بقلم/ عبده محمد الجندي - لأول مرة يتمكن رجال الأمن من الكشف عن سلاح الأنفاق فيما تخوضه البلاد من حرب على الارهاب ولكن بأنفاق مفخخة بدلاً من السيارات والوسائل المفخخة والعبوات الناسفة، لا نعرف حتى الآن من أين هذه الأنفاق والى أين سوف تصل وكم هي أعدادها؟
لأن هذه العملية الارهابية من العمليات غير المسبوقة في بلادنا لا نستطيع الحديث عن أعدادها وعن أصحابها ولا نعرف الحدود المعلومة عن الناحيتين الكمية والكيفية التي تكشف عملية التخطيط والتنفيذ والتقنيات والكميات التي تحدد حجم ووزن الكتلة وما طبيعة الأضرار البشرية والمادية للانفجار وهل تؤدي الى إبادة جماعية لكافة من يشاركون الرئيس السابق في صلاته وفي سكنه بمن فيهم الأطفال والنساء والمدنيون والعسكريون المؤتمريون وغير المؤتمريين.. الخ.
أقول ذلك وأقصد به أن هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج الى إجابات ستكون بالتأكيد من كافة الأجهزة الأمنية والاستخبارية المتخصصة في مكافحة الارهاب وما لديهم من الخبراء الذين يقومون الآن بالتحقيق وجمع الاستدلالات طبقاً لما لديهم من توجيهات رئاسية نابعة من حرص على أمن الوطن والمواطن وعلى أمن الدولة وأمن الأحزاب والشعب بشكل عام، هم وحدهم الذين سيجيبون عن هذه الأسئلة بما يمليه عليهم واجبهم الوطني.. ولا أقول بأن الصحافة والإعلام هي وحدها المعنية بمثل هذه المعلومات والبيانات لأن دور الصحافة سوف يكون لاحقاً لنتائج التحقيق وليس سابقاً عليه لأن الإجابات تستمد علميتها من طبيعة الأسئلة المهنية السابقة للسياسة والصحافة، ومعنى ذلك أن مسؤولية رجال الأمن في الدولة المدنية سابقة لمسؤولية رجال الصحافة المقروءة والمرئية والمسموعة التي تبسط ما لديها من العقد والأحقاد غير مدركة لما تحدثه من انعكاسات سلبية يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى الارهابيين والقتلة، غير مدركين أن في نجاح هذه العملية الارهابية خطورة أكثر من غيرها من العمليات الارهابية التي خلقت جواً من القلق والخوف والذعر أثر سلباً على شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، لأن الوقوف بمسؤولية أمام ظاهرة الأنفاق الارهابية لا تهم كبار رجال الدولة بقدر ما تهم كافة الهيئات والسفارات والخبراء الأجانب الذين لا يستطيعون الإقامة في أرض منخورة بهذا النوع من أنفاق الموت الذي يأتيهم من باطن الأرض على حين غفلة خوفاً على حياتهم وعلى ما يمثلون من المصالح الحيوية لبلدانهم الشقيقة والصديقة لأن مكافحة الارهاب من تحت الأرض أصعب مرات عدة من مكافحة الارهاب الذي يحدث من فوق الارض عبر وسائل النقل المفخخة أو الأحزمة والعبوات الناسفة التي تعتمد على وسائل وأساليب معروفة وقابلة للاستخدام الذي يخفف من طبيعة ما يمثله الارهاب المتحرك والمنظور من التوترات والقلق والمخاوف الأمنية بعد الوقاية الأمنية بالحدود المعلومة والوسائل المعروفة.
