مصلحة الضرائب.. أوراق مفتوحة للإضافة ❊ استطلاع/ عبدالعزيز عبدالله < الضرائب واحدة من الموارد الأساسية التي ارتبط تحصيلها ومصيرها بالخزينة العامة للدولة، وإحدى الدعائم النقدية التي تتكئ عليها الموازنة المالية السنوية لإنجاز مشاريع التنمية والنهضة التي يحتاج لها الوطن ويتطلع إليها المواطن. وبهذه النكهة النقدية التنموية اكتسبت الضرائب اهمية مبكرة في السياسة الحكومية واستراتيجيات التخطيط ليشهد يوم 1978/9/25م وضع أول حجر أساس لمشروع مبنى يسمى »مصلحة الضرائب« تتولى القيام بتحصيل الضرائب وتوريدها الخزينة العامة وفق ضوابط وإجراءات قانونية منظمة لذلك. ولكوننا هنا في هذه المساحة اختططنا لأنفسنا نهجاً لايتناقض مع تقديسنا لالتزامات المهنة الراقية، ولايتقاطع مع إيماننا بدورنا النبيل كصحافة في المشاركة في عملية الإصلاح، ولا يجرمنا فيه شنئان قوم عن حبنا للعدل فقد سلكت بنا رجاءاتنا لاستطلاع الجميل وكتابة الأجمل إلى مبنى رئاسة مصلحة الضرائب قمة الهرم الضريبي الذي يمتد على خارطة الوطن، والمكان الذي صعد منه وزير لإحدى الحقائب السيادية المهمة في حكومة إبريل. لنعود من هناك بهذه السطور.. مشاهد من الداخل ^ رئاسة مصلحة الضرائب رب البيت الضريبي وأعلى سلطة في المصلحة الإيرادية التي يندرج تحت مسئوليتها قطاع واسع من الموظفين والإدارات المبثوثة من المهرة إلى صعدة التي أرجأت زيارتي لها إلى وقت آخر ليقع اختياري على الرئاسة باعتبارها المُضغة الأهم في جسد المصلحة. مع زيارة مبنى رئاسة المصلحة الواقع إلى جوار مبنى وزارة المالية في حي الصافية تجد روائع من المشاهد تنتظرك هناك لتأخذك بتميزها إلى حيز من المتعة والاعجاب، فمن دون أن تسأل أو تجهد نفسك بالبحث عن عنوان مكتب تتلقاك هناك مع وصول أي طابق لوحات تعريفية حائطية مخطوطة تتضمن مكاتب كل طابق تقوم بعمل الدليل الذي يرشدك مع حركة الأسهم إلى العنوان المطلوب دون عناء.. وبروعة تتبع حركة الاسهم تجد نفسك مع منظر آخر تلتقي فيه بطاقات شابة في أوج قوتها وأناقتها تتواجد في مكاتبها مروجة للتشبيب بصورة حية وبرهان ساطع، فالتشبيب في رئاسة المصلحة حاضر بقوة يغمر الكراسي والبقع كسمة خاصة يتسم بها مبنى رئاسة المصلحة الذي لايشيخ ولايدركه الشيب ولايحتاج إلى مصعد لبلوغ الطابق الرابع. رئاسة المصلحة مزحومة بأهلها العاملين والقادمين من محافظات أخرى الذين يتبعونها إدارياً.. المواطن في مراسيم الدوام يكاد ينعدم وجوده حتى في إدارة الشكاوى رغم أناته التي تصلنا من الشارع، حركة الدوام تسير رتيبة وببطء في كثير من المكاتب ومتوقفة في بعضها باستثناء مكاتب بعدد الأصابع هي التي تشهد ديناميكية نشطة ربما لطبيعة مهامها أو للصلاحيات الممنوحة. العمل هناك أكثره قائم بدرجة أساسية على تقنية الحاسوب الآلي الذي يحتل أجنحة خاصة في بعض الطوابق كما في إدارة المعلومات والبيانات وغيرها. مكتبا الشئون القانونية والرقابة