بقلم/ عبده محمد الجندي -
< الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان بحاجة الى أعصاب مثلجة وعقول مفتوحة وصدور مستعدة لصبر له بداية وليس له نهاية وخصوصاً عند أولئك الساسة الذين فرضت عليهم أقدارهم تحمل المسؤولية الأولى في بلدان فقيرة وفي شعوب تعاني من ضعف الدولة وعدم قدرتها على تطبيق سيادة القانون وتوفير الحد الأدنى من الضروريات الخدمية والمعيشية للناس.
أقول ذلك وأقصد به أن تحمل المسؤولية الأولى في مثل هذه المجتمعات التي تعاني من الفقر ومن الجهل ومن الظلام ومن سوء استخدام السلطة مخاطرة كبيرة تحتاج الى أعصاب حديدية وإرادات قادرة على الإقناع والاقتناع بحكمة وبالذات مع رجال الصحافة والسياسة الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ولا يطعمون الراحة الا في البحث عن المعلومة وتقديمها للرأي العام مهما كانت جارحة لأن الواقع مشتعل بالسلبيات التي توفر للصحافة مادة دسمة لنقد الحكام وتقيم تصرفاتهم السلبية لشعوبهم مهما كانت المخاطر التي قد تنتج عنها وقد تصل حد المبالغة في تقييم وتجسيم ما يؤخذ عليهم من سلبيات في مجتمعات طموحاتها ومتطلباتها الحياتية لا تتفق مع ما لديها من الطاقات والامكانات المتاحة..
وأستدل على ذلك بما يحدث اليوم في مجتمعنا اليمني من اختلالات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية دفعت بعض المواطنين بوعي وبدون وعي وبقصد وبدون قصد الى استخدام ما كفله لهم الدستور والقوانين النافذة من الحقوق والحريات مثل حقوق النقد، حقوق التظاهر والاعتصام والإضراب للمطالبة بما هو ضروري من الخدمات الأساسية ذات الصلة بالكهرباء والمشتقات النفطية المدعومة مثل البترول والديزل والغاز وما ينتج عن ذلك من انعكاسات تؤثر على حركة المواصلات وعلى الزراعة والصناعة والكهرباء والمياه والصحة والامتحانات وحركة التجارة وكافة الأنشطة الحياتية التي تلحق سلسلة من الخسائر الكارثية في جميع القطاعات العامة والخاصة والمختلفة داخل وخارج الدولة وتدفع المواطنين من جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية والمهنية ذات الدخول العليا والوسطى والدنيا وما يليها من البؤساء والمحتاجين الذين تسحقهم البطالة ويمزقهم الفقر وعلى وجه الخصوص أولئك الذين لا عمل لهم ولا دخل ولا أي نوع من أنواع الضمانات والتأمينات على الحياة الذين يموتون مرات عدة قبل موتهم تدفعهم من خلال قسوة حياتهم وحاجتها الى قدر من العيش المعقول والمقبول الى التذمر والخروج الى الشوارع وقطع الطرقات والتفوه بكلمات نابية على زعمائهم وقادتهم من باب الإفراغ لما يتراكم في نفوسهم من معاناة قد تصل حد الاساءة لحكام اليوم الذين يتبوأون المواقع القيادية في سلطات الدولة المختلفة، لكن هذا الخروج الذي يندرج في نطاق الاحتجاجات السلمية المشروعة لا يمكن وصفه بالعملية الانقلابية لأن الشعوب قد تلجأ في لحظة معاناة الى الإشادة بحكام الأمس والحديث عن فساد الحكومة التي لا تبالي بتوفير ما يحتاجون اليه من الخدمات الضرورية على نحو يدفع الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة الرسمية والحزبية والأهلية الى تغطية كل ما يحدث في الشوارع من مظاهرات واعتصامات في سباقات ومنافسات محمومة على التغطية الإعلامية التي تتحدث اليوم بنفس اللغة الجلفة التي تحدثت بها صحافة وأحزاب الأمس عن عجز الحكومات وما لديها من القصور الناتج عن الفساد المالي والإداري والسياسي والاقتصادي الى حد المطالبة برحيل الحكومة الحالية وقد تصل الى أبعد من ذلك، لأن من يتحمل المسؤولية في بلد ديمقراطي لا يستطيع أن ينزه نفسه عن الأخطاء التي تجعله هدفاً للصحافة الحرة التي تمثل السلطة الرابعة المتتبعة لفساد السلطات الثلاث للدولة الديمقراطية، للدولة المدنية الحديثة، دولة النظام وسيادة القانون وهي السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية التي لا تستطيع استخدام قوتها لتكميم الأفواه دون استخدام حقها المشروع في الرد على التهم التي ألقت عليها بالويل والثبور وعظائم الأمور، لأن قمع الإعلام وردعه بالأساليب العسكرية والأمنية عملية غير ديمقراطية مهما كانت الأسباب الذاتية والموضوعية التي أسفرت عن تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية التي تحولت الى أزمة سياسية مركبة تستفيد منها أحزاب المعارضة وتتضرر منها الأحزاب الحاكمة في كسب وخسارة ما هي بحاجة إليه من ثقة وعدم ثقة الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في أية عملية انتخابية قادمة.
