عدن- أحمد حسن عقربي - صيرة.. القلعة.. البحر.. الصيادون، والبساطة.. وابتسامة التفاؤل بما يجود به البحر.. وهي أجمل المظاهر اللافتة لانتباه وتأمل الزائر.. للصندقات الخشبية التي يفترش ساكنوها الرملة الناعمة.. هي تحكي معاناة أكثر من خمسة آلاف صياد تقليدي بينهم من أمضى أوج شبابه بين تلاطم أمواج البحر وتقلباته صابراً وقانعاً بما هو مقسوم له..
معاناة الصيادين لايعرفها إلاَّ من جرَّب حياة البحر.. ومازال يتردد بين حين وآخر على ألسنة الصيادين قول الشاعر الحكيم المرحوم حسين المحضار:
في البحر ما يحس حد بالزعل..
يعرفون البحر الذين يقاسون الرياح الشديدة..
تزداد معاناة الصيادين هنا في صيرة بسبب اضطرارهم بفعل الحاجة إلى بيع انتاجهم بأي سعر، ليستغل الأمر الوسطاء فهم يحددون السعر غير المنصف ويبيعونه للمستهلك بسعر مختلف كثيراً عن قيمة الشراء من الصياد المسكين المتهم في نظر المجتمع بالجشع وهو بريئ من ذلك.
^ لقاءاتنا مع الصيادين بصيرة كشفت لنا الكثير من المعاناة والظلم سواءً من جور أولي الأمر باستصدار تشريعات الاصطياد الجديدة التي جعلت من الضرائب عبئاً إضافياً على كاهلهم بصورة لم يألفوها من قبل بخلاف جشع واستغلال الوسطاء »التجار والبائعون في السوق« وارتفاع أسعار أدوات الاصطياد وافتقادهم للامتيازات الممنوحة سابقاً من مؤسسة الاصطياد الساحلي إلى جانب أعباء أخرى كثيرة. ويبدي أحد الصيادين استغرابه من استمرار عدم منحهم عقود التمليك لمنازلهم الكائنة قرب الساحل التي كان قد وجه المحافظ السابق الشعيبي بمنحهم وثائق تمليكها بناءً على توجيهات فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية.
خسائر مستمرة
^ علي سلام- وهو من أسرة عريقة في الصيد ولديه خبرة طويلة بالبحر بدأ حياته منذ الصغر صياداً وعانى كثيراً من ويلات البحر، يرأس حالياً جمعية صيادي صيرة- عبر عن امتعاضه من جور الضريبة لقانون الاصطياد الجديد، وقال ان هذا القانون الذي لم يطبق في أغلب المحافظات سوى بعضها يصل نسبته إلى 3٪ إضافة إلى 5٪ ضريبة المحرجين وهذه الضريبة تثقل كاهل الصياد خصوصاً وأننا نعاني غلاء الديزل ومن أسعار القوارب الباهظة.
ويشير إلى ان الصياد لايساعده الحظ دائماً ففي بعض الحالات عند موسم الرياح يخرج الصياد من البحر خالي الوفاض، فتكون خسارته فادحة بل تصبح نكبة على حد تعبير سلام..
وألمح رئىس الجمعية السمكية ان مجمل هموم الصيادين ستوضع تحت مجهر الاجتماع التقييمي السمكي الذي سينعقد بعد غدٍ الأربعاء في مكتب المحافظ بحضور سبع جمعيات سمكية تشمل قرى كمران، فقم، الجنيسة، الحسوة، صيرة، بندر عدن، جمعية راميو، وجمعية الصياد يمثلون خمسة آلاف صياد في محافظة عدن..
معبراً عن أمله وثقته بتعاون الأخ أحمد محمد الكحلاني محافظ عدن والاخ مدير عام مكتب الثروة السمكية وقيادة وزارة الثروة السمكية بالوقوف أمام قضايا الصيادين ومعاناتهم ودعمهم.
موسوعة بحرية
^ أما الحاج محمد سعد باربيد- شيخ الصيادين الذي يقارب عمره الستين عاماً وصاحب الخبرة في البحر التي لاتقل عن أربعين عاماً.. خبرته هذه وعمله على بواخر الاصطياد الأجنبية وممارسته مختلف أنواع الصيد التقليدي جعلت منه موسوعة بحرية في الصيد وقدرته على التمييز بين أدوات الاصطياد المضرة بالثروة البحرية والأدوات المناسبة.
