|
|
|
بقلم/ عبده محمد الجندي - لاشك أن الغرور مرض سياسي قاتل إذا حضر الباطل وغاب الحق تضيع فضيلة التواضع الناتجة عن احترام الآخر وقد يؤدي إلى اخضاع العقول للعواطف وتصبح السلطة غاية لذاتها، تندرج في نطاق الشهوات والملذات التي لاقيم لها ولامبادئ ولامثل اخلاقية ووطنية تقدم الواجب على الحق والموضوعي على الذاتي والعام على الخاص، وتقديم الوسائل القمعية القاتلة والمستبدة غير المشروعة والسهلة والخالية من الكلفة حتى ولو كانت على حساب البؤساء والمظلومين وعلى حساب الوسائل السلمية البناءة والمثمرة والمشروعة والصعبة مهما كان الوصول اليها مكلفاًِ إلا انه ودائماً لايحتمل ردود الفعل الفوضوية الصاخبة والغاضبة والرافضة للحق والعدل والنظام وسيادة القانون.
اقول ذلك وأقصد به أن الغرور السياسي الناتج عن عبادة «الأنا» ومرض الانانية لاينحصر في نطاق الافراد بل يتجاوز ذلك الى الجماعات والاحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الجماهيرية المتنافسة على السلطة تماماً كما حدث لحزب التجمع اليمني للاصلاح الذي ركب عاصفة ما سمي بموجة «الربيع العربي» للانقضاض على السلطة بوسائل وأساليب غير ديمقراطية امتزج فيها ما هو سلمي بما هو عنيف بصورة ولَّدت لديه الكثير من امراض الكبر والأنانية وحضور الغرور على حساب غياب الحق ما جعله يمارس الاستجبار على حلفاء الأمس والاحتقار لحلفاء اليوم على قاعدة «وما السلطة إلا لنا» والدخول معهم بنزاعات وصراعات وحروب تحت مظلة ما لديه من قدرة على المزايدة والمكايدة السياسية والاعلامية القادرة على قلب الحقائق واتهام الآخرين وتجاوزت مافيهم الى ما ليس فيهم من الأخطاء والعيوب الذميمة والقبيحة والفاسدة، وسوَّقت نفسها بما فيها وبما ليس فيها من الايجابيات والبطولات الخارقة للعادة.. واعدة الشعب بأن لديها المفاتيح السحرية للتغيير المحقق لما لديهم من الطموحات والأحلام والتطلعات خلال فترات زمنية قياسية تقاس بالشهور والأعوام، ملقية على خصومها «حكام الأمس» بأنهم السبب الوحيد لما تبقى من الفقر ومن المرض ومن الجهل ومن الخوف ومن التخلف بكل أشكاله وأنواعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والامنية، متوعدة بفتح السجون ونصب المشانق بحق من أطلقت عليهم «بقايا النظام» لإستعادة ما سرقوه من الثروات والأموال الكفيلة بتوفير ماتتطلبه الخطط والبرامج الاقتصادية من المليارات التي يفهم منها مقولة اسطورية «من عاش أكله بلاش» وكيف يتحول الفقراء والمحتاجون الى أغنياء ومترفين خلال أشهر وأعوام.
ومضت على حكومتهم ثلاثة أعوام ولم يتحقق فيها للشعب سوى المزيد من المعاناة في ظل ما قامت به من المظاهرات والاعتصامات والاتهامات والصراعات والحروب الارهابية التي دمرت تحت جنون الغرور و«الاخونة» من مؤسسات الدولة ومنجزات الثورة، ناهيك عن الفوضى التي لحقت بما لدينا من المرجعيات والنظم الدستورية والقانونية المنظمة للحق والواجب وللامن والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، لا بل قل انها تجاوزت ذلك الى المساس بما لدينا من التقاليد والعادات القيمية والاخلاقية على قاعدة «المتهم بريء حتى تثبت ادانته»، فأصبح «الثورجي» شاهراً سيفه على من يسمونهم بالفلول وبقايا النظام بتوعدهم بالمعاقبة والمحاكمة ليل نهار دون دليل، مرسخين بين البسطاء انهم حفنة من الفاسدين لايحق لهم حتى مجرد حق الدفاع الشرعي عن النفس امام قضاة مستقلين ومعروفين بالنزاهة، حتى القضاة المكلفين بالنظر في جريمة حادث مسجد دار الرئاسة تم اختيارهم من المنتمين للاخوان، لأن «الأخونة» شملت جميع السلطات القضائية والتنفيذية وجميع المؤسسات المدنية والعسكرية للدولة على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ التغيير والتطور السياسي.