ومعنى ذلك أن أفضل الحكام وأعقلهم هم أولئك الذين ينصرفون الى معالجة الأسباب ومحاسبة المسؤولين المقصرين الذين يتسببون بهذه الاحتجاجات والمسيرات والمظاهرات والاعتصامات الفوضوية الصاخبة والغاضبة التي قد تتجاوز الأساليب والوسائل السلمية الى الأساليب والوسائل غير السلمية ورفع الشعارات المستفزة التي تهدد حكام اليوم بذكر محاسن حكام الأمس من باب الشعور بالحاجة على نحو قد يصل الى حدود اللامعقول واللامقبول من الإجراءات الأمنية التي نشاهدها في جميع البلدان الديمقراطية الناضجة والناشئة لكنها لا تصل الى ما حدث لقناة «اليمن اليوم» من تجاوزات وممارسات وصلت حد الإغلاق ومصادرة ما لديها من الوسائل والمستلزمات بصورة مثيرة للرأي العام تدفع الأحزاب والتنظيمات السياسية وتدفع المنظمات والاتحادات المدنية الوطنية والعربية والدولية الى إصدار البيانات المنددة بهذا النوع من الإجراءات القاسية التي يقوم بها ضباط وجنود مسلحون دون إذن من النائب العام ونيابة الصحافة أو على الأقل دون إبلاغ الجهات المختصة بإيقاف هذا النوع من التجاوزات التي تتنافى مع الدستور والقوانين النافذة.. وتصبح الممارسة المرتجلة قضية رأي عام تتجاوز الحدود الوطنية الى البلدان العربية وبلدان العالم مثل الاستنكار الذي بدأ بنقابة الصحفيين اليمنيين وامتد الى اتحاد الصحافة العربية ومنه الى الاتحاد الدولي للصحافة العالمية وما صدر عنهم من البيانات المنددة في بلد يزعم أنه خرج بحصيلة كبيرة من المخرجات الحوارية الهادفة الى بناء الدولة اليمنية الحديثة وانتهاج الحكم الديمقراطي الرشيد الذي يكفل للصحافة الحرة مساحات واسعة بلا قيود ولا حدود وكوابح دستورية وقانونية ودولية مانعة.
نعم.. إن ما حدث من اعتداء على قناة «اليمن اليوم» المحسوبة على المؤتمر الشعبي العام ومن النهب والسلب والإغلاق من قبل الحرس الرئاسي المدججين بجميع الأسلحة وما رافق الاعتداء من تغطية إعلامية رسمية وحزبية مضللة للرأي العام يتنافى مع الديمقراطية ومع حرية الصحافة وحقوق الإنسان لأنه لم يتم من خلال الجهات القضائية المسؤولة عن معاقبة هذه القنوات والصحف الحزبية والأهلية الملتزمة بالمهنية والمصداقية في نقلها لما يحدث في الشارع من احتجاجات بدون سبب غير مقبول حتى ولو استند الى توجيهات عليا يصفها البعض بالرئاسية اتخذت بناءً على تقارير خاطئة ومضللة تندرج في نطاق المكايدات والمزايدات الحزبية، والأسوأ من ذلك أن تقوم القنوات والصحف الحزبية المنافسة بخلق القبة من الحبة ووصف الاحتجاجات العفوية بالمؤامرة الانقلابية المدبرة لهدف في نفس يعقوب!!
