عبدالاله حيدر شايع -
اعلن تنظيم القاعدة الاسبوع الماضي مواقف سياسية وجهادية متقدمة، واكد الدكتور ايمن الظواهري مشاركة القاعدة في المعركة في لبنان وفلسطين، ونحن نامل ان لا يبقي هذا الكلام نظرياً، ونعول علي العمل الميداني الذي قد يقوم به تنظيم القاعدة في المنطقة كلها وليس في لبنان، وننتظر حصول عملية كبري كعملية تفجير مركز التجارة العالمي.دفتحي يكن جاءت عملية مأرب التي اودت بحياة خمسة عشر اسبانيا ـ ثمانية منهم قتلي ـ بعد اسبوع واحد من عملية بسيارة مفخخة؛ استهدفت دورية اسبانية لقوات اليونيفيل الدولية علي الحدود في جنوب لبنان مع حدود ما يسمي دولة اسرائيل (شمال فلسطين) اودت بحياة طاقم الدورية المكون من ستة افراد عسكريين وضباط؛ اعتبرها الرجل الثاني في القاعدة الدكتور ايمن الظواهري عملية مباركة وصفعة في وجه الصليبيين وعملائهم . ونشر البيت الابيض بعد عملية مأرب باسبوع مقتطفات من تقرير استخباراتي وصفه بـ (السري والعاجل) يؤكد التقرير ان تنظيم القاعدة تمكن من اعادة بناء نفسه بصورة اقوي مما كان عليه قبل الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، واستعاد ملاذه الآمن في افغانستان، واسس ملاذا جديدا في العراق، وتنوعت عملياته وتوسعت، وصار بامكانه ـ بصورة اكبر من ذي قبل ـ شن هجمات داخل اوروبا والولايات المتحدة الامريكية. وتزامنت عملية مأرب مع مرور عام علي كلمة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في الثاني من تموز (يوليو) 2006 حين تحدث عن الرئيس اليمني ـ ولاول مرة في خطاب عام ـ فاتهمه بالتعامل مع الامريكان والسماح لهم بضرب عناصر المجاهدين في اليمن. وجاء رد الرئيس اليمني علي فتوي بن لادن، بقتل واحد من رموز القاعدة ـ الجيل الاول المتدرب في افغانستان قبل الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) ـ فواز الربيعي في الاول من تشرين الاول (اكتوبر) 2006، ورد عليه ـ ايضا ـ خطابيا بعد تفجيرات مأرب بنعته عميلا للصهيونية والمخابرات العالمية . بين الثاني من يوليو 2006 والثاني من يوليو 2007 تحركت القاعدة في اليمن حركة واسعة باتجاه تثبيت اركانها، فاسست معسكرا للتدريب، ونجحت في الاستقطاب والتجنيد، ونفذت عمليات بسيارات مفخخة واغتيالات لاول مرة تتم في اليمن، مما يعني نقل الخبرة التراكمية من بغداد الي مأرب، واصبحت المفخخات تجوب العالم من المشرق الي المغرب. من الملعقة الي المفخخات! ونجحت القاعدة في الثالث من شباط (فبراير) 2006 بتنفيذ اضخم عملية امنية بالهروب من اقوي السجون تحصينا في اليمن، وهو السجن التابع للامن القومي ـ جهاز الامن السياسي في صنعاء بحفر النفق علي مدي شهرين نقلتهم الي عالم اوسع من الزنازين، وامكانيات اكبر من الملعقة التي استعانوا بها لحفر النفق. بعد نجاح القاعدة في الهروب، خاطبهم زعيمهم اسامة بن لادن عبر رسالته الصوتية التي ذكر فيها الرئيس اليمني لاول مرة، رغم انه يذكر حكام المنطقة باستمرار؛ خصوصا شريك اليمن في حرب الارهاب الجارة السعودية. وجاء خطاب بن لادن اعلانا لنهاية هدنة غير رسمية وغير معلنة؛ بدات نهايتها بقتل الرئيس لـ (ابو الحسن المحضار) في العام 1999م ، ورد بن لادن باستهداف المدمرة USS COL في الثاني عشر من اكتوبر2000 في مياه عدن بعد ان كان قرر استهدافها بعيدا عن مياة اليمن فعدل الخطة انتقاما للمحضار، ورد الرئيس علي ذلك بقتل زعيم التنظيم ابو علي الحارثي في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 بطائرة امريكية بدون طيار في صحراء مأرب مع رفاقه الستة، ومطاردتهم وتفكيكهم واعتقالهم