محمد علي عناش -
علق اليمنيون على مؤتمر الحوار الوطني آمالهم وأحلامهم في إخراج اليمن من أزماتها الخانقة ومعالجة قضاياهم وتحقيق تطلعاتهم في التغيير وبناء الدولة المؤسسية الحديثة، وعلى مدى عشرة أشهر عقد مؤتمر الحوار الوطني، مثلت فيه معظم القوى والكيانات السياسية والاجتماعية والمدنية الفاعلة، وتمخضت عنه حزمة من المخرجات والقرارات والتوصيات شملت الكثير من الجوانب والقضايا، أبرزها مشروع الدولة اليمنية الاتحادية المكونة من ستة أقاليم.
عملياً، تنفيذ مخرجات الحوار الوطني تواجهها الكثير من التحديات والعوائق، وها هي خمسة أشهر تمضي دون البدء في التنفيذ نتيجة لتلك العوائق وتصاعد وتيرة الأزمات التي تتناسل وتتوالد بشكل جنوني، يقابلها دولة هشة تتآكل مقوماتها وبُناها كل يوم.
الإرهاب والصراعات الراهنة في أكثر من مكان، تعتبر من العوائق والتحديات الرئيسية التي تواجه تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقبل أن نتكلم عن هذا الجانب، يجب أن نتساءل، هل ما يحدث من عوائق وتحديات، هي انعكاس لهشاشة مؤتمر الحوار الوطني، وغياب الجانب الاخلاقي أثناء انعقاد المؤتمر وكذلك في مرحلة التنفيذ؟
هل المخرجات التي خرج بها لا تتناسب مع طبيعة وحجم المشاكل اليمنية المعقدة؟
معلوم أن مؤتمر حوار وطني يراد له النجاح، يجب أن يتأسس على قاعدة أخلاقية ينطلق منها ويتمثلها جميع الأطراف المشاركة، وهي تحقيق المصلحة العليا للوطن والشعب، وأمام هذه المصلحة تغيب الأهداف والمصالح الحزبية ويغيب وعي التربص بالآخر.
الذي حصل أن معظم فعاليات المؤتمر سادتها ما يسمى بـ«المبادرة الصفرية» وهي تعني أن معظم الأطراف لم تجلس على طاولة الحوار كشركاء في الهم الوطني وتحمل المسئولية التاريخية، وإنما كخصوم، وسعى كل طرف الى تكييف المخرجات بما يتوافق مع مصالحه، والنيل من الأطراف الأخرى، وفي ظل هذه الاجواء غابت قضية الدولة، وهي الدولة الراهنة التي ستقوم بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والتي تعاني من الكثير من الاختلالات، والقصور، بدليل أنها لم تضع حداً للكثير من الخروقات والتجاوزات التي كانت تحدث في الواقع، ولم تفرض وجودها تجاه الكثير من الأحداث الخطيرة، فخلال فترة انعقاد المؤتمر حدثت أكثر الاغتيالات وطالت أعضاء في مؤتمر الحوار، وحدثت أكثر الحروب والصراعات وحدثت أكثر الهجمات الإرهابية على معسكرات الجيش والنقاط الأمنية، ما يؤكد أنه كان هناك عمل منظم لإفشال المؤتمر، ومع ذلك بذلت جهود طيبة لمحاصرة الفشل والخروج بهذه المخرجات التي لبت الحد الأدنى من التوافق.
الإرهاب والصراعات بمختلف اشكالها وابعادها، تعد من العوائق الخطيرة التي تعوق تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، بل وتعمل على تدمير مقومات الدولة وتعطيل جهود التنمية وزعزعة السلم الاجتماعي.
من هنا فإن القوى الحية التي تؤمن بتغيير حقيقي في البلاد التي عصفت بها الأزمات والصراعات، يرون المدخل الرئيس للتغيير هو بناء الدولة بناءً مؤسسياً وتدعيم بناها وإمكاناتها المادية والبشرية.. هي دولة النظام والقانون والمؤسسات التي تعلو على الأحزاب والأفراد والجماعات.. هي دولة المجتمع الكافلة والضامنة لكافة حقوق وحريات أبناء المجتمع بالتساوي ودونما تمييز، ومثل هذه الدولة لا يمكن بناؤها في ظل الإرهاب والصراعات والحروب التي تثار هنا وهناك.