باربيد تحدث عن معاناة الصيادين بعد ان اطلق ثلاث تنهيدات عميقة: إلى جانب قانون الصيد الجديد وضرائبه التي يفرضها والضرائب الأخرى التي نقدمها مقابل الخدمات للجمعية السمكية ناهيك عن ارتفاع أسعار الديزل وحرمان الصيادين مما كانوا يجدونه من خدمات من مؤسسة الاصطياد الساحلي التي كانت تأخذ علينا 10٪ فقط مقابلها تقدم لنا أدوات الاصطياد والقوارب والديزل وجميع الخدمات، كما أن القوارب مثلاً كنا نشتريها منها بسعر 25 ألف ريال للقارب والآن بلغ سعره من مصانع الفيبرجلاس 520 ألف ريال وكانت تمنح هبة من الدولة ولايوجد هناك شيء اسمه ضريبة الصيد.. ويضيف باربيد: كما يعاني الصيادون من مشاكل البيع في السوق فالصياد يبيع اسماكه بمجرد نزوله من القارب، لكن التجار الوسطاء والبائعين يتآمرون عليه ويحددون سعراً واحداً فقط يفرضونه على الكل، فيضطر الصياد لبيع محصوله بأرخص الأثمان فهو يأتي من الرحلة منهكاً لايقدر على المساومة وليس لديه سيارة أو ثلاجة للتسويق أو لحفظ الأسماك.. متابعاً: (وفي كل الأحوال الصياد هو المُتهم برفع الأسعار بينما السبب هو تحكم الوسطاء وضعف الرقابة الرسمية على عملية البيع والشراء غير المعقولة أو المقبولة خصوصاً وان عدن غنية بالأسماك).
قوارب محتجزة
^ ومضى يقول: إن الضريبة التي فُرضت علينا يقال انها قد أقرت من قبل مجلس النواب بحسب قول الجهات السمكية المعنية في المحافظة في حين نحن نقول والأخ الرئىس علي عبدالله صالح حفظه الله لا ضريبة جائزة على الصياد.. مطالباً بتوزيع بقية القوارب التي منحتها الدولة لأقرانه، فيقول: هناك ثلاثون قارباً مُنحت لصيادي عدن بقروض ميسرة حسب توجيهات الأخ القائد علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية لم نستلم منها سوى 6 قوارب فيما البقية مازالت رابضة في ساحة مكتب الثروة السمكية معرضة للشمس وعوامل التعرية، بينما نحن بأمس الحاجة إليها وهذا الأمر للأسف جعلنا تحت سندان ومطرقة غلاء أصحاب مصانع الفيبرجلاس التي تبيع لمن هب ودب حتى غير الصيادين من التجار الذين همهم الاصطياد بأية وسيلة كانت وعلى حساب الصياد أو حتى الوطن.
ويشير إلى وقوعهم تحت رحمة التاجر والوسطاء أو المشتري وتذبذب الأسعار وعدم استقرارها لأن الضريبة ثابتة وجائرة..
سرقة المكائن
^ ويقول: ان افتقاد الكثير من المكائن إلى الجودة يجعل معظم الصيادين يعملون بالشباك التقليدية أو باليد فتسبب ذلك في تكبدهم خسائر تصل أحياناً في الأسبوع إلى 120 ألف ريال فقط قيمة الديزل، في حين كا نت لاتوجد ضريبة اصطياد أو ضريبة حراج.
مضيفاً: وعلى الدولة ان تحسن الاختيار عند توزيع القوارب بحيث تعطي للصيادين الحقيقيين وليس لهواة البحر الذين يُدمرون مكائن القوارب ويعبثون بالثروة الحيوانية نتيجة لنقص الخبرة والامتهان الحرفي، كما نعاني من انتشار ظاهرة سرقة مكائن ومعدات القوارب نتيجة ضعف الرقابة الأمنية في أحياء الصيادين وصنادقهم في منطقة صيرة..