حتي جاء الثالث من فبراير 2006 يوم هروبهم وعودتهم الي الساحة من جديد. فجاء خطاب بن لادن في يوليو العام الماضي، رسالة لافراد التنظيم بالتحرك، فكانت عملية استهداف منشآت النفط والغاز التي يدعو بن لادن دائما الي ضربها، في منتصف سبتمبر 2006 بعملية متزامنة ـ رغم بعد الهدفين عن بعضهما البعض عشرات الكيلو مترات (الضبة حضرموت، وصافر مأرب) ـ وانطلقت في نفس الوقت اربع سيارات مفخخة يقودها اثنان ممن نجحوا في الفرار من السجن (شفيق زيد، وعمر جار الله) واثنان من الجيل الجديد للقاعدة (ابراهيم الابيض وخالد العراقي). ثم نجحت القاعدة في اغتيال مدير مباحث مأرب (علي حمود قصيله) في كمين بالمحافظة في 28 آذار (مارس) 2007، لعلاقته بالسفارة الامريكية ودوره في تعقب ابو علي الحارثي فور تسلمه منصبه في المحافظة في العام 2002، وترددت انباء عن عثور السلطات الامنية علي احد وجهاء المحافظة مقتولا في منزله في صنعاء طعنا بالسكين؛ تتهمه القاعدة بعلاقات مباشرة في اغتيال الحارثي، مما يلقي بظلال علي عمليات انتقام تقوم بها القاعدة ممن ساهم في اغتيال زعيمها السابق. في السجن وقبل الهروب تشكلت قيادة القاعدة الجديدة بعد فراغ استمر اربع سنوات، وبدات القاعدة باطلاق رسائلها الاعلامية بعد تاسيسها ومبايعة الامير الجديد في السجن، وكان الهروب اول عملياتها. وجاءت رسالة قاسم الريمي احد القيادات العسكرية للتنظيم، يتوعد فيها بالثار لـ (ابو علي الحارثي وفواز الربيعي) وكل المعتقلين، جاءت هذه الرسالة تؤكد بتحضير رسائل اعلامية تسبق اعمالا عسكرية ميدانية ستشهدها اليمن ـ ربما عملية مأرب اول عمليات القاعدة او ما تسميه المدد. ثم جاء تسجيل صوتي لـ ابو هريرة الصنعاني ـ عضو مجلس شوري القاعدة في اليمن ـ وتزامن مع الخطاب صدور كتاب، اصدره ابو بصير (ناصر عبد الكريم الوحيشي) امير التنظيم وسكرتير بن لادن، وامين سره حتي اخر معارك تورا بورا تشرين الثاني (نوفمبر) 2001 يحكي فيه ما اسمها (معجزة) الهروب الكبير، وقصة شباب التنظيم، ويضع فيها تاصيلا شرعيا لفتوي بن لادن في الرئيس اليمني، متضمنا ادبيات التنظيم ومفرداته ومصطلحاته. اجندة القاعدة وبالمقابل نجحت السلطات اليمنية في تشكيل لجان للوساطة ممن وصفهم التنظيم انهم (باعوا انفسهم، وانهم غير عادلين وغير امناء، وطالبهم بالتوبه عن اللجوء للطاغوت) واهم ما حققته لجنة الوساطة؛ استدراج احد قيادات التنظيم (جبر البنا، 40 عاما) وعبد الرحمن باصره، بدعوي اخراج السجناء. ونفي ابو هريرة الصنعاني اي هدنة او تفاوض مع من وصفه بالـ (الطاغوت) وكرر وصفه للرئيس بالـ (المرتد الخائن، الغادر). وواجهه التنظيم (رفاق الجهاد سابقا) في الرسالة الصوتية لابي هريرة الصنعاني بتاريخ 23 حزيران (يونيو) الماضي؛ بحجج وادلة اعتبرها شرعية، متسائلا امامهم (متي توقف الجهاد من اجل فكاك الاسير؟) وقال الصنعاني ما فُرِض الجهاد الا لفك الاسير، ونصرة المستضعفين، واقامة الدين . واكد اننا لن نوقف الجهاد حتي يلج الجمل في سمّ الخياط . شعرت السلطات الامنية اليمنية بعد تسليم (جبر البنا) نفسه انها حققت تقدما مهما في حربها مع القاعدة، واعطي عندها انطباعا ان البقية ستاتي بنفس الطريقة وما هي الا مسالة وقت، حتي صدمة الثاني من يوليو الماضي. خمسة عشر سائحا اسبانيا بين قتيل وجريح، وسيارة مفخخة سمع الناس دوي انفجارها علي بعد 30 كلم من منطقة التفجير، من قوة العملية ودقتها وسريَّتها، لم تستطع الدولة اثبات فرضية العمل الانتحاري، ولم تستطع نفي التفجير عن بعد او تاكيده. وصل الناس الي مكان الحادث قبل السلطات الامنية مما اتلف عليهم ادلة جنائية مهمة، وافقدهم خيوطا للعملية، مضت ايام وتجاوزت اسبوعين، ولم تظهر الداخلية باي بيان عن تفاصيل العملية وكيف تمت ومن الذي فعلها علي وجه الدقة؟ شحة المعلومات، وقوة الصدمة، جعلت الرئيس اليمني بنفسه يتصدرها اعلاميا؛ فيعقد مؤتمرا صحفيا يدلي فيه بتصريحات ـ غير موثقة ولم تتاكد حتي كتابة المقال ـ يقول فيها ان المنفذ شخص غير يمني، يفاجئنا في اليوم التالي بقتل مصري الجنسية له سنوات يقيم في اليمن سالما مسالما، تؤكد معلومات رفقائه الجهاديين من مصر انه قطع علاقتة بالجهاديين من يوم انفصاله عن جماعة الجهاد، واختلافه مع ايمن الظواهري منتصف التسعينيات من القرن الماضي. ربما قوة الصدمة دفعت القوات الامنية للبحث عن (كبش الفداء) فقامت بردة فعل ترفع معنويات الامن، وتصحح الصورة الذهنية ـ التي تمزقت ـ عن الامن المفقود بقوة المفخخات في مأرب وحضرموت، وتشوشت بنجاح القاعدة في استدراج شخصيات امنية لها علاقة بمقتل زعيم القاعدة السابق ابو علي الحارثي واغتيالها قبل اشهر من عملية مأرب. حاولت الدولة ان تعيد فرض الامن النفسي، والصورة الذهنية للمؤسسة الامنية التي ضربتها سيارة مفخخة، في زمن احوج ما تكون فيه اليمن الي الاستقرار بعد مؤتمر لندن للدعم والتمويل، وبعد مؤتمر صنعاء للاستثمار والسياحة، وبعد زيارات للرئيس اليمني يؤكد فيها خلو اليمن من الارهاب. توقيت العملية كان دقيقا للغاية، فحرب صعده مع الشيعة في اليمن وضعت اوزارها باتفاق يعيد اعتبارهم، ويضع خطوطا حمرا امامهم، اهمها راس النظام، والجمهورية والدستور. فبالتالي اي عملية ستتم لن تكون محسوبة لصالح اي طرف من اطراف معركة صعدة، هكذا القاعدة، تريد ان تكون في الساحة اللاعب الوحيد، لا تتقاطع مع مصالح قوم آخرين. بعد هذا السكون النسبي الذي عقب مقتل فوازالربيعي وتسليم احد اهم المطلوبين نفسه؛ ضربت المفخخة من جديد موردا اقتصاديا هاما، السياحة، عصب هام في مفصل الاقتصاد، بعد محاولتها احراق النفط والغاز العصب الرئيسي، ومحاولة ضربها لـ ديمقراطية امريكا الكافرة حسب رؤية القاعدة وتعبير ابو هريرة الصنعاني في شريطه المسجل، لان عملية النفط تعمدت القاعدة ان تكون فترة الانتخابات الرئاسية والمحلية الماضية، فلو تمكنت من احراق جزئي للنفط والغاز فان العملية الانتخابية ستتوقف وتلغي وتدخل البلاد في حالة فوضي امنية. ماذا تريد القاعدة من اليمن!؟ بن لادن اصدر الاوامر، علي عبد الله صالح كافر مرتد، كان هذا قبل عام، وبعد ان خرج من يعتبرهم ليوث القاعدة في اليمن من السجن، يعرفهم شخصيا، ابو بصير، ابو هريرة، فواز الربيعي الملقب بالطاجيكي، وغيرهم ممن وضعوا اكفهم ببطن كفه مؤدين قسم البيعة له علي السمع والطاعة بالمعروف، هم الرؤوس ممن تبقي من تنظيم كبير اطلقوا عليه (تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) ذهبت جل قياداته قتلا بايدي سلطات الامن السعودية، وتحتل اليمن موقع جنوب جزيرة العرب، والحزام الآمن في حرب الارهاب في نظر الامريكان، وارض المدد في فكر القاعدة وفقهها. من خلال ادبيات وخطابات القاعدة وعملياتها العسكرية والامنية، فان ثلاثة محفزات تدفع القاعدة لأن تهتم باليمن، كلها تعتمد علي بشارات نبوية: الاولي: انها ارض المدد..