الإرهاب الذي يلبس رداء الاسلام والاسلام منه براء هو آفة الأمة والسرطان الذي ينهش ليس فقط في جسدها وإنما أيضاً في وعيها وتفكيرها العصري، يعتبر من التحديات الكبيرة التي تواجه استحقاقات المرحلة في البدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وفي تثبيت الأمن والاستقرار، ودعائم السلام الاجتماعي، بالاضافة الى استنزافه لمقدرات البلاد وتعطيل خطط التنمية.. وقد بليت اليمن بهذا النوع من الإرهاب الذي يتبناه ويمارسه تنظيم «القاعدة» منذ عقود وبالتحديد منذ منتصف الستينيات وقد انتشر من ذلك التاريخ كانتشار النار في الهشيم، في معظم المحافظات وخاصة المحافظات الجنوبية والشرقية، وهي المحافظات التي يتركز فيها أهم مورد للدخل القومي وهو النفط، وأصبح اليوم يمثل تحدياً كبيراً وخطراً محدقاً على مستقبل اليمن، ولقد تعاظمت الجرائم والعمليات الإرهابية التي يرتكبها هذا التنظيم واستهدفت بشكل رئيسي أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية، واقتحام المعسكرات بالاضافة الى الاغتيالات التي طالت شخصيات ورموزاً كبيرة عسكرية ومدنية، والاستهداف المنتظم لأنابيب النفط والغاز بالتفجيرات التي تفقد اليمن عشرات الملايين من الدولارات يومياً.. وبالتالي فإن الحرب على الإرهاب ومواجهته هي حرب وطنية عادلة للدفاع عن الوطن وأمنه واستقراره، فلقد تعاظمت خطورة هذا التنظيم خاصة بعد استجلاب الآلاف من العناصر الإرهابية الأجنبية من مختلف الجنسيات التي أخذت تتدفق الى اليمن خاصة من سوريا، وعليه لابد من التأكيد أن مهمة القضاء على الإرهاب ليس فقط من مهمة الجيش والأمن وإنما هي قضية وطنية لابد أن يضطلع بها الجميع وخاصة شريحة المثقفين والاعلاميين والسياسيين ومنظمات المجتمع المدني عبر التوعية بمخاطر الإرهاب والظروف الاجتماعية التي ينشأ فيها، ومحاصرة الحواضن التي تعمل على نشر ثقافة التطرف والعنف والكراهية، وبدون تجفيف منابع الإرهاب، لا يمكن للحلول الأمنية والعسكرية أن تقضي على الإرهاب لوحدها.
الصراعات التي تنشأ بين الأحزاب والجماعات، وهي الصراعات التي تأخذ بعداً طائفياً أو قبلياً أو مناطقياً هي من أشد الصراعات التي تفتك بالمجتمعات وأكثر العوامل التي تؤدي الى انهيار الدولة وسقوطها، ولقد رأينا الكثير من الدول والشعوب التي ابتليت بمثل هذا النوع من الصراعات كيف انهارت وتمزقت وعادت الى مرحلة اللادولة، والصومال نموذجاً التي سقطت فيها الدولة منذ أكثر من عشرين سنة ولم تقم لها قائمة حتى اليوم.. ما حدث في كتاف وفي دماج ومايزال يحدث في عمران وبعض الجبهات التي تفتح هنا وهناك، هي صراعات مشابهة ومأساوية ولا ترضي أحداً يخاف الله، واستفحالها واتساع رقعتها هي كارثة وطنية واجتماعية كبيرة وخطيرة، إن لم يتم تداركها بموضوعية وبعقل وحكمة وعدم انحياز لأى طرف، كما أنها من ناحية أخرى تنصل عن تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واستحقاقات المرحلة، واستمرارها في مجتمع كمجتمعنا بطبيعته الاجتماعية وامكاناته الاقتصادية الضعيفة، سيؤدي الى استنزاف ما تبقى من مقدرات البلد والى تدمير بنى الدولة والى اتساع الفقر المدقع والى تمزيق النسيج الاجتماعي وزعزعة السلم الأهلي بحروب عبثية لن يكون فيها منتصر، وإنما هناك خاسر وحيد وهو الوطن والشعب، كما أن استخدام الجيش الى جانب طرف ضد طرف ليس حلاً بل هروباً من تنفيذ استحقاقات المرحلة ومعالجة القضايا العالقة وسيعمق المشاكل التي تؤدي في النهاية إلى تدمير ما تبقى من مقومات الدولة.
فالصراعات والحروب الحالية لا يمكن أن تكون حلاً لأي طرف مهما حاول أن يقنع نفسه بذلك.. لن نسهب في البحث عن اسباب هذه الصراعات، ولن نشير الى اطراف أو اشخاص، وانما نشير الى سبب واحد يجب أن نؤمن ونقتنع به وان نوجه طاقاتنا ووعينا إلى التعاطي معه بمسئولية كونه سبباً جوهرياً ورئيساً، وهو غياب الدولة المؤسسية الضامنة والراعية لحقوق وحريات كافة شرائح المجتمع بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم.
اذاً علينا أن نذهب في ترسيخ هذه القضية، ويجب على مؤسسات المجتمع المدني أن تلعب دوراً رئيساً في تقديم الرؤى والبرامج في الدفع لهذا الاتجاه.. وأولى هذه الخطوات إعداد سجل انتخابي جديد والتحضير لاجراء الانتخابات الحرة والنزيهة.