بقلم/ عبده محمد الجندي - < أياً كانت الدوافع، وأياً كانت المبررات، فإن المؤكد بأن القتال والاقتتال في عاصمة الدولة لعبة خطرة تخرج عن نطاق الممكنات لأنها وليدة أطماع قد تكون بصورة مخاوف على السلطة، وقد تكون بشكل أطماع مندفعة بجنون الرغبة في الاستيلاء عليها، وفي الحالتين معاً الأولى والثانية تشعر الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب بقلق الخوف من الحرب الأهلية على نحو يدفع صاحب القرار الى استخدام القوة المشروعة في مواجهة القوى المتقاتلة بالوسائل والأساليب غير المشروعة.
أقول ذلك وأقصد به ما يحدث من مواجهات مسلحة داخل العاصمة بين أنصار الله وبين الاخوان المسلمين عمل لا يتفق مع ما هو نافذ من مرجعيات دستورية وقانونية يحتم على رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة استخدام كافة الوسائل العاجلة والكفيلة بإعادة جميع الأطراف الى طاولة الحوار السياسي السلمي لحل الخلافات في إطار الحرص على نجاح التسوية السياسية المستندة الى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وقرارات مجلس الأمن الدولي وصولاً الى إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، بعد استكمال الدستور والاستفتاء عليه وإقراره.
ومعنى ذلك أن بقاء الدولة في موقف المتفرج من هذا الصراع الذي بدأ يتحول الى حرب شوارع داخل أمانة العاصمة في وقت تقوم فيه بعض المواقع العسكرية في الفرقة بالوقوف الى جانب طرف من طرفي العملية القتالية قد يؤدي الى سلسلة من الانفجارات داخل العاصمة يصعب على القوات المسلحة والأمن السيطرة عليها بأقل قدر من الدماء لاسيما وأن العاصمة صنعاء قد أصبحت مأوى لكل العناصر الارهابية التي لن تتورع عن قصف المتظاهرين السلميين بصورة تفتح المجال أمام المسلحين المحسوبين على أنصار الله الى أفعال وردود فعل تساويها في القوة وتعاكسها في سفك الدماء وازهاق الأرواح البريئة.
أقول ذلك وأدعو فخامة الأخ رئيس الجمهورية الى موقف واضح وحازم لإيقاف هذه المواجهات المجنونة وما يرافقها من خطابات إعلامية وفتاوى مذهبية مسعرة للحرب الأهلية بين أبناء الشعب اليمني الواحد بمذاهبه المتعددة تحت دعوى السنية والشيعية، لأن الشعب اليمني بما جبل عليه من الثقافة الوطنية والاسلامية كان عبر التاريخ واحداً وموحداً بزيوده وشوافعه ولازال حتى هذه اللحظة يفصل بين المسائل والمطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبين المطالب والدعايات الطائفية والمذهبية.
وإنه من دواعي الحرص والشعور بالمسؤولية أن يظل فخامة الأخ رئيس الجمهورية ووزيري دفاعه وداخليته وقواته المسلحة والأمن على مسافة متساوية من طرفي العملية القتالية، لأن الانحياز لهذا الطرف أو ذاك سيكون له عواقب أمنية وخيمة، ومن دواعي الشعور بالواجب الوطني أن يتم إشراك القوى السياسية المعتدلة التي اعتزلت هذا النوع من الصراعات والنزعات مثل المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني وحزب الحق وحزب البعث العربي الاشتراكي واتحاد القوى الشعبية وقبل ذلك التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وأحزاب التحالف الوطني وحزب العدالة وبقية الأحزاب الجديدة والاتحادات النقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني ورجال المال والأعمال وأعضاء مجلسي النواب والشورى والمشائخ والشخصيات الوطنية وقادة الرأي بشكل عام من قادة السياسة والصحافة والقانون أن يضعوا أيديهم بيد الاخ رئيس الجمهورية من أجل موقف جاد يضع الحلول للمطالب الشعبية بيد والاصطفاف الوطني باليد الأخرى لفرض ما نتج عن الحوار من حلول وإيقاف اللجوء الى السلاح وقبل ذلك وبعد ذلك يجب على طرفي العملية القتالية أن يقتنعا سلفاً بأن من يرفض الإجماع يضع نفسه وأتباعه وأنصاره والداعمين له في موقف صعب يحتم المراجعة والرجوع الى الفضيلة حتى لا يصبح هدفاً لمواجهة عسكرية وشعبية لا قبل له بها عملاً بقوله تعالى: «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما.......».
أعود فأقول إن اللجوء الى السلاح في عاصمة الجمهورية قد بدأ يطل بقرونه الدامية والمدمرة وأن البداية لازالت محدودة وأن الوقاية خير من العلاج وأن السيطرة على زناد البنادق لازالت عملية ممكنة ولم تصل الى حد الاستفحال، لأن الدولة تتسع للجميع، والاصلاحات الاقتصادية لا تنحصر في نطاق جرعة رفع الدعم عن المشتقات النفطية، لأن مسؤولية الاصلاح ستكون عملية مشتركة يقوم عليها الجميع وقد أصبحوا شركاء في حكومة الكفاءات المحتملة.
