عبدالرحمن مراد -
< كنت قد تحدثت في أكثر من مقال عن حالة التغيير والعملية الانتقالية في اليمن، وعبرت عن قلقي من تداخل القوى ذات التاريخ الصراعي مع العملية الانتقالية التشريعية، وذلك خوف أن تفسد آمال وتطلعات ابناء اليمن والأمة اليمنية في التغيير والانتقال.
وسبق لي القول إن الثورات بقدر حاجتها الى الطاقة الانفعالية في لحظات التكوين الأولى ولحظات التشكل فهي تكون أكثر حاجة الى الحكمة والوعي بالتاريخ، ذلك أن الطاقات الانفعالية تفقد سيطرتها في اللحظات الصادمة ولا يمكنها صناعة الغد لفقدانها القدرة على تهيئة المناخات الملائمة له.
ثمة مفارقة تاريخية، وثمة واقع يتشكل.. والذي يبدو لنا في صورة المشهد وتحت سمائه أن الذين يديرون لحظات التحول أو يسيطرون على عجلة المستقبل هم أولئك الذين انتجهم منطق الصراع في القرن الماضي.
فحين نتحدث عن ثورة سلمية تحمل تباشير المستقبل وتعيد صياغة نفسها وفق متطلبات جديدة وعصرية فإننا نتحدث بالضرورة عن بدائل قيمية جديدة تتجاوز الماضي لتصنع وهج المستقبل، ولا يمكنها الرضوخ لهيمنة الماضي ولا لصراعاته ولذلك لابد أن تحضر قيم الثورة ومفرداتها من السلمية والتسامح والتعايش وحق الآخر في الوجود واحترام خياراته وحريته في التعبير عن ذاته أو عن مشروعه دون انتقاص أو تسفيه في الخطاب العام وفي السلوك وفي الممارسة.
كما أننا حين نتحدث عن تغيير نظام فإننا حتماً لا نتحدث عن المظاهر الشكلية للنظام ولكننا نتحدث عن البناءات العامة التشريعية والهيكلية التي تكون تعبيراً عن واقعنا وضرورات اللحظة الجديدة ومتطلباتها وبحيث تكون في حالة تجاوز لمفردات الاستبداد والجبروت والطغيان والاقصاء، وتكون في حالة قدرة على تجسيد هويتها الحضارية الجديدة المتفاعلة مع العصر حتى تشعر الأمة اليمنية بقدرتها على استعادة مجدها ووهجها الحضاري فقد عانت كثيراً من الويلات والصراعات والانقسامات ومن حقها أن تهدأ قليلاً حتى تعي ذاتها وتاريخها وثقافتها وحضارتها لتصنع من كل ذلك الثراء التراكمي يمناً جديداً يمتد من عمقه الحضاري ويضيف إليه ولكنه لا يتماثل أو يتشاكل معه، وكم أتمنى على القوى التاريخية ورموزها أولئك الذين عاصروا صراع الماضي أو كانوا امتداداً له أو تربوا على قيمه وثقافته أن يذهبوا بعيداً عن صناعة المستقبل ويفسحوا المجال للأجيال التي تليهم من أولئك الانقياء والاصفياء الذين لم تخالط صفحاتهم البيضاء قطرات الدم الحمراء وليس لهم موقف من الماضي، وقضيتهم الجوهرية هي اليمن ومستقبلها وبناءاتها الحضارية الجديدة في ظل مواطنة متساوية وشراكة حقيقية.
أما عملية الاستبدال التي نشهد تفاصيل وجودها في حاضرنا وفي تموجات اللحظة مع ما يصاحبها من مظاهر الاختلالات ودوافع الفساد ففي ظني أن مثل ذلك من معوقات الانتقال لا يشكل مطلباً حيوياً للأجيال الجديدة التي تهيأت لها الفرصة التاريخية لتساهم في صناعة التاريخ وتصبغ الحاضر والمستقبل بصبغتها الثقافية والحداثية الدالة عليها، لا تلك التي تومئ الى غيرها.
وما يجب ادراكه هو أن الثورة فعل تطهيري يغسل كل أدران الماضي ويتجاوز اشكالاته، وحين نعمد الى الاشتغال على مفهومها الشامل فيفترض ألا نستثني أحداً ،إذ أن صفة «الثبات» صفة عامة في المشهد السياسي بل وفي المشهد الثقافي والاجتماعي، وقد دلت أحداث التاريخ أن كل قادم جديد لابد أن يكون أعداؤه من مكونات الماضي وتجلياته ومظاهره، ودافع الخوف من الجديد هو الذي يهدد ملامح الغد ويئد أحلام التغيير ولذلك لابد من الخروج من نفق الماضي بقبس يضيئ أحلام المستقبل وأبعاده وألوانه.
وأمام حالة الانقسام في المشهد بين قوتين، قوة تصطف الى جهة الماضي وأخرى تصطف الى جهة المستقبل والتغيير، نكون أمام سؤال كبير في حياتنا تختزله هذه العبارة:
الى أين تتجه رياح التغيير في اليمن؟
في ظني أن كل عمل تشوبه الاخطاء وتحيطه المخاطر والمخاوف، ويفترض بالقوى الثورية أن تتجاوز اخطاء الماضي وشوائب المرحلة فالثورة حركة متجددة ومن طبيعة الحركة تنقية الشوائب وتجاوز الاخطاء، وحالة الانقسام في المكون الشبابي الثوري قضية علينا أن نتجاوزها الى المصالح المرسلة للوطن والاجيال القادمة..
نريد تغييراً حقيقياً ولا نريد لقوى الماضي أن تهيمن على المستقبل، وأمام مثل ذلك لابد من توحيد الجهود والطاقات من أجل يمن أجد وغد أفضل.