أعود فأقول إن إرهاب الأنفاق يمثل تحدياً خطيراً وجديراً بالدراسة والتدقيق والوقاية، لا يجب التخفيف والتهوين من شأنه ولا يجوز الكتابة عنه بسخرية سياسية تعكس ما لدينا من الأحقاد والحساسيات التي تدفعنا الى التهوين من حياة خصومنا والاستهانة بأرواحهم المقدسة ودمائهم الزكية.. واتهامهم بأنهم يبحثون عن أشخاصهم وشهرتهم وحضورهم السياسي من خلال حفر هذا النوع من أنفاق الموت المكلفة من الناحية المادية ومن الناحية التقنية لا تخدم ما لدى هواة الشهرة واستدرار المظلومية لأنها ليست كتابة مقال وليست دعاية وصوراً للتجمل والتزين والبحث عن أدوار سياسية تتحقق من خلال ما تثيره أنفاق الموت من التعاطف الشعبي مع من يصورون أنفسهم بأنهم ضحايا الارهاب، لأن بين الارهاب هو الحد الفاصل بين الحياة والموت ولا مجال فيه لهذا النوع من الدعاية والكتابة السياسية البائسة المثيرة للسخرية الى حد الاشمئزاز لأن حفر نفق يخترق حاجز المكان من تحت الارض يحول البيوت والأماكن السكنية والفنادق والمكاتب والاستراحات والقصور الآمنة والمدججة بكل أنواع الحراسة الى أهداف سهلة للارهابيين الذين تحركهم ما لديهم من شهوات القتل والإبادة ولا يفرقون في ضحاياهم من هم في السلطة ومن هم في المعارضة وبين المقاتلين من رجال القوات المسلحة والأمن وبين المدنيين العزل من السلاح من كل الأوساط، بل إنهم يقتلون الطفولة ويقتلون النساء ويقتلون الشيوخ والعجزة والمعاقين من ذوي الاحتياجات الخاصة.. إنه الموت، أرواح تزهق ودماء تسفك لا يعرف أقل من هذا النوع من العقوبة الجماعية القاتلة للحياة والأمن والسلام وقتل الحرية والحق والعدل والديمقراطية والتنمية وتدمير العمران ويقضي على كل ما تحتاجه التجارة والصناعة والسياحة من الأمن والاستقرار، لا ينتج عنه سوى الدمار والدموع والدماء والأحزان والأحقاد..
أقول ذلك وأقصد به أن المواقع الالكترونية والصحف والقنوات الحزبية أو المستقلة وصحافة اللعب بالموت وتقديمه عبر معلومات شأنه شأن الألعاب المسلية التي تقدم للأطفال، تعاملت مع النفق بعقليات أقرب الى الجنون والمراهقة السياسية القاتلة لا تقل عبثاً بالأمن وبحياة الناس وأرواحهم ودمائهم وممتلكاتهم وأعراضهم عن تلك العقول الاتهامية التي تسبق نتائج التحقيق في المجازفة بتوزيع الاتهامات على هذه الجهة أو تلك، كيف لا وقد لوحظ على بعض الصحف المعروفة أنها تصنع القبة من الحبة في إقامة الدنيا على مجرد رصاصات مقصودة أو طائشة صدرت من هنا وهناك وإذا بها تفرد الصفحات المطولة لكتابة الموضوعات السخيفة التي تتهم الرئيس السابق بأنه وراء حفر تلك الأنفاق لتعويض ما لديه من فراغ ناتج عن رغبته في الأضواء متجاهلة ما أوردته المعلومات الأولية عن النفق من حقائق مرعبة جعلت منهم في موقع الحكم يفكرون في تطور الأساليب والوسائل الأمنية لمواجهة احتمالات هذا النوع من التقنيات والوسائل المتطورة الى درجة جعلت دولة استعمارية صهيونية كإسرائيل ترضخ صاغرة لما لدى المقاومة الفلسطينية من الأنفاق والصواريخ المحلية الصنع.
أقول ذلك وأقصد به ان من دفعتهم المخاوف والأنانية وجنون الدعاية الى اتهام الرئيس السابق بأنه يقف وراء حفر هذا النفق الذي نسبته لبداية الأزمة غير مدركة ما يعنيه ذلك من تمكين للارهابيين من قتله وقتل زملائه من القيادات السياسية وقتل زواره وأفراد عائلته وحراسه بحثاً عما هو بحاجة اليه من الأضواء التي تعوضه عما فقده من بريق الدعاية رغم علمهم أنه لا يوجد شخص في اليمن حظي ومازال يحظى بالشهرة والدعاية والعلاقة كما حظي به الزعيم ومازال يحظى به.. حقاً إنها كلمة جنون صغيرة بحقهم لأنهم لا يفقهون أبجديات السياسة فيما يذهبون اليه من تبرير لعمليات ارهابية بطريقتين لا ثالث لهما.. بطريقة «إذن السارق تطن»، واما بطريقة «العاشق الكذاب يفرح بالتهم»، انهم يضعون أنفسهم وصحافتهم ومن يمثلونهم بموقع تهمة هم بغنى عنها، كان السكوت لديهم أفضل من الدخول في هذا النوع من الكتابات السخيفة التي تدافع عن عمل ارهابي لا تعرف أبعاده ولا تعرف عواقبه الوخيمة من الناحيتين القانونية والأمنية على حد سواء.
لقد كان الأفضل لها أن يحذوا حذو المؤسسات الرسمية للدولة التي بادرت الى شجب هذا العمل وإدانته بشدة أو على الاقل كان عليهم الاستجابة لما طلبته اللجنة الأمنية منهم سلفاً بعدم إطلاق هذا النوع من الاتهامات والتنبؤات المؤثرة على التحقيق والمثيرة للشبهات، وفي أسوأ الحالات فقد كان على هؤلاء الصبية أن يلتزموا الصمت حتى لا يتهموا بأنهم يهرفون بما لا يعرفون.