ولا أبالغ إذا قلت انه قد آن الأوان لأن نقول كلمة حق مجردة من جميع الحسابات الذاتية وما يترتب عليها من المكايدات والمزايدات السياسية بعد أن وصلت الأمور الى هذه البداية المشؤومة، كما أن الاستقواء بالخارج على الداخل أصبحت لعبة قديمة تحتم على جميع أبناء الشعب اليمني أن يتقوا الله في وطنهم وشعبهم، وأن يقولوا كلمة حق بعد أن أثبتت التجربة أن الحلول لا يمكن أن تكون الا يمنية وجماعية وأنه لا قدرة للأشخاص والأفراد والجماعات والأحزاب أن تخرج منتصرة من معركة تؤدي الى الإقصاء والإلغاء للآخرين وأن الاخونة سياسة كارثية غير قابلة للتكرار من قبل أي قوى جديدة وصاعدة سواء أكانت متمثلة في أنصار الله أو في الحراك الجنوبي لأن وحدة الوطن وأمنه واستقراره مسؤولية جميع أبنائه، وما لم يكن أبناء هذا الشعب حريصين على أنفسهم لا يمكن أبداً للقوى الإقليمية الشقيقة والقوى الدولية الصديقة أن تكون أكثر حرصاً منهم وأن تحارب نيابة عنهم أو تنتصر لطرف كي تمكنه أن يزيح غيره من الاطراف الأخرى التي يختلف معها، لأن الاختلاف في الرأي لا ينبغي أن يفسد للود قضية، ورحمة الاختلاف أفضل عندهم من لعنة الكراهية والحقد.
أقول ذلك وأقصد به أن العالم الذي نحن جزء منه لم يعد في هذا العصر الديمقراطي يقبل بغير الحلول الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان والعدالة في الثروة يرفض النزعات الشمولية ويرفض التطلعات الرأسمالية المتوحشة سواء غلفت مطالبها بمررات سياسية أو طائفية أو مذهبية أو مناطقية مستمدة من المقدسات الدينية أو مستمدة من الأطماع الدنيوية التي تحاول اسعاد الجزء على حساب شقاء الكل أو حياة الأقلية على حساب تعاسة الأغلبية، لأن الديمقراطية في السلطة هي المرادف الموضوعي للعدالة في الثروة الاقتصادية الدائمة الحركة والتغيير والتطور الجدلي.
إن عصر الديمقراطية والعدالة والتعدد والتنوع والتداول السلمي للسلطة والمواطنة اليمنية المتساوية لا مجال فيه للصراعات والحروب التي لا نتذكر عنها سوى الدماء والدموع والدمار.
لقد أصبح السلام هو الخيار الوحيد الذي يجب أن يتغلب على غيره من خيارات الصراعات والحروب الأهلية وذلك ما أكدت عليه البيانات المتتالية الصادرة عن المؤتمر الشعبي العام الذي دان فيها العنف من جميع الأطراف ودعا الى الثبات على الأساليب والوسائل السلمية لحل الصراع بين أنصار الله والتجمع اليمني للإصلاح لأنه لا يمكن لأي طرف تحقيق مكاسب سياسية عن طريق الاحتكام للغة القوة.. مؤكداً بذلك أنه لا يقف مع طرف ضد الطرف الآخر، داعياً الحوثيين الى إبعاد الاعتصامات عن المليشيات المسلحة ومؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يقبل للتجمع اليمني للإصلاح أن يتهم بالاعتداء على الاعتصامات السلمية لحسم الخلافات مع خصومه..مؤكداً على ثبات موقفه المبدئي المؤيد لرئيس الجمهورية، وكما قال الشيخ ياسر العواضي عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام إن المؤتمر الشعبي العام لا يمكنه الوقوف مع مليشيات مسلحة في حربها مع مليشيات مسلحة أخرى طالما كان البديل الطبيعي لهذا النوع من الصراعات المسلحة يوجب الاحتكام لما لدينا من المؤسسات الدستورية المدنية والعسكرية والأمنية التي تقع بيد الدولة ممثلة برئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة.
إن المؤتمر الذي دعا الجميع الى الحوار والى التوقيع على ما تم الاتفاق عليه من حلول للأزمة السياسية، وفي هذا الإطار نجد أنفسنا مسؤولين عن حقن الدماء اليمنية مؤكدين قبل ذلك وبعد ذلك أن الشعب اليمني وإن كان يرفض ما تقوم به مليشيات أنصار الله من حماية للاعتصامات بالقوة كمسؤولية تقع على كاهل الدولة بدافع الرغبة في توريط القوات المسلحة في حرب طائفية ومذهبية لا ناقة للشعب اليمني فيها ولا جمل، لأن ما يبدأ بالدم لا ينتهي الا الى المزيد من الدم الذي يتضرر منه الجميع ولا يستفيد منه أحد على الإطلاق.