والمحاسبة لم أرصد لهما قضية منظورة ومحاضر تحقيق مفتوحة، فقد كان الفراغ حليفهما مع زمن الزيارة. الجدران خالية من ملصقات إعلانية حول تحصيل الضرائب إلاَّ من اعلانات خاصة بدعوة لحضور محاضرة للداعية عمرو خالد. إمضاءات طائشة ^ كم كان بودي أن أرى رئيس المصلحة الاستاذ/ أحمد أحمد غالب في مكتبه لكن الدخول إليه ليس بالسهل لرجل مثلي من غير ذي صفة، وهو الأمر نفسه الذي لايختلف على مشارف مكتب الوكيل. في مكتب المدير العام لمكتب رئىس المصلحة مكثتُ أتابع حركة الدوام وباب مكتب رئىس المصلحة لم يغب عن عيني لحضور فرصة أتمكن بها من الدخول، وفي تواجدي في مكتب المدير العام كانت الحياة متقدة بالمترددين وأوراق المعاملات الإدارية وبعض من قرارات التعيين التي رأيتُ منها قرار بتعيين اسم في إدارة ضرائب محافظة جنوبية كان صاحبه قد رافقني في حديث جانبي يشرح لي عن الفهنة في تلك المحافظة، وبفضول مني حول المعيار المعتمد في قرارات التعيين كانت إجابة صاحبنا صادقة حيث أردف قائلاً: إن الوساطة والمحسوبية والتوجيهات الفوقية هي الأكثر فعالية التي تنحني لها توقيعات التعيين وإمضاء أصحاب القرار. ليوافقه إلى جواري موظف آخر بدخول فطري في مشاركتنا الحديث مصرحاً أنا واحد ممن شملتهم نعمة الوساطة وتوظيفي هنا لم يقع إلاَّ بظهر استندت عليه رغم مؤهلي وقدراتي في العمل وليس أنا فقط بل إنَّ الكثير ممن يتواجدون في المصلحة تم حسم أمر توظيفهم بهذا الشكل وأتحدى من ينكر ذلك.. وهنا وقفت قليلاً في عراك داخلي مع النفس والعقل هل أقرأ الفاتحة على روح الكفاءة ومعيار المفاضلة العادل وسنوات الدراسة والنزاهة في الخدمة أم أن من وهبهم الله خصوصيات امتلاك قرارات التعيين ستفيق ضمائرهم ويعودون إلى الصواب. الموظفون الرُحّل ^ من خلال ساعات الفراغ التي يتثاءبها بعض الموظفين على مكاتبهم بدون عمل تهيأت لي فرصة للدردشة مع بعضهم على أساس البحث عن وظيفة شاغرة في رئاسة المصلحة بمؤهل جامعي، فذهبت تلك الدردشة تخبرني بأن الكثير ممن يتواجدون في رئاسة مصلحة الضرائب على كراسي الوظيفة قادمون من مرافق حكومية أخرى كانت بسملة البداية لتوظيفهم ومع هذا هجروها ليستقروا في مصلحة الضرائب، وقبل أن أبدأ في معرفة أسباب وأسرار ذلك كانت ذاكرتي قد نقلتني على الفور إلى أحد الصفوف الدراسية التي مررت بها بصحبة كتاب مادة التاريخ لأتذكر استاذ المادة وهو يشرح لي عن حياة البدو الرُحل الذين كانوا ينتقلون من مكان إلى آخر بحثاً عن الماء والمرعى ويتخذون من الخيام بيوتاً لهم لتسهيل عملية انتقالهم.. عندها لم أجد من تسميةٍ لتلك العينة من الموظفين أجدر بهم غير الموظفين الرُحل. هوايات ضريبية ^ إلى جانب أعمالهم يمارس بعض الموظفين في مبنى رئاسة المصلحة هوايات متعددة يطعمون بها جوع أوقاتهم ويصقلون بها مواهبهم، وهي فرصة توفرها المصلحة للموهوبين من موظفيها تشجيعاً للإبداع. من تلك الهوايات التي شاهدتها في