الارهاب آفة يلتقي على شجبها والتنديد بها ومحاربتها العالم بأسره متجاهلاً خلافاته وحساسياته وتناقضاته الثانوية مهما كانت مؤلمة ومثيرة للأحقاد والخصومات والكراهية، لا يملك المرء الا أن يدينه ويضغط على ما لديه من الغرائز والحساسيات والانفعالات والاحتكام للصبر حتى يتزود بما هو بحاجة اليه من المعلومات من مصادرها ولو من باب الحفاظ على ماهو بحاجة اليه من المصداقية والموضوعية والثقة الشعبية لأن الصحافة كلمة وموقف، والكلمة اما أن تكون صادقة تدخل الى القلوب والنفوس بسهولة واما أن تكون كاذبة ومروجة للدجل والزيف فلا تلحق بصاحبها سوى اللعنة والاحتقار.
وحينما يكون الانسان داعية للسلام حاصلاً على جائزة نوبل الدولية فإن مكانته لا تسمح له الدخول بهذا النوع من السفسطات والتهديدات البيزنطية المثيرة للريبة والشك خصوصاً عندما تضع نفسها موضع العداء للسلام والأمن وتهدد رئيس الجمهورية إذا تجاوز الخطوط الحمراء معتقدة أنها بموقع القدرة على اسقاط دول وإنشاء دول واسقاط رؤساء واستبدالهم بما في جعبتها من الزعامات والقيادات التاريخية وكأنها توزع صكوك الثورة بطريقة ما كانت تقوم به الكنيسة في العصور الوسطى المظلمة من توزيع كهنوتي لصكوك الغفران والحرمان على من يحرقون ويحملون لها من مباخر النفاق.
إن عدم ضبط وفلتان الأعصاب في لحظات الهيجان الناتج عن الانفعالات نوع من الجنون يشعر ضحاياه بالندم ولكن بعد فوات الأوان..
من الخير لك وللوطن أن لا تتعدى ما حصلت عليه من وقار وحكمة هذه الجائزة الرفيعة في ظروف غامضة لم نتأكد فيها صدق ما لديك من المعلومات التي تحتمل الصدق وتحتمل الكذب ليس خوفاً على الرئيس من غضبك ولكن خوفاً على ما لديك من المصداقية المعبرة عن حرص على السلام حتى لا تجدي نفسك في مواقف مساندة لأنفاق الموت والارهاب بقصد أو بدون قصد.
وليكن واضحاً أن ارهاب اليوم لم يعد يعتمد على نفس الوسائل والأساليب التقليدية لمحاربة ارهاب الأمس ولم يعد الارهابيون محصورين في نطاق ما عرفناه من المسميات السابقة التي اعتادت بلادنا على محاربته منذ وقت مبكر في وطن موحد آمن ومستقر ويحصر الأعداء في نطاق أولئك الارهابيين الذين ينفذون العمليات الانتحارية في السيارات المفخخة عقب ما حدث في الولايات المتحدة الامريكية من عمليات ارهابية غير مسبوقة في التاريخ نظراً لما ينتج عنها من قتل عشوائي للمدنيين وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها دون مراعاة للأسواق والأماكن المزدحمة ودون تمييز بين الأطفال والنساء والشيوخ والمعاقين وذوي الاحتياجات، أما اليوم فقد تعددت المسميات وتنوعت الأساليب والوسائل الارهابية بصورة تجعل الحرب على الارهاب عملية معقدة وتحتاج لتضافر الجهود المدنية والعسكرية والامنية وتطوير الوسائل الكفيلة باقتلاع الارهاب بكافة أشكاله وأنواعه المادية والفكرية المتطرفة سواء تلك التي تأتينا من الجو أو من فوق الارض أو تلك التي تأتينا من باطن الارض بداية من الإقناع عبر المدارس والمعاهد والكليات والجامعات والمساجد، ومروراً بالصحف والوسائل الاعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة الرسمية والحزبية والاهلية، ونهاية بالأساليب العسكرية والأمنية والاستخباراتية.
وبالتالي فإننا أمام ظاهرة ارهابية جديدة توجب على الساسة والصحافة الوقوف عندها ودراستها من حيث الوسائل والأساليب والأسباب والنتائج بغض النظر عن الأفراد.
أخلص من ذلك الى القول إن تعدد الجماعات والتنظيمات الارهابية تحتم عليها نبذ العنف واللجوء الى القوة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية، لأن الارهاب والعنف لا يتفق مع الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي وحرية الصحافة وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية..
بعد أن أكدت التجربة والممارسة العملية أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية هي البوابة الوحيدة للوصول الى السلطة بإرادة شعبية حرة ومستقلة.
|