أما المالية التي شملتها عملية «أخونة» جماعية فقد فتحت لهم الابواب وسخرت لهم البنود لحركة تجنيد وتوظيف وتسويات ودرجات وسفريات وموازنات بلا حدود ولا قيود وعلى أمراضهم ورحلاتهم وجمعياتهم الحزبية، ناهيك عن أحزابهم السياسية.. حتى المبالغ المخصصة لدعم المشتقات النفطية صرفت على ملذاتهم وأطماعهم بما في ذلك عائدات رفع الدعم التي طرأت على حكومتهم الفاسدة، مضافاً اليها الدعم دون مراعاة لما سوف ينتج عن ذلك من أزمات خدمية تتحول الى أزمات سياسية.
وكما دفعهم الغرور الى محاربة الشعب خلال فترة الأزمة وما تخللها من اطلاق العنان لمليشياتهم المسلحة في محاربة القوات المسلحة والأمن فنهبوا المعسكرات وقتلوا القادة العسكريين وعشرات ومئات الضباط والجنود في العديد من المحافظات والمعسكرات بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وفتحوا الوزارات والمؤسسات وخربوا ما فيها ونهبوا معداتها وسياراتها وممتلكاتها وارصدتها البنكية على نطاق واسع وباعوا كل ما استولوا عليه من الاثاث والمكاتب وآلات الطبع والكمبيوترات.. الخ.
إلا ان تعاملهم مع المؤتمر الشعبي العام ومع قيادة الدولة وحكومة المؤتمر السابقة -دون ردع- شجعهم على استخدام نفس الاساليب القمعية مع من كانوا حلفاؤهم، فيما اطلقوا عليه بثورة الربيع العربي بدءاً من قتل المتظاهرين الحراكيين في عدن وانتهوا بقتال الحوثيين او من يطلقون عليهم الروافض واقصد بهم انصار الله الذين كانوا شركاءهم في الثورة وحلفاءهم في مؤتمر الحوار الوطني، ولم يكتفوا من حرمانهم من المشاركة في حكومة الوفاق الوطني واستخدام حق «الفيتو» عليهم بل وتجاوزوا ذلك الى محاربتهم في عمران، مستخدمين القوات العسكرية الموالية لهم من الذين اطلقوا على أنفسهم حماة الثورة بقيادة اللواء الركن علي محسن صالح الاحمر الذي لم يستمع لتوجيهات المشير عبدربه منصور هادي لقيادة وزارة الدفاع التي قضت بعدم اقحام الجيش في هذه الصراعات والحروب المذهبية والطائفية بين انصار الله وبين الاخوان المسلمين، حيث استمر هذا الثالوث يمارس سلسلة من الضغوط الهادفة إدخال القوات المسلحة في حرب طائفية ومذهبية يتضرر منها الجميع ولايستفيد منها أحد قط..
فكانت حرب القوات الموالية لهم في عمران من الحروب المرتجلة وغير المتكافئة مع انصار الله الذين مكنتهم حروب صعدة العبثية من اكتساب خبرات لايستهان بها في حروب العصابات مع القوات النظامية عبر ستة حروب انتهت باعادة الاعتبار والاعتذار لانصار الله الذين يفرضون سيطرتهم على محافظة صعدة..
اقول ذلك واقصد به ان تردد رئيس الجمهورية وعدم تلبيته في البداية لطلباتهم الذاتية كان ناتج عن خبرته ومعرفته بما سوف ينتج عنها من نتائج كارثية تضاف الى سلبيات الحروب الستة في صعدة التي قادها اللواء علي محسن الى الهزيمة وما تلاها من تحييد للالوية العسكرية المرابطة في محافظة صعدة.. ناهيك عن ادراكه لما تتكبده تلك المعسكرات من خسائر، مكنت انصار الله من امتلاك ترسانة عسكرية من كافة أنواع الاسلحة القتالية الفتاكة لايستهان بها.
