بقلم: ديفيد إشل -
ربما أن القاعدة تحتقر الشيعة أكثر من كرهها للولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذا لا يمنعهم من وقت لآخر في الاشتراك ضد نفس الأعداء لما تمليه المصلحة. خبراء المخابرات يرجحون أن إيران ربما تدعم الجماعات الشيعية لصد انتشار نفوذ القاعدة في اليمن الذي يمكن أن يهدد الطائفة الشيعية الزيدية المعتدلة في البلاد. في يوليو 2004، أصدر جناح أبو حافظ المصري، احدى فرق القاعدة، بياناً يهدد فيه بجر الولايات المتحدة إلى مستنقع ثالث بعد العراق وأفغانستان، ربما يكون اليمن. لكن في نفس الوقت، فقد أصبحت اليمن ساحة في الحرب على الإرهاب عندما تتحرك جماعات متشددة نحو حملة دينية جديدة تتلقى رعاية من رجال الدين الشيعة في طهران. مصادر استخباراتية غربية تحذر من أن يكون اليمن ملجاءً ملائماً لمتشددي القاعدة الذين يفرون من الإجراءات الصارمة التي تتخذها المملكة العربية السعودية ضدهم. فعدم السيطرة على الحدود السعودية اليمنية الطويلة يمثل معضلة، فهي تمتد عبر أراضٍ صحراوية وجبلية. وبينما هما مختلفان وماكران في أمور دينية، تتشارك جماعة الحوثي، متمردون من الشيعة اليمنيين في شمال البلاد، والقاعدة في نغمة مشتركة ضد الولايات المتحدة الأمريكية. بل أن متمردي الحوثي رفعوا علم منظمة حزب الله المدعومة من إيران والقاعدة نجحت في تطويع السنيين من طائفة الشافعية. لم يعد مستبعداً وقوع صراعاً مستقبلي بين الشيعة الزيود والقاعدة المشكلة حديثا بدعم من الشوافع، إذا واصلت إيران في زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي- حيث سيكون خليج عدن الاستراتيجي هو الهدف التالي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كنقطة انطلاق إلى الصومال وأفريقيا. منذ إندلاع التمرد في شمال اليمن عام 2004، واجه المذهب الزيدي هجوما من الحكومة تمثل بحظر تداول بعض الكتب الدينية الزيدية وإحلال خطباء سلفيين مكان الزيود وحظر ممارسة بعض الاحتفالات الدينية الزيدية. تلك الإجراءات تسببت في إثارة غضب كبير من قبل الزيود. وعلى الجانب الآخر، ربما تحت ضغط النفوذ السعودي المتنامي في نزاعها الفكري مع الشيعة، تم إغلاق مدارس زيدية ودينية أخرى، مصنفة بأنها "متطرفة"، بينما الدعم السعودي للمؤسسات الوهابية يلوح في الأفق. خلال العقدين الماضيين، نالت حركة إصلاحية إسلامية تعرف بالوهابية شعبية متزايدة في اليمن. والوهابية تعارض كلا من المذهبين الرئيسيين في اليمن، الزيود الشيعة في الشمال والشافعية السنية في الجنوب وتهامة. يبدو أن الوهابية اليمنية اشتد عودها بشكل واضح في محافظة صعدة شمال اليمن حيث تقيم بعض قياداتها هناك. وبما أن تلك المنطقة تمثل موطن الزيدية في شمال اليمن، فقد كان ظهور شعبية للوهابية هناك أمراً مدهشاً للغاية. ومع ذلك وصلت الوهابية إلى جبال رازح في غرب صعدة بسبب التمكن من التعامل بحنكة مع امتعاض مكبوت إلى اليوم من عقائد أساسية في مذهب الزيدية. بعد ذلك، كما توقع البعض، تم نثر الوهابية هناك بتمويل وتشجيع خارجي، بل أنها الطائفة الوحيدة التي تجذرت هناك لأن بذرتها كانت مخصبة. دخلت الوهابية إلى محافظة صعدة اليمنية عن طريق محليون كانوا قد تحولوا إلى هذا المذهب الإسلامي عندما كانوا يدرسون العلوم الدينية في السعودية أو عندما كانوا يقاتلون مع الجهاديين في أفغانستان. عند عودتهم إلى صعدة أقاموا حلقات دراسية ومعاهد دينية ومساجد وهابية. واشتدت حدة التنافس بين الزيدية والوهابية. وحاول الوهابيون الاستحواذ على الجامع الكبير في رازح، الذي كان مركزاً للزيديين. بعد أكثر من ربع قرن، حاولت المؤسسة الوهابية في السعودية توسيع رقعتها في بقية الدول الإسلامية، ومن الواضح أن السعودية نشرت بفعالية الإيديولوجية الوهابية في العالم الإسلامي. الوهابيون يعتبرون الشيعة منشقين وقد أصدر علماء الوهابية السعوديون فتاوى دينية تدعو لقتل الشيعة في أي مكان. وقبل مقتله، أعلن أبو مصعب الزرقاوي بأنه لن يكون هناك "نصر كامل" على اليهود والمسيحيين من دون "إبادة كاملة" للشيعة، الذين سماهم بالعملاء السريين لأعداء الإسلام. السعودية تتخوف من نجاح إيران في نهضتها التي ربما تصبح مثالا للمسلمين في الشرق الأوسط وبالتالي إضعاف السعودية وتدمير الوهابية في الأخير. ويدرك علماء الوهابية بأن الدخول في حرب إيديولوجية سيؤدي بمذهبهم إلى الضياع. والآن هم ينظرون إلى الولايات المتحدة لحمايتهم عن طريق إضعاف إيران. لكن في مقابل سياستها المعادية لإيران، تعترف إدارة بوش بأن المملكة العربية السعودية كانت تمول النظام المتحيز للقاعدة في الصومال (المحاكم الإسلامية سابقا). يقول مسئولون أمريكيون بان السعودية كانت ممولا رئيسياً للمحاكم الإسلامية في الصومال التي يقودها زعيم من القاعدة مطلوب من الولايات المتحدة. وقد كدست المحاكم الإسلامية الكثير من الدعم الأجنبي من السعودية واليمن. وكانت المخابرات الأمريكية قد اتهمت الوهابيين بإثارة الإرهاب، خصوصا عند التذكير بأن خمسة عشر من التسعة عشر خاطفا لطائرات هجمات 11 سبتمبر كانوا سعوديين. لقد نالت إدارة بوش مكاسب سياسية من هجمات 11 سبتمبر بإثارة اللغط في وسائل الإعلام الغربية بأن القاعدة والوهابية وجهان لعملة واحدة. لكن في الحقيقة، أن أسامة بن لادن وإخوانه العسيريين يضغنون الكراهية لحكام السعودية أكثر من كراهية المتمردين الشيشان لحكام موسكو. فإذا رغبت واشنطن في الحفاظ على قبضتها للمضيق القرن الأفريقي الاستراتيجي في وجه مساعي إيران المتواصلة لإثارة الفوضى في هذا الممر البحري الحيوي، عليها أن تركز اهتمامها على اليمن وبشكل خاص على صراع الأصولية الإسلامية المتواصل هناك. وبدون عمل حازم لإعاقة انتشار هذا الخطر، فإيران منشغلة الآن بالصراع الصومالي، فإن هيمنة شيعة طهران على هذه المنطقة المضطربة سيصبح حتمياً. فبنظرة واحدة إلى خارطة المنطقة كافية لإدراك ما هو مخزون للعالم الحر. ❊ لندن- مجلة ديفنس ابديت البريطانية
حقوق الترجمة خاص بصحيفة »الميثاق«