا نقترب دائماً من الوهم ونقفز فوق الممكن، كما تلعب العاطفة فينا دوراً كبيراً في مواقفنا وتوجهاتنا، ويغيب العقل والعقلانية في تفاعلنا وأحكامنا، بينما ينجح الآخرون كما في مصرمثلاً، لأنهم اقتربوا من الحقائق وموضوعية الأمور، أدركوا أن مشوار الألف ميل في اتجاه القمة والمجد وتحقيق الأهداف، يبدأ بخطوة منضبطة ومدروسة ومتجردة من العصبية والتطرف في المواقف.