بقلم: سوزانه شبور - حفلات الزفاف في اليمن ظاهرة تحاكي الأسطورة: سيوف ذهبية تحملها أكتاف عرسان تتوج رؤوسهم عكاوات وتحملهم ظهور الجياد أحيانا. ظاهرة احتفالية تستمر يوماً كاملاً حافلاً برقصات الأصدقاء بخناجر معقوفة (الجنابي اليمنية التقليدية) تحدوهم البهجة لمناسبة زواج صديقهم. بعد إنهاء هذه الطقوس الفرائحية يلتقي العريس لأول مرة بعروسه المنقوشة بالحناء من مفرق رأسها حتى أخمص قدميها.
ماذا يحدث بعد ذلك العرس الأسطوري يا ترى؟
حدثتنا إحدى اليمنيات، أسمت نفسها عزيزة، بأنها تعرف نساء تم تزويجهن رغما عنهن وهو ما يعني انتهاك سافر لتعاليم الإسلام. شجعتنا عزيزة في إجراء حديث مع بعض من أولئك النسوة، وكان الموقع في اليوم التالي مباشرة.
لم يكن يبدو من عزيزة البالغة من العمر 23 عاما سوى عينان داكنتان تبرق من جسد سدل عليه سواد من ستار لا يكاد المرء يفهمها جراء غطاء الوجه الذي يشمل الفم، مهرولة باتجاه محطة نقل ليقلنا الباص بعد ذلك إلى وجهة تقل فيها المدينة جمالا.
بعد وصولنا إلى أحد أطراف العاصمة صنعاء، نزلنا من الباص وقادتنا عزيزة إلى طريق مألوف لديها، فيه بعض الانعطافات لينتهي بنا المطاف أمام بيت خرساني تسكنه إحدى صديقاتها. كان هناك احتفال بعرس ابنة عمها وكان الطابق الأرضي مخصص للنساء، هناك أزاحت عزيزة عن وجهها اللثام ويبدو الخمار كزي راهبة كاثوليكية.
إنها جميلة الطالع ذات سن يانع، سألت بجرأة: أمن مزوجات قسرا هنا؟ فدوت قهقهات النساء وقهقهت معهن العروس المرتدية فستاناً أزرق فاتح، ذكرني ذلك الفستان بقميص نوم فضفاض. ربما لم يكن العرس
المكان الصحيح لتداول الحديث عن الزواج القسري.
قبل وصولنا إلى بيت عمها، أخبرتنا عزيزة بأن والدها إمام مسجد الحي. لذلك لن يدوم طويلا حتى ينقل إليه الخطيئة التي اقترفتها ابنته بالحديث عن الزواج القسري. سألتني:" هل تسمعين أذان الصلاة القادم من المسجد؟ إنه هو". كان والدها ينادي لصلاة العصر في ذلك الوقت.
خرجنا من بيت عم عزيزة وسلكنا بعض الشوارع حتى وصلنا إلى فناء طويل وضيق بداخله حبل عليه ثياب مغسلة. نادت عزيزة النساء بالخروج وطلبت منهن مباشرة أن يحكين "للألمانية" كيف يكون الحال عندما يجبر شخص على الزواج قسرا! فألقت إمراة بدينة كبيرة في السن قصيدة عن"زواج بالغصب" بابتسامة ساخرة.
بعدها وقفت حميدة صامتة تحمل ابنها الأصغر على خصرها محيلة وجهها الذي أتى عليه الدهر إلى الأرض القاسية. لم تبدأ حميدة بالحديث إلا بعد أن فطنت عزيزة إلى شغل الأخريات بتجهيز الشاي وجلب الماء. حدثتنا حميدة عن حبها الكبير بجندي من أهل قريتها كان يكتب لها رسائل وقصائد. كان يُسمح لها بالحديث معه ورؤيته لأنه ابن عمها. وفي أحد الأيام عندما كانت حميدة في الرابعة عشرة من عمرها كانت أسرتها مجتمعة في أجواء مفعمة بالفرحة حين رجعت إلى المنزل. لقد كانوا يحتفلون بعرس أخيها المرتقب بعد الاتفاق مع أسرة العروس. وإذا بهم يصارحونها بقولهم: "على فكرة يا حميدة، حتى أنت زوجناك".
لقد زوجوها لرجل من عائلة عروس شقيقها، أصيبت حميدة بالذعر، لكنها لم تجرؤ على المعارضة، ففكرت بدلا من ذلك بالانتحار، لكن حسب كلامها كانت تشعر بأن عائلتها قد سبقت إلى قتلها فعلا.
