عبدالرحمن مراد -
من يتابع صحف «الاخوان» يجد العجب العجاب، ويستطيع أن يقرأ تموجات اللحظة والموقف في الكون النفسي لتلك الجماعة فهي إذا استغرقت نفسها في شيء لا يمكنها الفكاك منه مطلقاً، وإذا عادت أفرطت وبالغت الى حدّ التيه، وحين تشعر بهزائم الواقع لها تبحث عن انتصارات زائفة لتجعل منها معادلاً موضوعياً يقيها حرَّ السقوط.
آخر ما أضحكني من تلك الجماعة هو تناولها الإعلامي لموضوع صلاة رئيس الجمهورية في جامع الصالح وكأنّ الموضع أصبح فتحاً عظيماً يشبه غزوة بدر أو فتح مكة العظيم، سبحان الله العظيم كيف يذلّ من يشاء ويعزّ من يشاء وكيف يكشف لنا غلالة القوم.. إنّ ربي لعزيز حكيم لا يرضى لعباده الظلم والفساد ولو رضي لهم ذلك لمكّن «للاخوان» في الأرض وجعلهم من الحاكمين لكنه رؤوف بصير بعباده.
لا يمكنني أن أتصوّر عقولاً كتلك التي تقبع على رؤوس الاخوان وتسيل على منطقهم وألسنتهم وتلوكها أسنان المطابع كل مساء وصباح أن تحكم اليمن، وما يتكبده الاخوان من هزائم متوالية عسكرية وسياسية تفصح عن مكنونات أنفسهم من الحقد وعن قدراتهم الذهنية العاجزة عن الاعتراف بالحقائق الموضوعية، فالعالم كله يعلم أن الحرب الدائرة في عمران وهمدان هي بين الحوثي والاخوان وحتى الأمم المتحدة تدرك تلك الحقيقة التي يهرب منها الاخوان كعادتهم استغراقاً منهم في المؤسسة العسكرية وفي الدولة، ويموت قادتهم والكثير من كوادرهم ممن لا علاقة لهم بالمؤسسة العسكرية فيقعون في التناقض بين الحقيقة والخيال والعلني والسري وتلك الثنائيات في البناءات التنظيمية للاخوان هي السبب المباشر في الفشل الذي يحفل به تأريخهم منذ النشأة في مطلع القرن العشرين وحتى اللحظة.
فأنا حتى اللحظة التي أسطر فيها هذا المقال لا أدرك البعد الاستراتيجي والسياسي الذي يمثله جامع الصالح حتى يهلل الاخوان ويكبروا بتلك الطريقة الباعثة على الاشمئزاز والغثيان، ولا أدرك الأهمية الوطنية لدخول الرئيس الجامع للصلاة فيه وكأن الجامع ثكنة عسكرية أو مستوطنة كانت خارج الجغرافيا الوطنية ثم عادت الى سياقها الجغرافي.. ومثل ذلك التهويل والتكثيف في الخطاب الاعلامي جعل السفير الأمريكي يزور الجامع ويعلن عظمة الدين الاسلامي الذي يسعى أتباعه الى تشييد مثل تلك المآثر الحضارية البالغة الجمال والدالة على العظمة والبهاء والحضور القوي والمؤثر في النفوس وقال في لحظة الدهشة مما يرى أنه يفكر في اعتناق الاسلام وبمجرد أن سمع الاخوان مثل ذلك الكلام سكتوا ولم يعجبهم كلام السفير الأمريكي بل لم يفرحوا بأثر الجامع في تصورات السفير الأمريكي لا لشيء إلا لأنّ الجامع بناه الرئيس اليمني السابق وأشرف على تشييده وهو الأمر الذي شكل لهم هزيمة أخلاقية معلنة ومكشوفة بالإضافة الى الهزائم العسكرية التي يتكبدونها أمام جحافل أنصار الله، والهزائم السياسية التي يتكبدونها على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فالاخوان أصبحوا تنظيماً إرهابياً وفق توصيف الكثير من الأنظمة العالمية.
ومن الدواهي الكبار أن اليدومي خرج بتصريحات في غضون ما سلف من أيام تقول انه لا يمكن الانتقال أو نجاح التسوية السياسية طالما والرئيس السابق يمارس السلطة ولايزال موجوداً في اليمن.. قاتلك الله أيها المتشدق بالمشروع الاسلامي والله لو كنت بمعية الرسول الأعظم في فتح مكة لأمرت بقطع رؤوس أهل مكة، أي دين يأمرك بما تتشدق به، ولقد رأينا منكم عجباً خلال عامين وعلمنا فشلكم وتطاولكم وقد أمركم الله أن تعدلوا ولا يمنعنكم شنآنكم لعلي عبدالله صالح أن تعدلوا واعترفوا بالفشل، فالسياسة ليست تطاولاً ولا تبريراً ولكنها نجاح أو فشل، وطالما وأنتم تملكون الجهاز الأمني وتديرونه صارحوا الجماهير بأدلتكم الدامغة التي تدين علي عبدالله صالح، فتبرير فشلكم بوجود الزعيم استغراق نعرفه في منهجكم وفي سلوككم وهو ليس بجديد على جماهير الشعب.
ويبدو أن اللواء علي محسن قد وقع في تلك الحالة الاستغراقية فقال في أحدث تصريحات له إن إنقاذ الدولة من الانهيار واجب الجميع.. صدقوني ضاعت «الصعبة» عليّ قده يهدم ويقول تعالوا ننقذ.. استغفروه والله إنها فتنة يطعنك ويقول تعالوا نسعفه.. خارجونا أنا عند الله وعندكم ما هكذا قد زاد الباطل وزادت العوجاء اللي يبا كل واحد يجزعها على الثاني.
- اليمن عانت من الفتنة ومن الفوضى ومن الحروب بما يغني كل أرباب وتجار الحروب لمئات السنين وهي بحاجة الى صدق ونقاء ثوري وبحاجة الى نهضة تنموية وسلام واستقرار وتعايش وقبل هذا وذاك هي بحاجة الى قيادة وطنية واعية وحكيمة قادرة على فلسفة تطلعات الجماهير وبحاجة الى مشروع نهضة حضاري وتنموي لا يشبه مشروع الأطراف التي تسعى الى السلطة بمفردات الموت والدمار والحروب والصراعات.. تريد وعياً مدنياً يقبل التعدد السياسي والثقافي ويلملم الاشلاء المتناثرة، ويعيد الأمور الى نسقها الطبيعي.
أما جامع الصالح سيظل تحفة معمارية فريدة وسيظل بيتاً من بيوت الله من أراد الصلاة فيه فلا جناح عليه ومن حقه، وسيظل مفتوحاً للعاكفين والركع السجود، فلتقرّ عيون «الاخوان» وبعدين يكونون يدورون قضايا ثانية.. تكون مهمة.. وتقبل الله صوم القارئ وقيامه.