نصر طه مصطفى -
تبدو الأوضاع في باكستان كأنها على وشك الانفجار خاصة بعد الانتهاء من مشكلة المسجد الأحمر التي استمرت لمدة عشرة أيام وأسفرت عن مقتل أكثر من مائة شخص من أفراد الجيش والإسلاميين المتحصنين فيه، فبدلاً من عودة الهدوء إذا بالبلاد تشهد ولأول مرة في تاريخها المعاصر عمليات انتحارية تستهدف قوات الجيش في عدة مناطق في تصعيد خطير وغير مسبوق قد يقحم باكستان في نوع من المواجهات له انعكاساته المستقبلية الخطيرة حتى وإن فشل في إسقاط النظام الحالي الذي يترأسه الجنرال برويز مشرف منذ ثماني سنوات ويواجه منذ انتهاء الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق تصعيداً في الخلافات بينه وبين الجماعات الإسلامية سواء الممثلة في البرلمان أم التي تقف خارجه.
منذ العهد العسكري الأول في تاريخ باكستان الحديث والذي بدأ في عام 1977 بانقلاب الجنرال ضياء الحق على رئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو، وهذا البلد يعيش بين الدورتين المعتادتين في العديد من دول العالم الثالث حكم العسكر وحكم الأحزاب، فبعد وفاة الجنرال ضياء الحق في حادث طائرة أودى بحياته مع السفير الأمريكي في باكستان عام 1988م بعد أحد عشر عاماً قضاها في السلطة، عادت الأحزاب السياسية لإدارة باكستان لمدة أحد عشر عاماً أخرى حتى عام 1999م شهدت البلاد خلالها أسوأ حالات الفساد والنزاع السياسي واللااستقرار في تاريخها، فخلال هذه السنوات الإحدى عشرة جرت أربعة انتخابات وأسفرت عن دورتين حكمت خلالهما بنازير بوتو ودورتين أخريين حكم خلالهما نواز شريف. وفي عهديهما برزت فضائح فساد كبيرة أدت واحدة منها إلى خروج بوتو من البلاد واستقرارها في الخارج حتى الآن، فيما لم يختلف الأمر كثيراً على عهد نواز شريف الذي تدهورت الأوضاع الاقتصادية في عهده إلى أسوأ مستوياتها وأنهى عهده بالتآمر لإسقاط طائرة مدنية يستقلها قائد الجيش القوي برويز مشرف وكان ذلك هو السبب المباشر في إنهاء حكم الأحزاب وعودة دورة الحكم مجدداً إلى أيدي العسكر وتحديداً إلى يد الجنرال مشرف الذي تعلم كثيراً من فترة حكم الجنرال ضياء الحق واستفاد من دروسها وسعى لتجنب أخطائها رغم فارق الظروف.
لاشك أن الظروف خدمت الجنرال ضياء الحق ربما أكثر مما تخدم الجنرال مشرف حاليا، فضياء الحق استفاد إلى أقصى حد من مرحلة الحرب الدولية ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان وكان رغم قبضته الحديدية محل رضا الإسلاميين ليس في باكستان وحدها بل في العالم كله، حيث كانوا يعتبرونه نموذجاً للحاكم المسلم النموذجي بحكم تبنيه الغامض لمسألة تطبيق الشريعة الإسلامية، ومع ذلك فقد دفع ضياء الحق حياته ثمنا لتحالفه مع الولايات المتحدة والإسلاميين. ولا أحد حتى الآن يعرف من كان وراء نهايته الدامية ولعلها كانت أحد استحقاقات الفصل الأخير من احتلال أفغانستان وقرب انهيار المنظومة الاشتراكية. جاء الفرج لنظام مشرف مع بدء الحرب الدولية ضد الإرهاب التي قادتها الإدارة الأمريكية الحالية عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فقد كانت باكستان الحليف الرئيسي في عملية إسقاط نظام طالبان والقضاء على قيادة تنظيم القاعدة ومن ثم كان لابد للإدارة الأمريكية أن تعيد صياغة علاقتها بالرئيس مشرف الذي أجاد الاستفادة من هذا المتغير الدولي المهم ونجح في إعادة توثيق علاقاته بالولايات المتحدة كما كانت في عهد الجنرال ضياء الحق بل وربما أفضل خاصة أن مشرف قرر فيما بعد إعادة العملية الديمقراطية بعد أن دفع بتأسيس حزب سياسي موال له (الرابطة الإسلامية قائد أعظم) تمكن من الفوز بأكثرية المقاعد في أول انتخابات نيابية جرت في باكستان عام ،2002 فيما جاء حزبا بنازير بوتو ونواز شريف تاليين وجرى تشكيل ائتلاف حكومي مع أحزاب قريبة من الرابطة لكن كل ذلك كان شكلياً إلى حد كبير لأن السلطات الفعلية كانت بيد الرئيس مشرف الذي أجرى تعديلات دستورية أعطته صلاحيات كبيرة ثم ثبت نفسه رئيساً للبلاد بموجب استفتاء شعبي جرى في إبريل/ نيسان 2005م محافظاً في نفس الوقت على بقائه قائداً مباشراً للجيش باعتبار الجيش مفتاح القوة والاستقرار في هذا البلد النامي.
منذ بداية حكمه، لم تكن هناك أي مؤشرات إلى وجود ود متبادل بين الجنرال مشرف والجماعات الإسلامية على غرار ما كان حاصلاً مع الجنرال ضياء الحق، وزادت العلاقة الهشة توتراً في أعقاب انضمام مشرف للتحالف الدولي ضد الإرهاب فيما ازداد تعاطف التيارات الإسلامية الباكستانية بمعظم اتجاهاتها مع حركة طالبان وتنظيم القاعدة الذي وجد قادته كما يقال ملجأ آمناً جداً في مناطق القبائل الباكستانية المحاذية لأفغانستان وهي مناطق خارج سيطرة الحكومة الباكستانية حتى الآن. وبالتأكيد فإن الرئيس مشرف يجد نفسه بين خيارات صعبة فيما يخص استحقاقات المرحلة القادمة، إذ لا يستبعد أن البديل الديمقراطي له سيكون تحالفاً من الأحزاب الإسلامية وهذا يعني مؤشراً سلبياً بالنسبة لمستقبل باكستان التي أصبحت تمتلك القنبلة النووية ولها صناعات عسكرية متطورة. ومن الصحيح القول إن الرئيس مشرف لا يزال قوياً وممسكاً بكل مفاصل السلطة لكن استمرار مثل هذه الأزمة وتفاقمها قد لا يكونان في مصلحته مستقبلاً وهو الأمر الذي قد يجعله أمام خيار واحد هو الاستقالة وتسليم السلطة مجدداً لأحد قادة الجيش لضمان عدم انزلاق البلاد في أتون صراعات داخلية وكذلك الحيلولة دون وصول الجماعات الدينية إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.
نقلاً عن الخليج