وفي ليلة الزفاف، عرفت حميدة أن زوجها هو الآخر يحب إمراة أخرى، ألا وهي البدينة التي ألقت القصيدة. مضى على هذا التاريخ 21 عاما وأصبح لحميدة عشرة أطفال، ورغم ذلك ليس هناك تسليم بالقدر من قبل الأم التي تقول بينما تحاول تهدئة رضيعها:" أتعامل مع زوجي بكل احترام وأظهر له الطاعة، لكنني لا أحمل له الحب في قلبي". وبالرغم أنه متزوج حاليا بثلاث نسوة، إلا أن حميدة مازالت تحمل في قلبها حب ذلك الجندي.
بعد أن أوقدت الأحزان فؤادها، تضحك والمرارة تعصرها وهي تحكي لنا قصة فتاة من قريتها لجأت إلى استخدام المكر في اليوم الذي كان يفترض أن تتزوج برجل غني كبير في السن، حيث أدعت أنها مجنونة حتى تمكنت من إعاقة إتمام الزواج.
أما عزيزة فحدثتنا عن ابنة خالها التي تزوجت برجل مسن وهي في التاسعة من عمرها، فكلما كان ذلك الرجل يأتي إليها في غرفة النوم كانت تفتح النافذة وتصيح بأعلى صوتها أو تفر من أمامه وبذلك تخلص نفسها من الاغتصاب. لكن والديها دائما ما كانا يردانها، وغالبا كانت تتعرض لضرب يسيل منه الدم على يدهما. وعندما بلغت سن الثانية عشرة أتى تمردها أكله: تم طلاقها.
تركنا حميدة وذهبنا إلى ليلى صديقة عزيزة. وللوصول إلى منزلها كان علينا أن نتخطى حفرة عميقة في الشارع بالنط عليها. خلف باب من الصفيح وجدنا الكثير من الأطفال يلعبون وأصواتهم تتعالى. عقب أن قدموا أنفسهم بأدب ولطف تم إخراجهم من غرفة الزوار.
كانت ليلى، 18 عاما، وأخواتها وبنات عمها قد أعدين لهذه الجلسة كولا بالفراولة وبطاطة مقلية بالزيت، وكن يشاهدن على شاشة تلفزيون كبير أوبرا مصرية تعرض رجلا يعطي زوجته هدية ويقبلها بحرارة. هنا بدأت ليلى تتذكر زوجها: "كنت أتصور ان يكون رجل أحلامي فارساً يمتطي حصاناً أبيض، لكن الذي صار كان مختلفا لقد أتى راكبا حمارا". أمها وأم زوجها هما من حاك ذلك الزواج في إحدى جلسات "التفرطة"، وأروها صورة (زوج المستقل) ووصفتاه لها بأنه "رجل جيد". ما كان لليلى أن تعترض على ذلك لإدراكها مدى ما يعنيه زواج الابنة لوالديها قبل أن يتوفيا، فضلا عن أن أختها الكبرى قد رفضت مرتين متقدمين لزواجها.
حلمها بالسعادة الزوجية تبدد بعد أيام من الزفاف، وتبددت معه خطط حياتها، عندما رفض زوجها الحاصل على الشهادة الابتدائية، فكرة مواصلتها الدراسة في الجامعة، حيث كانت تنوي دراسة الأدب الإنجليزي. وإذا حدث أن استخدمت كلمة "أوكيه" بدلا من كلمة "تمام" كان يفقد أعصابه وتثور ثائرته.
هددت زوجها بالانتحار فأعطاها بندقيته لتقتل نفسها. وليلى الآن حاملة في شهرها الخامس، ولا يمكن أن تفرح بطفلها، فذلك الجنين يحول دون حصولها على الطلاق لأن إجراء الطلاق أثناء فترة الحمل محرم. أضف على ذلك أن أسرة الزوج ستطالب بذلك الطفل. ليلى ليست غاضبة من والديها اللذان تسببا في ذلك لها لأن نيتهما كانت حسنة، حسب ليلى، ويقفان الآن إلى جانبها. .كيف لذلك أن يحدث، كيف تفصل الحياة بين الرجال والنساء في اليمن حيث لا يكاد يكون للمرأة هناك اتصال يذكر خارج أسرتها بالجنس الآخر؟ ليس أمام ليلى سوى حل واحد تراه وهو دراستها الجامعية ثم بعد ذلك العمل وعدم الزواج مرة أخرى.
بدأ الظلام يتسرب في الأفق، وأحال المطر الشوارع إلى مزالق موحلة وبدأت عزيزة تستعجل بالعودة إلى منزلها إذ لا يُسمح لها ان تكون خارجه بعد زوال الشمس. سألتنا وهي تسير على الوحل: شبعتم قصص اليوم؟ بالفعل، يكفي حزنا هذا اليوم.
❊ صنعاء- صحيفة راينشر ميركور الألمانية
|