علي ناجي الرعوي - لايشكك كثير من اليمنيين في اهمية الوحدة التي حققوها عام 1990م فقد استعاد اليمن من خلال تلك الخطوة لحمته الداخلية بعد انقطاع دام عقودا طويلة حفلت بالحروب والصراعات ودورات العنف التي ماكان تنتهي إحداها حتى تبدأ الاخرى.. ولكن مايختلف حوله اليمنيون اليوم وبعد مرور 24 عاما على قيام كيانهم الوحدوي يتمحور بدرجة رئيسية في العوامل والاسباب التي كانت وراء اخفاقهم وفشلهم في الحفاظ على وحدتهم التي كانت بالنسبة لهم انجازا تاريخيا فاجأوا به العالم فبين من يعيد سبب هذا الفشل الى اتساع الفجوة الثقافية بين المكونات الاجتماعية حيث سيطرة القبيلة والأعراف القبلية في الشمال والموروث الايديولوجي الاقرب الى الايديولوجيا التي كانت سائدة في الانظمة الاشتراكية في الجنوب وهي الفجوة التي ماكان لها ان تصبح مشكلة في حد ذاتها لو وجدت دولة قادرة على انتاج وطن ومجتمع متماسك تحكمه قيم العدالة والمواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص.
وفي المقابل يرى فريق آخر ان هروب اليمنيين من الوحدة الاندماجية الى الصيغة الاتحادية والأقلمة التي كانت تمثل ذات يوم إهانة للحمة الوطنية إنما مرده الاول الى تفاقم المشكلات الاقتصادية خاصة مع ارتفاع سقف توقعات المكونات والشرائح المختلفة وتحديدا في المحافظات الجنوبية التي جاء ابناؤها الى الوحدة تتقدمهم تطلعات كبيرة في مغادرة واقع الشح الذي كان قائما وتحقيق الرخاء الذي حرموا منه اثناء حكم النظام الاشتراكي الذي فرض عليهم قانون التأميم سيئ الذكر وجردهم من أي مكاسب مادية خاصة وهي التطلعات التي تبخرت امام حقائق الواقع المليء بالمشكلات والتحديات وندرة الموارد.
وكما يقول الطبيعيون فإن كل فعل له رد فعل مساو له في الدرجة ومختلف عنه في الاتجاه بما يعني في المفهوم السياسي والاجتماعي ان الكثرة الغالبة ممن عولوا على الوحدة لإخراجهم من حياة الفاقة الى البحبوحة الاقتصادية قد اصيبوا بخيبة امل لم يستطيعوا احتمالها مما اسهم في وقوعهم تحت تأثير الدعوات الانفصالية والمشاريع التمزيقية التي عادة ماتحركها غايات سياسية او نفعية او دوافع خارجية تسعى الى خلط الاوراق في اليمن والمنطقة ككل.
على ان المفارقة في المسالة اليمنية تكمن في ان المخرج الوحيد لكل هذه الازمات والمشكلات يتمثل في نظر النخب السياسية في الانتقال الى الاقلمة او النظام الاتحادي الذي جرى التوافق حوله في مؤتمر الحوار الوطني مع ذلك فان طرح هذه الصيغة وان وجدت من يروج لها بوصفها سبيلا للخلاص من عقدة المركزية التي تتحكم في العملية السياسية منذ عدة سنوات لم يتمكنوا من تبديد المخاوف التي تسيطر على البعض والذي يخشون من ان تنزلق اليمن في ظل الاقلمة الى مهاوي التفكك والتفتت الى دويلات متناحرة ومتصارعة كما حصل بالامس في السودان ويحصل اليوم في العراق.
ومثل هذه المخاوف التي تصدر عن اشخاص لايمكن النظر اليهم بوصفهم متامرين على مخرجات مؤتمر الحوار او حتى مصابين ب فوبيا المؤامرة هي ولاشك مخاوف موضوعية يبحث من خلالها الناس عن اجابات مطمئنة لها ولأخواتها سيما وان اليمن طالما خضعت لأنظمة سلطوية ومن السذاجة التفكير بانها من ستتحول الى دولة ذات نظام فيدرالي في يوم وليلة ليس فقط بسبب تركيبة اليمن القبلية وانما لطبيعة النظام الفيدرالي والذي يعتبر تشكيلا اداريا معقدا مما يجعل نظام الاقاليم ليس حل للقضايا المعقدة في هذا البلد وانما الحل يكمن ببناء واقع قابل للحياة والتعايش السلمي بين كل اليمنيين.
جريدة الرياض السعودية |