إلا ان غرور الاخوان المسلمين وبعض الالوية الموالية لهم أبوا إلا ممارسة سلسلة من الضغوطات على رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، جعلته يوافق على ارسال بعض الكتائب الى عمران، اضافة الى تكليف بعض القوات الجوية في توجيه ضربات محدودة لفك الحصار الذي ضربه انصار الله على معسكر اللواء «310مدرع» المرابط في عمران والذي اصبح معظم مقاتليه من مليشيات الاخوان المسلمين وحلفائهم الاسلاميين.
كانت اللجنة الرئاسية قد مارست ضغوطات مكثفة على انصار الله لتوقيع اتفاق الهدنة كمقدمة لانهاء المعركة بين الاصلاح وبين انصار الله تنتهي بنقل القشيبي من عمران واستبدال معسكره المتورط في حروب عبثية مع ابناء المنطقة بمعسكر جديد، ينقل من صعدة او من الضالع او من أيٍّ محافظة او مدينة اخرى حلاً للمشكلة، غير ان الثالوث الاخواني الاصلاحي العسكري افشل ذلك الاتفاق المعمد من اللواء الركن محمد ناصر احمد وزير الدفاع، فهو يصر على بقاء القشيبي وتعزيزه بقوات اخرى من الفرقة الاولى وبضربات جوية على أمل تحقيق الانتصار الذي يمحو آثار مالحق بهم من هزيمة في قبيلة حاشد التي وقعت اتفاق عدم اعتداء مع انصار الله..
لقد تحول الغرور الى نوع من الاستكبار والاصرار على مواصلة القتال في معركة خاسرة، ظهروا فيها وكأنهم يسوقون اللواء القشيبي الى مثواه الاخير، فكان العناد والمكابرة قد تحول الى هزيمة عسكرية وترت العلاقة الطيبة بين انصار الله وبين فخامة الاخ رئيس الجمهورية ووزير دفاعه. وحولهم الى هدف لحملات دعائية غير مبررة، فتتالت عليهم من كل حدب وصوب وكأنهم من كانوا وراء الاصرار على هذه الحرب الملعونة.. مايدعو الى الاسف ان هذا الثالوث الذي رفض كل الاتفاقات وكل الجهود التي قامت بها اللجان الرئاسية قد تحول الى احد الاطراف المروجة لهذه الهجمة الاعلامية الشرسة على رئيس الجمهورية ووزير دفاعه، تضاف الى حملات من اطراف سياسية وحزبية اخرى لا لشيء إلا لأنها تأخذ على رئيس الجمهورية مجاملته لقيادة التجمع اليمني للاصلاح بحكم ما ظهر منها من الغرور والكبر بحكم استمرارها للدس والوقيعة بين رئيس الجمهورية وبين بقية القوى السياسية وفي مقدمتها الحزب الذي ينتمي اليه ويعتبر المسؤول الثاني في قيادته، رغم ما كشف عنه الواقع من هشاشة ما لديهم من قدرات قتالية افقدتهم القاعدة الجماهيرية، بل قل ان اطماعهم وافراطهم في «أخونة» الوظيفة العامة افقدتهم من كانوا حلفاءهم في الثورة، ومن هنا يصبح الدفاع عن فخامة الاخ رئيس الجمهورية واجباً على جميع القوى السياسية، حتى لايجد نفسه مضطراًِ الى الاستكانة لما لديهم من المطالب التي ليس لها نهاية.
لاسيما وان حزب التجمع اليمني للاصلاح يمتلك آلة دعائية قادرة على قلب الحقائق تمكنهم من استعادة علاقاتهم المفقودة مع الدول الخليجية «المملكة والامارات والكويت والبحرين»، بالاضافة الى ما لديهم من علاقة قوية مع الدول الدائمة العضوية المؤيدة لفخامة الاخ رئيس الجمهورية حتى لايضطر الى اقحام القوات المسلحة والامن في حرب لاناقة للشعب فيها ولاجمل.
ان واجب العقلاء في جميع الاحزاب والتنظيمات السياسية ان لايدخلوا في هذه الحرب السياسية والاعلامية والعسكرية المذهبية والطائفية العبثية التي تكسب الاخوان المسلمين ماهم بحاجة اليه من الدعم الاقليمي والدعم الدولي في حربهم مع انصار الله، التي حاولوا تحويلها من حرب بين الاخوان المسلمين وخصومهم الحوثيين الى حرب اقليمية بين ايران وبين المملكة العربية السعودية وكأنها امتداداً لتلك الحروب السنية الشيعية.