شباك إسرائىلية
^ داعياً المسئولين في مركز بحوث علوم البحار ورجال القانون إلى وضع أنظمة ولوائح تنفذ في جميع محافظات الجمهورية تحدد الموسم المناسب والزمن والمكان للاصطياد خصوصاً في موسم توالد الحبار والشروخ.. وتمنع الأشباك المضرة بالأسماك المسماة بالاشباك الإسرائيلية التي تعمل بعض القطع الحديدية فتحدث صوتاً في الأحجار أو الجبال الموجودة داخل البحر حيث توجد مراعي الأسماك وتكاثرها فيهرب السمك من الجبل ويذهب إلى الأعماق حتى لايناله الصياديون البسطاء.
أدوات خطرة
^ وعما تحدثه أشباك السخاوي التي تصطاد الحبَّار فيقول شيخ الصيادين باربيد: نحن نريد ان يسري هنا ما يُطبَّق في محافظتي المهرة وحضرموت في موسم توالد الحبَّار بحسب تقرير مركز بحوث علوم البحار بحيث يسمح استخدام السخاوي في موسم التكاثر فقط وتمنع في غير المواسم لكنها في جميع الأحوال خطرة بحاجة إلى رقابة في استخدامها لأنها إذا قطعت حبالها ستلوث البحر وإذا لم تستخدم بطريقة عقلانية فإنها تُدمر الملايين من بيض الحبار في المرة الواحدة لأن بيضها يظل معلقاً في الأشباك الحديدية وإذا لم تُعد مباشرة إلى البحر بعد الاصطياد فإنها تتعرض لأشعة الشمس وتقتل الملايين من بيض الحبار وهذا يشكل خسارة لثروتنا البحرية..
مطالباً بالرقابة الحكومية على مصانع الفيبرجلاس لصناعة القوارب والمعدات من حيث الجودة والأسعار من أجل حماية الصيادين من جشع أصحاب المصانع حيث لاتوجد حتى الآن رقابة عليهم، ووضع حد للاحتكار من قبل تجار السمك وبائعيه الوسطاء والتجار الذين أوصلوا أسعار السمك إلى هذا الحد الخيالي.
اختفاء الأسماك
^ وحينما سألناه عن بعض الأسماك المرغوبة والشعبية والتي تكاد تختفي أو تنقرض كأسماك (العيد)، قال شيخ الصيادين: هذا النوع من السمك- العيد- موسمي ومرغوب لدى الصيادين ولدى الاسماك كغذاء رئيسي محبوب وحينما يتواجد هذا النوع في أية منطقة تتواجد بعده جميع الاسماك الأخرى لأنها تجري وراءه كونه الغذاء الرئيسي المرغوب لها وهو مليئ بالدهنيات وبدون كلسترول وطعمه لذيذ وتناوله مع التمر هو وجبة الصيادين المفضلة.. إلاَّ أنه يعود ويقول: لكن باستخدام الاشباك ذات الفتحات الصغيرة قتلت الملايين من أسماك العيد فتهرب من مواقعها والأحياء منها حينما ترى شقيقاتها ميتة تغادر وتهرب بسبب استخدام أشباك الفتحات الصغيرة المحُرمة دولياً، كما فقدنا جميع الاسماك مثل الديرك والسخول والجحش والعقمات والنجم التي تعتمد في غذائها الرئىسي على سمك العيد الصغير فأينما وجد سمك العيد وجدت جميع الأسماك وحينما يهرب سمك العيد خصوصاً في موسمه الذي كان يغطي سواحل شقرة وصيرة بسبب استخدام هذه الاشباك ذات الفتحات الصغيرة القاتلة والمدمرة يهرب العيد وتهرب معه جميع الأسماك، مشدداً على ضرورة منع الجهات المعنية استخدام هذه الأشباك علماً أنها تختفي من سواحل وبحر عدن حوالي عشرة أشهر لهذا السبب وان ظهرت تظهر في الموسم، ولكن عبث الإنسان يمنعها أن تطل ضيفة على بحر عدن وصياديه والمغرمين بغذائه.
وتظل معاناة صيادي صيرة مستمرة وصراعهم لأجل البقاء مستمر حتى إشعار آخر، فقد حرموا من مراسي الصيد التي التهمتها أيادي العبث والبناء غير المخطط خصوصاً وان صيرة تتعرض لاضطرابات بحرية لاتصمد أمامها قواربهم مما يدفعهم إلى مطالبة وزارة الثروة السمكية ومحافظ عدن باستحداث لسان بحري أو مرسى للصيادين ينطلق من موقع أبودست البحري إلى البحر بطول أو مساحة 20 إلى 30 متراً لحماية قوارب الصيادين.
|