علي عمر الصيعري -
من المفارقات التي تبعث على الدهشة أن يدعو بقادة الحراك الجنوبي عند حلول كل مناسبة لثورة الرابع عشر من اكتوبر المجيدة إلى مليونية تجوب الشارع الجنوبي وتحمل شعارات الانفصال وهم يعلمون جيداً أنهم لم يعلنوها صراحة مطالبين بالانفصال في خطابهم الرسمي . هذه مسألة، أما الثانية- وهي المهمة- أنهم في مناسبة وطنية كهذه يحتفلون بثورة كان على رأس أهدافها الاستقلال من المستعمر البريطاني والعمل الجاد على تحقيق الوحدة الوطنية التي بعدما تحققت نراهم اليوم يحرضون الشارع على الانفصال وتدمير تلك الوحدة تحت اعذار ومسميات ومبررات لا يصدقها عاقل . والأنكى من هذا وذاك نرى أولئك القادة الأدعياء يستقوون بالمستعمر الذي قامت الثورة المجيدة بطرده من الجنوب كي يعيد لهم دولتهم التي ذوبوها عن قناعة وبعقد مجتمعي وسياسي في الدولة اليمنية الموحدة في مايو 1990م.
ولو تجاوزنا كل ما تقدم من باب أن للضرورة أحكاماً وأن ظروف المرحلة تتطلب ذلك ، فإننا لن نستطيع تجاوز ثلاث مسائل سياسية ومجتمعية وقانونية تتلخص في الآتي . أولاً : فقد زعيم الحراك الأساسي لشرعية تمثيله لجماهير الشعب في الجنوب بدليل عدم الاعتراف به علنياً من قبل الفعاليات الشعبية الجنوبية ، بل وانقسام المكونات الجنوبية الفاعلة على نفسها وتشتت ولائها لعدد من قادة الخارج المختلفين فيما بينهم مثل/ علي سالم البيض وعلي ناصر محمد وحيدر العطاس وسلاطين حضرموت والمهرة والفضلي والعبادل وحلف قبائل حضرموت وهؤلاء وغيرهم يرى كل منهم أن له الأحقية في العودة لدولته وتمثيل شعبه . ثانيا: تعارض الحامل السياسي للحراك ومَن معه مِن المطالبين بالانفصال وعدم المقدرة على تسميته والاتفاق حول شكله وآليات عمله وسط تعارضات حادة بين من يدعون تمثيله كما اسلفنا وغياب البرنامج السياسي لجميع مكونات المطالبين بالانفصال ، وظهور عدد من المطالبات بإقامة كيانات تسعي لتشتيت الجنوب نفسه في اطار تشتيت وحدة الوطن اليمني الموحد نفسه . ثالثاً: لو سأل شباب الحراك انفسهم سؤالاً مفاده ما جدوى هذه المليونيات التي ازهقت فيها ارواح اخوانهم وتعبوا وعرقوا أثناءها مليونية تلو اخرى ولم تحرك ساكناً لا من قبل السلطة ولا من قبل المجتمع الدولي لعرفوا أن ما يقومون به هو خدمة وتلبية لمزاج سياسي يركب رؤوس قادة الخارج ليضمن لهم في الوقت نفسه الاستمرارية في وهم القيادة السياسية الممثلة لهم من دون أن يستفيد الشباب منها في شيءٍ ماعدا من يحرضهم ويغريهم بالخروج ،ولعرف الشباب أن قادة الخارج تستجدي من ورائهم المعونات الخارجية باسمهم!!
خلاصة القول: على قادة الحراك والمكونات الأخرى أن تحدد مسار سعيها السياسي في صدقية ووضوح فلا تستخف بدماء شهداء ثورة الرابع عشر من اكتوبر بالانقلاب على الوحدة التي استشهدوا من اجلها بعد الاستقلال الذي رووا شجرته بدمائهم الطاهرة كأن تسعى للعودة إلى الانفصال في يوم الوفاء والتخليد للشهداء ومناضلي حرب التحرير، هذا من جانب، ومن جانب آخر على قادة الخارج وأولهم/ علي سالم البيض بدلاً من أن يطالب مجلس الأمن الدولي والدول العشر بانفصال الجنوب، عليه أن يطالب المجتمع الدولي بحل عادل لقضية الجنوب وإعادة الاعتبار للشعب الذي يرى أنه ظُلم وغُبن في مكانته وثرواته ومصادر القرار والوظيفة العامة وغير ذلك ، وأن يوجه احتفال الشعب اليمني بثورته الثانية وجهة تخليد الشهداء وتكريم مناضلي حرب التحرير وتقديم البرامج والمخرجات العقلانية للانتصار لقضية أبناء المحافظات الجنوبية في اطار وحدة الشعب اليمني، وحقن دماء شباب الحراك في الجنوب وخلق ثقافة التعايش السلمي والمحبة بين كافة فئات واطياف المجتمع اليمني، وهذا اجمل ما سيقدمه لإخوانه في الجنوب والوطن عامة.