الترويج لمعلومات اصلاحية كاذبة تصور انصار الله بانهم اصبحوا قوة عسكرية جبارة تهدد الدول الخليجية المجاورة وتهدد العاصمة والدولة اليمنية، في محاولة لصرف انظار المجتمع الدولي عما يمثله الاخوان المسلمين وحلفاؤهم من خطورة ارهابية تربط سلاح الحوثي بنزع الاسلحة الثقيلة والمتوسطة التي نهبوها من معسكرات الدولة وما لديهم من المعسكرات التي تمثل نصف القوات المسلحة اذا اضيف إليها المجندون الجدد الذين ارهقوا الموازنة.
اعود فأقول : ان التجمع اليمني للاصلاح اصبح مطالباً من الجميع بإعادة النظر في غروره ومايمارسه من سياسة اقصائية الى ابتلاع مؤسسات وسلطات الدولة وفي مقدمتها تلك السلطات القضائية والتنفيذية والعسكرية والامنية على وجه الخصوص، لان الغرور والاستهانة بالآخرين وبما لديهم من الحقوق الوطنية والمبالغة في حجم ما لديهم من قوة سياسية ارهابية لاتتفق مع الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة.
وقبل ان اصل الى نهاية هذا المقال لايفوتني ان اتحدث عن الدور الفاعل للمؤتمر الشعبي العام الذي يحتاج الى التفعيل وتوفير القدر المعقول من الامكانات التي تمكنه من القيام بدوره في دعم الشرعية الدستورية بقيادة فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي النائب الأول الامين العام للمؤتمر الشعبي العام في هذه الظروف الاستثنائية الصعبة التي تهدد الدولة بالانهيار وتهدد الوطن بالتمزق على نحو يتضرر منه الجميع ولايستفيد منه سوى الأعداء الذين بذلوا قصارى مالديهم من الجهود للحيلولة دون التفرغ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، دولة النظام وسيادة القانون، طبقاً لمرجعيات دستورية وقانونية مستمدة من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لاسيما وقد اصبحت الاخفاقات المركبة لحكومة الحوار الوطني سبباً رئيسياً لتراجع المواقف المساندة للهيئة الناخبة التي أوصلت فخامته إلى رئاسة الجمهورية في غياب الوسائل الاعلامية الحكومية المروجة لما يقوم به رئيس الجمهورية.. وقد اصبحت تابعة للاخوان.. ولا اقول- من باب المزايدة او المكايدة - فما يقوم به التجمع اليمني للاصلاح من «اخونة» للوسائل الاعلامية الرسمية مسألة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، ناهيك عن سيطرتهم على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والامنية والقضائية بصورة حالت دون بناء اليمن الحضاري الجديد والحقت بمبدأ التغيير سلسلة من الاساءات والتشوهات التي جعلت العامة يقولون بأن الماضي كان أفضل من الحاضر، لأن هؤلاء يقيسون الاوضاع بحسب ما يعانونه من الحالة المعيشية والخدمية رغم ماتوفر لفخامة الاخ رئيس الجمهورية من الدعم والمساندة الدولية المادية والمعنوية التي عجزت الحكومة عن استيعابها وتحقيق قدر مقبول ومعقول من المنجزات المادية والمعنوية، إلا أن ضعف الحكومة وفساد بعض وزرائها الناتج عن ضعف وافلاس رئيسها الذي اصبح من العقليات التقليدية العاجزة عن استيعاب الجديد، قد حال دون قدرتها على تحقيق أي قدر معقول ومقبول من النجاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية، ناهيك عمَّا تسببت به الاخونة للوظيفة العامة من صراعات وحروب مذهبية وطائفية وارهابية جعلت المبعدين من أعمالهم في ظل عجز قياداتهم الحزبية عن حمايتهم بقدسية الدستور وسيادة القانون يجدون في انصار الله ملاذاً آمناً للجوء اليه ولو من باب التشفي بما لحق بالاصلاح من الهزائم القتالية، ومعنى ذلك ان الاصلاح لم يحقق من غروره وكبريائه واقصائه للآخرين سوى الشعور بالذل والضعف.. ولكن بعد فوات الأوان، لأن القاء المسئولية على عفاش وبقايا نظامه أصبحت اسطوانة مشروخة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|