عدن-أحمد حسن عقربي: - تتعرض المعالم التاريخية في عدن لعبث البناء العشوائي الذي يطمس الخصوصية التاريخية لهذه المباني التي تيمزت بها مدينة التنوع الثقافي والفكري والتسامح الديني وأصبحت معرضة للطمس والتدمير في ظل ضعف رقابة الأجهزة المعنية.. وهذا ما يطرحه متخصصون ومهندسون من أساتذة وخريجي كلية الهندسة في جامعة عدن.
وهي القضية التي تم نقاشها باستفاضة وجرأة علمية وشفافية من قبل المهندسين المعماريين ورجال التاريخ والآثار في ندوة »عدن ثغر اليمن الباسم« التي عقدت مؤخراً.
المهندس أحمد القعطبي -من قسم الهندسة بالجامعة- نبَّه الى المخاطر والمشاكل التي تواجه المعالم التاريخية جراء الاهمال من قبل الجهات ذات العلاقة.. منوهاً الى ما تتعرض له تلك المعالم والمباني التاريخية سواءً دور العبادة أو القلاع أو المباني الحكومية والادارية القديمة للعديد من المؤثرات منها طبيعية تؤدي الى تآكل المبانى وقِدمه أو اخرى مرتبطة بالانسان مثل أعمال البناء العشوائية للمساكن أو حتى المؤسسات الرسمية أو القطاع الخاص عند اجراء أعمال الترميم أو الصيانة للمعالم بطريقة غير علمية مستشهداً بما تعرض له قصر السلطان العبدلي الموجود في المدينة، وما حدث أثناء اعادة بناء المساجد والجوامع التاريخية الأثرية منها ما حصل في اعادة بناء مسجد أبات الذي افتقد الى معالمه في مداخله وأبوابه ونوافذه بسبب طبيعة البناء والحجارة المستخدمة متطرقاً الى وجود حالات ازالة نهائية لبعض المباني كإزالة بوابة السجن المركزي القديم وكذلك مدرسة البراق التاريخية التي سميت فيما بعد بمركز اليس بكريتر.
ويقول القعطبي ان أثر الانسان العشوائي السلبي في التوسع بمحاذاة المبنى التاريخي أو داخله للأغراض الشخصية يفقد المبنى قيمته التاريخية.. ونموذج على ذلك التوسع داخل وحول كلية البنات خور مكسر، منوهاً الى تعرض الكثير من الأحياء للتخريب العشوائي والاهمال للمعالم الكبيرة من الآثار والاسواق التاريخية.. وقيام بعض ملاك المباني الأثرية بإزالتها أو تجديدها دون مراعاة خاصيتها ذات الطابع المعماري التاريخي ودون أن يجدوا من يردعهم أو يقنعهم سواءً من الجهات المعنية أو المهتمين.
تعارض مع الأسس العمرانية
وتطرقت الندوة الى وجود الكثير من التشوهات التي تتعارض مع الأسس العلمية الانشائية لصيانة المعالم التاريخية من حيث نوعية التربة والأساسيات وحركة المياه الجوفية الى جانب التحليل الانشائي لعناصر المنشآت المختلفة.
وشدد المهندس القعطبي على ضرورة وضع تصاميم نموذجية لمعرفة سلوك المبنى أثناء تأثره في السابق الى جانب اجراء التجارب المختبرية التي تتضمن دراسة الوضع الأثري للمبنى وتقييمه وأصوله التاريخية وتقييم الترجمات السابقة له فضلاً عن التزود بالفحوصات اللازمة لبدء اكمال الترميمات باستخدام الدعامات اللازمة وتحديد الأحمال الواقعة عليه.
نصائح المؤرخين والآثاريين
ويطالب الدكتور شائف عبده سعيد استاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة عدن -بتسجيل وترجمة المعالم التاريخية في عدن من أجل الحفاظ عليها وتسهيل زيارتها العامة لافتاً الى أن من تلك المعالم التي تعد مهملة بعيدة عن أعمال الصيانة العلمية أسوار عدن »العقبة، وحصن التعكر، ودروب حوش، ومقر قيادة البرزخ في كريتر التي صارت فيما بعد مكاناً لإسكان الشيوخ والقادة المتمردين في نظر الدول الغربية الاستعمارية فيما يسمى بـ»الاقامة الجبرية« أمثال القائد الوطني المصري الكبير سعد زغلول ورفاقه قادة ثورة ٩١٩١م المصرية عند نفيه الى جزيرة سيشل بعدن وأجبر على الاقامة فيها الى أن صارت مدرسة داخلية لأبناء سلاطين المحميات الشرقية والغربية، وكذلك النفقان »البغدتان« النفق الأول الممتد من تحت جبل المنصوري في كريتر الى خور مكسر أمام مبنى ادارة التربية والتعليم حالياً والنفق الثاني ويطلق عليه البغدة الذي يصل البرزخ لهذه البغدة الى جانب سور جبل حقات وفنار معاشيق وصهاريج لحج الطويلة وصهاريج كبنيسة ماري ثم المساجد التاريخية التي بحاجة الى ترميم وصيانة وتنظيف وأهمها مسجد العيدروس.. وزاوية الرفاعية..
ويواصل شائف استعراضه للمعالم المهملة.. معبد النار في حدائق الطويلة ومعابد الهندوس وهنجران ماتاجي، ومعبد هانومان في طريق شارع غاندي ومعبد جيان في سوق البز ومعبد فايشناق سبيريناجي في شارع بنين والكنيستان الكاثلوكية والبروستانتية واللتان رُمّمتا مؤخراً.
مشيراً الى أن المباني التاريخية الشهيرة التي تهددها أيادي عبث العابثين هي قصر البراق ومقر المقيم البريطاني في الخنساق ومسبح حقات ومدرسة كاريسمي دنشوي الى جانب منازل المواطنين التي يعود تاريخ بعضها الى القرن الماضي مثل منزل أولجي كافرجي بيتل عمره ٦٠١ سنوات ويقع في أول شارع الزعفران وهو الشارع الذي تقع فيه منازل اخرى تعود الى أكثر من مائة عام وكذلك منزل المؤرخ محمد عوض مجرز والذي تأسس عام ٧٥٨١م.
المشاركون في هذه الندوة خرجوا بأنه في ظل هذه الوضعية الراهنة للمواقع الأثرية في عدن المهددة بالابتلاع العشوائي الى جانب التشويه والاهمال مع ظل ضعف اهتمام الجهات ذات العلاقة فإن ذلك يتطلب تدخلاً سريعاً من قبل المسئولين من وزارة الثقافة والسلطة المحلية في المحافظة والمؤسسات الأهلية والمدنية والمواطنين انفسهم، والمسئولية هنا واقعة على كاهل الجميع.. وذلك من خلال اصدار التوجيهات والقرارات والقوانين المانعة لهدم المعالم التاريخية أو بيعها أو تغيير ملامحها والمتابعة والمراقبة الى جانب ايجاد رؤية مشتركة بين الجهات المعنية بالمحافظة على تحديد الهوية المعمارية المميزة لمدينة عدن الخارجية النابعة من خصوصيتها كمدينة تاريخية، وحث المواطنين والمؤسسات الحكومية على الالتزام بها في البناء داخل المدينة واتخاذ الاجراءات الكفيلة بتنفيذ ذلك على غرار ما يجري في كل المدن التاريخية.. مطالبين في ختام الندوة اعلان عدن محمية أثرية جديرة بالاهتمام المحلي والدولي وتجسيد ذلك في كل المجالات المرتبطة بشئون المدينة.
|