أحمد مهدي سالم -
< كنت أكره الظلام؛ ومنذ صغري وأنا أرتعب من السير في أجوائه وأزقته وصرت الآن أستلطفه وأحبه كثيراً، ولم يأتِ هذا التحبب والانسجام والتكيف مع الظلام فجأة، بل على مراحل حتى تمكن في نفسي واسمه لم يعد غريباً لدّي، وعلى قول المحضار بصوت أبي بكر سالم «اسمك لبص في لساني.. وفي فؤادي سكن».
صديقي الجديد كسر برنامجي الاعتيادي من نوم ومتابعة للتلفاز وقراءة الصحف والكتابة، وحملني مكرهاً، على رفع شعار «ما أجمل الوحدة في الظلام!!» طبعاً مش الوحدة اليمنية إنما الانفراد والاختلاء.
هناك أبعادٌ للرتابة، ومغايرة للمألوف.. ومثلاً .. متعة تكسير الأكواب والصحون والأواني، وكل ما تضعه الصدفة أو الإهمال في طريقك..
يتيح لك فرصة ذهبية للتحدث مع أسرتك في أشياء مهمة وهامشية على ضوء الشمع وأنوار الفوانيس بعد أن حرمتك المنجزات التقنية مثل قنوات الدش من تلك اللقاءات الحميمية التي تسودها المحبة والتلطف .. على غير المعتاد، وكمان في أجواء رومانسية مع رشح، واستخدام أكبر كمية من المناديل التي ليس بينها المنديل الذي غنّى وتغنّى به مطرب مصري في قوله:
منديل الحلو يا منديل
على دقّة قلبك با أغنّي
كما لا يوجد بينها المنديل الذي أهداه محمد محسن عطروش كلمات ولحناً الى محمد صالح العزاني الذي يطرب عندما يترنم بصوته الأخّاذ في أغنية «تسألني كيف الحال؟»!
أنت أهديتني منديل
فيه أطراف مغزوله
ذوّبته من التقبيل
في عرضه وفي طوله
وأهديته مع ابريل
في كلمات معسوله
وكذلك لا تضم المنديل.. ذاك الذي يُذكر في أغنية شهيرة للمطرب المصري محمد رشدي:
على الرملة افرش منديلك
على الرملة واقعد أحكي لك
على الرملة واسمع مواويلك
ولكن الجلسة لم تخلُ من شيء من مسحة بهيجة، وإنما نحن.. في الغرفة.. بين جدران اسمنتية ناقلة للحرارة، وليس على رمال ناعمة، وأمام وجوه فاتنة.. رايحة.. جايه، كلّ شويّة.. تحرك فيك الفتنة النائمة لعن الله من أيقظها.
الظلام يمنحك أوقاتاً للتفكير والتأمل لا تستطيع أن تجدها حتى وإنْ أحسست في جسمك دبيب الكهرباء بدون ما أجفانك تقول له: مرحباً.
تصير عيناك مثل عيني القط اللتين تبرقان في الظلام، وتخيف من ينظر اليها، ومادام دخلنا في ذكر الظلام والقطط التي تلمع عيونها في قلب الظلام مثل احمرار الجمر أو بريق النجوم، نسوق هذه الحكاية الطريفة:
في البطولة العالمية لملاكمة القطط.. وصل الى النهائي القط الأمريكي، ونظيره اليمني وكان الأول مغروراً ومستغرباً في الوقت نفسه كيف أن القط اليمني الضئيل الجسم اجتاح أقوى المنافسين ليصل الى المحطة النهائية.
ولوحظ أن في الجولة الأولى تمكن القط اليمني من اسقاط الأمريكي بلكمة سريعة خاطفة ليتوج بطلاً للعالم، فاقترب منه الأمريكي، وقال له همساً: كيف استطعت هزيمتي؟ وما سر قوتك؟ فأجابه ساخراً: أنا نمر.. بس القات والسيجارة خلاّني مثل النسم.
ربما الحكومة تريد تخطئة الحكمة القائلة: العلم نور والجهل ظلام، وأن ليس كل ظلام يعد جهلاً؛ فمن الظلام نتعلم أشياء كثيرة، وتتحفز في أنفسنا طاقات حيوية جديدة.
أفكار للتأمل
< أكثر مصطلح شاع في الفترة الاخيرة.. اللحظة التاريخية.. تُرى هل ستطول؟!
< المبادرات المطروحة ليس لها أسنان ومخالبُ، لذا بسرعة تموت، نحن بحاجة ماسة إلى مبادرات يتقدمها صميل.. صميل الحسم العسكري المبين.
< منظمات المجتمع المدني دورها غير فاعل رغم كثرة المساعدات.. أما الخطاب القبلي السياسي فقد فرض نفسه على المشهد المحتقن.
< الحرب على عناصر الشر.. أولى أن تكون قريبةً من الحرب المقدسة، إن لم تكن مقدسة أصلاً، والحسم العسكري لا يكفي، إذ لابد من تجييش كل الوسائل والطرق والأساليب والمنظمات لاقتلاع شجرة الزقوم من أرض الجنتين.. عن يمين وعن شمال.
ولّت محطة 2011م التخريبية غير مأسوف عليها.. بل إنها مطلوبة قضائياً وشخصياً، وغربت شموس الغدر واللؤم والخيانة التي سِيق فيها أقوى وأجمل وأروع الشباب في قطعان فراشية الى محارق الموت، فيما أولادهم محصنون في المنازل ولا يُسمح لهم بالخروج في أية مظاهرة.
< نسمع أنهم يتجهون الى المحطة «الصالحية» أو يوسطون لدى الزعيم فيزجرهم ويرد عليهم بطريقة المرحوم محمد صالح عزاني:
بعد أيه ترجع قلبي
بعدما قلبي تحطّمْ
بعد أيه تطلب ودّي
ومن ظلمْ لابد.. يُظلمْ
نأمل شيئاً من الصفح لأن البلد رايحة في هاوية، وما تسمعونه من صرخات شبيهة بنزعات ما قبل الشهيق الأخير.
< أنا أحترم وأقدّر وزير الكهرباء د. صالح سميع لجهوده الفاعلة في تعميم الظلام على كل ربوع اليمن.. والعدالة في الانطفاءات، وإعادة الاعتبار للراديو.. اعتقد.. في ذكرى تأسيس إذاعتي صنعاء وعدن.. سيكون أكبر المكرمين، وأسعد أن أكون أول المهنئين.
آخر الكلام
يا للرجِّال ذوي الألبابِ من نفرٍ
لا يبرحُ السَّفهُ المردي لهم دينا