حقاً إن المبررات الواهية التي وصفت ما حدث من احتجاجات سلمية غاضبة بأنها تندرج في نطاق الأعمال المخططة والمنظمة والمتزامنة مع مجيئ لجنة العقوبات الدولية، يستدل منها على الأساليب الملفقة والتآمرية للاخوان المسلمين الذين انتهجوا الأساليب المستفزة والدكتاتورية الرافضة للآخر وفق ما لديها من الخبرات والأجندة الإلغائية والإقصائية المصادرة للرأي الآخر.. متناسية أن ما يحدث اليوم من الاعتداء والتبرير يدل على قناعات شمولية تتنافى مع حرية الصحافة وأن ما حدث لهذه القناة الفضائية احتمال حدوثه في الغد لمن لديهم قنوات وصحف ناقدة سبق وأن مارست كل الأساليب والرسائل النقدية المفبركة والهدامة بالأمس القريب، يستدل منها على تعدد الأحزاب والتنظيمات السياسية المتنافسة وتعدد الصحف والقنوات الفضائية التابعة لها في سباق البحث عن الحقيقة بدافع الرغبة في تصويب الأخطاء والمشاركة في إبراز ما يعانيه المحتجون من إجراءات حكومية متجاهلة لكل ما لديهم من المطالب وفي مقدمتها الكهرباء والنفط والديزل والغاز وما نتج عن عدم توفيرها من خسائر مادية ومعنوية دفعتهم الى استخدام ما لديهم من الحقوق والحريات السلمية المشروعة بصورة وفرت للسياسة والصحافة مادة نقدية دسمة في نطاق ما هو مكفول لحرية الصحافة من آراء وملاحظات تمكن السلطة الرابعة إظهار المستور من الممارسات والأخطاء الكبيرة لغيرها من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بمهنية لا يحدها سوى الخوف من التجاوزات القانونية وما ينطوي عليها من العقوبات.
نعم لقد تسببت حكومة الوفاق الوطني المسؤولة عن تأمين وحماية الخطوط الناقلة للطاقة على مدى سنوات المرحلة الانتقالية في انفلات عام وصل الى ذروته المفتعلة خلال الأيام الأربعة الأخيرة بصورة متزامنة مع اختفاء مادة البترول والديزل والغاز الى درجة غير مسبوقة نتج عنها تقاطر السيارات على المحطات النفطية بصورة غير مسبوقة عكست فساد الحكومة ولامبالاتها بما يقع على كاهلها من مسؤوليات وهي التي أهدرت عائدات الجرعة السابقة في مصاريف عبثية لم يرافقها أية زيادة في رواتب موظفي الدولة، ناهيك عما أدرجته في الموازنة العامة للدولة والمقدمة لمجلس النواب من دعم للمشتقات النفطية طالما أشار اليها نواب الشعب وبينوا بالدليل المادي القاطع أنها صرفت من قبل الحكومة في مجالات غير مجالاتها، متسببة بحدوث تلك الأزمة التي مازالت قائمة حتى اليوم رغم سلسلة الوعود التي صدرت من الحكومة عبر الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة التي ذهبت أدراج الرياح وأفقدتها ما هي بحاجة اليه من المصداقية والثقة الشعبية، إنها حقاً من أفشل الحكومات التي عرفتها الجمهورية اليمنية التي وكلت رئاستها للاخوان المسلمين.