ولاشك أن الواجب الوطني يحتم على الجميع دعم بارقة الأمل التي توصل اليها مبعوث الأمين العام جمال بن عمر ومدير مكتب رئاسة الجمهورية ورئيس جهاز الأمن السياسي في حوارهم مع عبدالملك الحوثي، وليكن الوقف الفوري لإطلاق النار هو المدخل الصائب لدعم ومساندة تلك الجهود الأممية المبذولة بدافع الحرص على إنجاح التسوية السياسية وما بدأ بالحوار يجب أن يستمر التعامل معه بالحوار وحده في حالة الخلاف من باب الرغبة في تصويب ما قد ينطوي عليه من الأخطاء بالإضافة أو الحذف.
تبرير قصف التلفزيون
وإذا كانت مليشيات أنصار الله قد بررت قصفها على مبنى التلفزيون الرسمي بما قامت به الحماية العسكرية من قصف على الأحياء المجاورة لشارع المطار حيث يحتشد المعتصمون السلميون، فإن الرد على الخطأ بالخطأ لا ينتج عنه سوى بيانات الشجب والإدانة من المنظمات والهيئات الوطنية والدولية النابعة من الحرص على حماية الوسائل الإعلامية والعاملين بها معاً.
وإذ أعبر عن تضامني مع العاملين في قناة «اليمن» الفضائية وما تعرضت له لها من الأضرار لا يفوتني تنبه المسؤولين عن هذه القناة الحكومية التي أبليت بلاءً حسناً في الدفاع عن الشرعية الدستورية في الماضي والحاضر، قائلاً لهؤلاء أنهم سبب ما تتعرض له القناة والعاملين بها من الاعتداء غير المسؤول نظراً لما يفرضونه على القنوات ا لرسمية والعاملين بها من سياسات حزبية تعكس وجهة نظر هذا الوزير الاخواني أو ذاك.. الخ.
لأن الإعلام الرسمي يحصر مهامه وسياسته في نطاق الدفاع عن الشرعية الدستورية والترويج لما يصدر عن الدولة من قرارات دون إقحام نفسه في المماحكات والمكايدات الحزبية الضيقة، لأنه يعتمد على نفقات الدولة 100% يغلب المهنية ويبتعد عن العصبية التي ترددها القنوات الحزبية التي تنفق عليها الأحزاب والتنظيمات السياسية المالكة لها.
لا أخفي على أنصار الله وعلى الاخوان المسلمين أنني كصحفي وكنائب وزير إعلام سابق أحب القنوات الرسمية وأحب العاملين بها من الذين عرفتهم عن قرب وأعبر عن تضامني الكامل معهم لكني أحب الحقيقة وأزعم أن قناعة اليمن الفضائية قد أريد لها أن تكون نسخة طبق الأصل من قناة «سهيل» الفضائية الناطقة باسم التجمع اليمني للإصلاح، واعتقد وربما أكون خاطئاً أن ما قام به المسلحون التابعون لأنصار الله كان بمثابة رسائل عنيفة للعاملين بها أن يكونوا محايدين.
أقول ذلك ولا يفوتني أن أناشد فخامة الأخ رئيس الجمهورية النائب الأول الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام المشير عبدربه منصور هادي أن استمرار إغلاق قناة «اليمن اليوم» لم تعد مسألة عارضة وقابلة للتبرير لأن الإعلام الحر أحد المظاهر البسيطة للدولة المدنية الحديثة والحكم الرشيد قد يتخذ منها البعض مبرراً لتشويه ما حدث للإعلام في عهده من ممارسات تتنافى مع بناء اليمن الحضاري الجديد الذي استهل به خطابه السياسي لهذا الشعب الصابر والصامد بوجه الأزمات والتحديات الصعبة.
قد تقولون يا فخامة الأخ الرئيس إن دافعكم هو الحرص على ملكية المؤتمر لهذه القناة فأقول بالأحرى ما تقوله اللجنة العامة وما قالته في قرارتها الجماعية لتفتح وتحال قضايا الملكية الى القضاء للفصل فيها من الناحية القانونية لاسيما وأن العاملين في هذه القناة قد تضررت مصالحهم وباتوا يعانون من قطع مرتباتهم بعقوبات جماعية ظالمة.
أخلص من ذلك الى مناشدة الرئيس بإطلاق الحرية لقناة «اليمن اليوم» والتوجيه بصرف المرتبات الشهرية لهؤلاء العاملين الذين يتميزون بقدرات مهنية عالية عملاً بالمثل القائل: «قطع الرأس أهون من قطع المعاش» حتى لا يبرر البعض ما حدث لقناة «اليمن» والعاملين بها بما حدث لقناة «اليمن اليوم» والعاملين بها من عقوبات جماعية؟
|