ونَفَس الرحمن والثانية: انها جنوب جزيرة العرب، وجزء هام منها، ويجب وفق النبوءات من اخراج اليهود والنصاري من جزيرة العرب، واخراج المشركين من جزيرة العرب، ولا يجتمع دينان في جزيرة العرب والثالثة: وهي محور عام، ومرتكز لتنظيم القاعدة في كل مكان في العالم، تحقيق العدالة والحرية للناس لا يمكن تحقيقه الا بان يكون الدين كله لله، ووسائلهم في ذلك جميع ما يرونه من وسائل مشروعة في الدعوة بما فيها القتال. ولان اليمن ارض المدد، فالمعارك الدائرة في نهر البارد في لبنان تضم بين جنودها وقتلاها شباب من اليمن، وارض الرافدين في العراق تضم اليمنيين (وكان من آخر اصدارات دولة العراق الاسلامية، غزوة ربعي بن عامر نفذها اثنان من اليمنيين ضربت مقر الاحتلال الامريكي في سامراء) حتي الحادي عشر من سبتمبر ـ او غزوة منهاتن كما تسميها القاعدة ـ كان المنسق للعلميات رمزي بن الشيبة، يمني حضرمي من بلاد بن لادن. ولانها جزيرة العرب، فنصاري الاسبان او البرتغال او البريطانيين والدنمركيين والامريكان هدف استراتيجي للقاعدة؛ وفق النبوءات التي تعتمدها، علاوة علي ان الاسبان حلفاء الامريكان في حرب الارهاب في افغانستان، ومشاركة مع قوات اليونيفيل الدولية في لبنان التي تحمي حدود ما يسمي بدولة اسرائيل (كما ذكر الظواهري في خطابه الاخير) ويحتلون بلادا اسلامية؛ هي الاندلس منذ اكثر من ثمانمائة عام ـ بحسب تبريرات قاعدية. وبينما يخوض الناس جدلا حول شرعية العمليات من الناحية الفقهية، والواقعية، تكون القاعدة قد حسمت امرها، وضربت ضربتها تاركة من تصفهم بـ (القاعدين) غارقين في التفسيرات والتاويلات، بينما هي تقترب كل يوم من هدفها التكتيكي لبلوغ فلسطين، وهدفها الاستراتيجي اعادة (الخلافة الاسلامية علي منهاج النبوة) كما تراها. وتسابق للاخذ بزمام الامة الاسلامية لحرب حتمية قادمة تصفها بحسب نبوءات بالـ الملاحم وبحسب تعبيرات ابو هريرة الصنعاني عضو مجلس شوري القاعدة في اليمن حين لخص رؤية القاعدة للواقع بقوله (فالجهاد اليوم يخافه الشرق والغرب وليس بحاجة الي التنازلات بعد ان غرز خنجره في مقتل العدو، ووصل بتضحيات المجاهدين الي عتبات الملاحم، وقاب قوسين او ادني من الخلافة الراشدة). وتتطابق كلماته مع تقارير امريكية تؤكد ان امريكا تخسر الحرب في الارهاب، وتخسر الحرب في العراق وافغانستان، بينما القاعدة تفتتح فروعا ميدانية تسبقها العمليات قبل الاعلان عن التنظيم، واصبح للقاعدة ستة افرع معتمدة في العالم، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ـ واليمن جزء من عملياتها، وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ودولة العراق الاسلامية احدي ثمراته، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي الذي باعلانه فزعت فرنسا والمانيا منه لكثرة العنصر المغربي في اوروبا، وتنظيم القاعدة في بلاد الشام الذي نفذ علميات ضد الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان، وقدم الدعم اللوجستي لفتح الاسلام، وضرب قوات اليونيفيل في جنوب لبنان قبل عملية مأرب، وتنظيم القاعدة في افغانستان الذي نجح في تربية الجيل الثاني لحركة طالبان فاصبحت ذات افكار وخطط وبرامج عالمية، وتنظيم القاعدة في ارض الكنانة الذي جاء بعد ضربات متتالية لطابا، وشرم الشيخ، ودهب، والقاعدة الايطالية في سيناء، وكل هذه الفروع تحت هيكلية القيادة العليا بزعامة اسامة بن لادن. وتنظيم القاعدة لديه رؤية، واستراتيجية، وخطة ينفذها علي مراحل؛ هكذا تقول عملياته من مدريد الي لندن، ومن بغداد الي مأرب، ضرباته ليست عفوية ولا عبثية او عشوائية، بدليل استمراريته، وتحقيق تقدمه من مرحلة الجماعة الي التنظيم، ومن التنظيم الي المنظومة الفكرية التي اصبحت تنتشر بقوة، بالاضافة الي افتتاح فروع رسمية للتنظيم، والالتحام بالحاضنة الجماهيرية التي يعمل فيها؛ كما في العراق، وافغانستان، وباكستان خصوصا مناطق القبائل. عن "مارب برس""