الطوابق الأربعة قراءة الصحف والانهماك الكلي مع لعب التسالي الي تحملها تلفونات الموبايل، والتندر بإطلاق النكت والمناجمة الشخصية، واحتساء عصير الجزر الأحمر، والاطلالة بالرؤوس من النوافذ على ملكوت الله، وصورة واحدة كانت تمارس فيها فتاة موظفة هواية الارتماء برأسها على حضن زميلةٍ لها في العمل وتهمهم لها بكلمات ممطوطة، وأخرى لشاب موظف في مكتب آخر وقد ألقى برأسه على طاولة مكتبه وأخذ بأصابعه ومؤخرة الكف يعزف مقاطع من الغناء العربي الأصيل بدأها بأغنية للعندليب »باحلم بيك أنا بأحلم بيك وبأشواقي مستنيك«. في الوقت الذي لاتجد فيه بعض المكاتب يمارس أصحابها أية هواية مما سبق كما في مكتب ضريبة استهلاك القات. أرقام متسخة وأجهزة غير مُفعَّلة ^ فيما يخص العمل تجد اللغة السائدة للتخاطب بين الموظفين في رئاسة المصلحة هي لغة الأرقام، والرائحة المشتمة هي رائحة العدد الاجمالي الصاعدة من أكثر من مكتب (الربط الايرادات- الميزانية- الحسابات- الصندوق- المحاسبة... الخ).. ولاغرابة في ذلك فالمصلحة إيرادية قائم عملها على التحصيل النقدي. ولكن ما يثير القلق ويضاعف من مهمتنا في مكافحة الفساد مايعتمل أحياناً بوضوح وأمام أعين الجميع من جنايات مالية بحق المال العام وبحق المواطن الضحية باسم كرسي الوظيفة، والتي يحصل بها الجناة على امتيازات التخمة الحرام دون أن يطالهم العقاب أو الحساب. في رئاسة مصلحة الضرائب ثمة من يفصح عن اختلالات مالية منظمة قائمة في عملية التحصيل يتم فيها حصد مبالغ مهولة على حصة الضرائب دون أن ترى طريقها إلى خزينة الدولة لتذهب إلى جيوب شخصية يظهر عليها بصورة مشهودة أثر الكسب غير الشرعي، وبسهولة أكثر لو طُبّق عليها مبدأ المحاسبة وقانون الذمة المالية لانقشعت اسرار ثرائها. ولايقف الأمر عند هذا الحد بل هناك عملية جباية بصورة غير شرعية باسم الضرائب تقوم بها عصابات بلطجية تتوزع على أكثر من محافظة أو أكثر من مديرية ويمثل القات فيها رقماً قياسياً لأرصدتها المضروبة. وأمام مثل هذه الممارسات تحتاج رئاسة المصلحة إلى تفعيل أجهزتها الرقابية والمحاسبية والقانونية لتنظيف كل ما يسيئ إلى سمعتها ويصون المال العام الذي هو مِلْكٌ للجميع. عن قصد ^ المواطن في مصلحة الضرائب يمثل مادة طازجة لارتباط نشاطه التملكي مع التزامات الدفع الضريبي، ومع إدراكنا حاجتنا إلى الوصول إليه والسماع منه والوقوف على قضاياه فيما يخص الضرائب إلاَّ أننا لم نفعل ذلك عن قصد لكوننا أحببنا أن نلتقي به في مادة أخرى يلقى صوته فيها قوياً ومسموعاً وقضيته لاتخرج عن المكان الذي نحدده هدفاً لاستطلاعنا.. بمعنى أوضح ان الأمانة أو أية محافظة من محافظات الجمهورية ستكون مكان لقائنا به على مائدة إدارة عامة من إدارات الضرائب حتى لايُقفَل هذا الملف.. ومازال لدينا القدرة على كشف الكثير من أوراقه الساخنة التي تحتاج إلى بعض الوقت. | 
مصلحة الضرائب.. أوراق مفتوحة للإضافة
