د. عبدالعزيز المقالح -
استيقظ العرب في مطلع شهر يونيو الماضي، وبالتحديد في الخامس منه، على نواح الصحافة العربية ونباحها من خلال تعاطيها مع يوم مشؤوم هو الخامس من يونيو 1967م بمناسبة مرور أربعين عاماً على ذكراه المؤلمة، وظن البعض ممن لا يقرأون التاريخ ولا يشعرون بحركة الحياة وتصاعد الزمن أن ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ العربي لم يتحرك من مكانه ولم ينهض من فراش هزيمته الصاعقة، ومن المؤسف أن الصحافة العربية أو بعضها لم تقف عند هذه المناسبة المؤلمة لاستخلاص الدروس المستفادة من هزيمة وصلت إلى العظم، وقراءة الواقع في ضوء النتائج التي ترتبت عليها، وإنما وقفت عندها لكي تعزف على نغمات نشاز ولإغراق الأمة في مزيد من الموت والصراخ وفتح الباب واسعاً لجلد الذات والانتقام من أزهى فترات التاريخ الحديث تلك التي بدأت مع ثورة 23 يوليو. أربعون عاماً مرت على النكسة، ومعنى ذلك أن جيلين أو ثلاثة أجيال ولدوا ونشأوا بعد النكسة، وأن هذه الأجيال غير مسؤولة عما حدث وإنما هي مسؤولة عما يحدث وسيحدث.. وعلى الصحافة وغيرها من وسائل الإيصال إذا ما توقفت عند تلك المحطة المؤلمة والفاجعة أن تعمل على قراءة ما حدث في ضوء ظروفه وفي إطار المؤامرات والأخطاء التي أدت إليه، بعيداً عن المبالغة والتضخيم والإسقاط والتيئيس. صحيح أن الضربة كانت قاسية وموجعة وأنه لا يصح بل لا يجوز أن تدخل في دائرة النسيان، وصحيح كذلك أن ذيولها ما تزال فاعلة في الحياة العربية حتى هذه اللحظة إلا أنها لم تكن نهاية الكون ولا آخر سطر في تاريخ أمة حية ما تزال تحارب أعداءها وتقاوم بإصرار كل محاولة لاختراق أمنها والمساس بثوابتها إيماناً منها بأن جذور الانكسار الراهن ليس في هزيمة يونيو ولا في أية هزيمة أخرى وإنما في القبول بنتائج هذه الهزائم والاعتراف بما يترتب عليها من تبعات قاتلة. لقد نجح العرب في 1973م، في تجاوز النكسة نفسياً، وكادوا ينجحون في تجاوزها مادياً لولا الخيانة البشعة التي أسهمت في خلق عوامل جديدة لاستمرارها وفتح بعض الأبواب العربية وغير العربية للعدو الصهيوني لكي يستثمر النكسة ويطيل أمدها، ومن حصاد تلك الخيانة إبعاد أكبر قطر عربي عن المواجهة، وكان على الصحافة العربية وبقية وسائل الإيصال أن تتوقف - في هذه المناسبة الحزينة - عند هذا البعد والتركيز على الواقع العربي اليوم، وعلى إنسانه الذي ما زال مؤمناً بأمته وقادراً على تقديم المزيد من التضحيات رافضاً التهويل والتخويف بما حدث في 5 يونيو 1967م، وبما حدث أيضاً في مارس 2003م في العراق، ولن يفت في عضده شيء أو يثنيه عن إيمانه وإصراره على المقاومة وتجاوز النكسات والهزائم مهما تكاثرت وتعاظمت. وللتأكيد ومن باب الحرص على إغلاق ملفات جلد الذات كلما طلع علينا شهر حزيران بيومه الخامس المشؤوم، كان ينبغي أن نتذكر أن الحياة سجال بين النصر والهزيمة، وأن هزيمة يونيو كانت رغم قسوتها مدخلاً إلى الوفاق والتضامن والإحساس بخطر العدو الذي تمت زراعته في قلب الوطن العربي لينقضَّ في اللحظة المناسبة على أي تطور يحرزه قُطر أو أكثر من أقطار هذا الوطن العربي، ولا أسوأ من أن تُقْدِمَ بعض وسائل الإعلام على استضافة أشخاص ينتمون إلى مصر عبدالناصر ويكتشف المشاهد أنهم مرضى ومصابون بقصر النظر وبالشوفينية الإقليمية البائسة لكي يتقيأوا حقدهم على العروبة وعلى ثورة يوليو العظيمة وما صنعته في الواقع العربي من تحولات، مؤكدين أنهم فراعنة وليسوا عرباً، وتلك مقدمة للقول بأنهم غير مسلمين فالذين ينكر عروبته لن يتردد عن إنكار إسلامه. ولهؤلاء من أشقائنا المحبطين في أرض الكنانة تقول لهم شواهد التاريخ بما فيها شواهد الهزيمة أن مصر في حربها في 1967م كانت تدافع عن مصر والمصريين وكانت تقف في وجه شعار الدولة العبرية الذي يقول أن أرض إسرائيل تمتد من الفرات إلى النيل، لا من اليمن إلى الجزائر، وأن بني إسرائيل هم الذين بنوا الأهرامات وصنعوا الحضارة التي يعتز بها كل عربي، وينحني لها إجلالاً كل إنسان على وجه الأرض!! سمير عبدالفتاح في (رواية السيد "م"): بعد أن أثبت وجوده المتميز في عالم القصة القصيرة، وفي دنيا الكتابة للمسرح يعلن سمير عبدالفتاح دخوله عالم الرواية من خلال أجمل عمل روائي وهو (رواية السيد "م")، ولا أدري من أين يأتي سمير بهذه اللغة الرائعة وهذه القدرة الفائقة على السرد المحكم والخيال البديع، لقد تنبأت منذ مجموعته القصصية الأولى بأن سيكون له شأن كبير في عالم القصة القصيرة وقد كان، وها أنذا أتنبأ مرة ثانية بأن سيكون له أكبر شأن في عالم الرواية.. وباختصار شديد. رواية السيد "م" تدرس النفس الإنسانية وما تتعرض له في الظروف غير السوية من اضطرابات وكوابيس. تأملات شعرية: من وحي رحيل الفنان الكبير محمد حمود الحارثي مُذ رحلوا، وغاب ضوؤهم فلا شمسٌ تمر فوقَ المدن الثكلى ولا قمرْ. انكسرَ الهديلُ في حنجرة الصبح وكفّ طائرُ النهار عن غنائه العذب وكفَّ - عن حنينهِ - الوترْ. الثورة