ألم يكن مجلس النواب بجميع ما لديه من الكتل قد ناقش على مدار دورته الماضية بداية من الاستجواب ومروراً بالتلويح بطلب سحب الثقة عن الحكومة.. مبيناً ما اقترفته من الأخطاء وما لديها من نوايا رفع الدعم عن المشتقات النفطية لتغطية ما تسببت به من العجز في الموازنة العامة للدولة نظراً لما قامت به من تصرفات تجاوزت في فسادها كل ما عرفه الشعب من السلبيات والمعاناة المعقولة والمقبولة فيما قامت به من مصروفات عبثية وغير ضرورية وفي مجالات غير مجالاتها المحددة في الموازنة المقرة من مجلس النواب بصورة أوصلت القيادة السياسية الى مأزق لم يكن يندرج في نطاق ما لديها من الحسابات والسياسات والأولويات والخطط والبرامج المعلنة، ما أدى الى مخاوف أمنية دفعتها لتدابير عملية متسرعة نتج عنها ما حدث لقناة «اليمن اليوم» من نهب وإغلاق.
ان حكومة لا تعرف كيف تتصرف بما يندرج في نطاق مسؤوليتها الدستورية والقانونية من المهام والتدابير الوقائية والعلاجية، ليست جديرة بالثقة البرلمانية نظراً لما تسببت فيه من هدر المال العام وإنفاقه في مجالات غير مجالاته استجابة لما لدى أحزابها من مطالب عبثية وحزبية أثقلت كاهل الموازنة، كعمليات التجنيد والتوظيف والدرجات الوظيفية العليا لإرضاء ما لديها من القيادات ولشراء ما تحتاجه هذه الأحزاب من ولاءات سياسية وقبلية وحزبية وتنفيذاً لما قطعته على نفسها في اسقاط النظام السابق فيما اطلقت عليه خطأً بالثورة.. الأمر الذي أجمع عليه النواب الذين طالبوا رئيس الجمهورية بتغييرها بعد أن أفسدت بلا حدود باسم معالجة جرحى الثورة الذين اختلط فيهم الحابل بالنابل وحولوا السفريات العلاجية في الخارج إلى رحلات سياحية، ناهيك عن أولئك النافذين الذين قدموا الاصحاء من أولادهم وبناتهم ونساءهم وأقاربهم على الكثير من الجرحى والمصابين الذين لا ينتمون الى أحزاب وتنظيمات سياسية على نحو جعلهم يلجأون الى المحاكم ويحصلون على أحكام قضائية بأحقيتهم في المعالجة دون جدوى.
وهو ما دفع النائب أحمد سيف حاشد الى مساندتهم معرضاً نفسه لسلسلة من الاعتداءات الأمنية.. الى غير ذلك من النفقات العبثية والحزبية غير المعتمدة في الموازنة العامة للدولة وما صدر منهم من إعفاءات ضريبية وجمركية للنافذين من قياداتهم الحزبية والسياسية ورجال المال والأعمال وتمرير المناقصات الخيالية دون مرورها عبر الهيئة العامة للمناقصات ودون خضوعها لقانون المناقصات وما نتج عنها من اتفاقات عبر شراء الطاقة وإقحام الدولة بالتزامات توفير الديزل بقيمة مدعومة من الدولة الى غير ذلك من المصاريف غير المعتمدة التي استهلكت ما ادرج في الموازنة من الدعم الحكومي، فكانت أزمة المشتقات النفطية وانقطاعات الكهرباء على مدى الاشهر والأعوام والأيام الاخيرة سبباً لخروج عفوي للمواطنين في شوارع العاصمة في احتجاجات سلمية اقتصرت على إحراق الاطارات للفت أنظار القيادة السياسية بدافع الحرص على تدخلها للتخفيف من المعاناة الجائرة وما رافقه من أخطاء لا تتجاوز الحدود المشروعة للمقارنة بين ما هو كائن وما كان سائداً قبل الأزمة السياسية التي أكلت الأخضر واليابس وزجت البلاد في صراعات وممارسات لا حدود لفسادها.
أخلص من ذلك الى القول: إن «الإصلاح» الحزب المتهم بأخونة الوظيفة العامة هو الذي تسبب في هذه الأزمة وهو الذي بررها بأساليب منظمة الهدف منها زج القيادة السياسية في خلافات مع المؤيدين والداعمين لها قولاً وفعلاً وليس مجرد كلام..