علي عمر الصيعري -
في مؤلفه الشهير (إميل) Emile ، كتب المفكر الفيلسوف «جان جاك روسو»، يقول: (على المرء أن يرى الناس في غمرة تصرفاتهم كي يعرف حقيقتهم.. ففي الحياة لا يسمع ألا ما يصدر عن أفواههم من كلام.. انهم يظهرون أقوالهم ويخفون أفعالهم. ولكن هذه الأفعال تسفر عن وجهها في التاريخ، فيحكم عليهم من خلال الوقائع. فإذا قارنا بين ما يفعلون وما يقولون، لرأينا حقيقتهم وظاهرهم معاً.. وكلما أمعنوا في التخفي كانت معرفتنا بهم أفضل) .
بما تقدم.. فلسف «روسو» حكمة التاريخ في تعرية السريرة البشرية وإظهارها على حقيقتها عندما تصبح تصرفاتهم ومواقفهم في ذمته .. فعلى مر السنين والعقود والتاريخ يطالعنا كل يوم بحقائق جديدة من خلال أقوال ومواقف الناس. إن ما يعنينا هنا أولئك الذين تصدوا لتحمل مسؤولية شعوبهم ومجتمعاتهم من الثورة إلى الحكم إلى المعارضة.
فأثناء تصرفاتهم في غمرة تحملهم لتلك المسؤولية، أو اقتناصهم للفرص التي تحملهم إلى مناصب تلك المسؤولية، ينسى البعض منهم حكمة التاريخ التي تكشف مواقفهم وتصرفاتهم على حقيقتها وإن بعد حينٍ من الزمن.
إن الساسة والقادة العظام لا تغرب عن بالهم هذه الحكمة ولو كانوا في أفضل الأوقات وأحسنها. ولذا فإن التاريخ يعلن- من ذات نفسه- عن فضائلهم وصنائعهم، لأنهم كانوا صادقين مع أنفسهم ومع شعوبهم.
أما أولئك الذين اعتقدوا بأنهم قادرون على تبييض أفعالهم عن طريق أقوالهم وخطبهم وشعاراتهم ، فإنهم يغالطون أنفسهم. إذ سرعان ما يظهرون على حقيقتهم عندما يقول التاريخ كلمته فيهم إن آجلاً أم عاجلاً.
في دورات الحياة السياسية والحزبية خلال خمسين عاماً من الزمن في بلادنا ، وهي تتجاوز عمر جيل بكامله، يصعب على هؤلاء القادة وأولئك السياسيين أن يقنعوا شعبهم بما قصروا في حقه خلال حكمهم له بقدر ما يسهل على الشعب أن يتذكر بسهولة أفعالهم البيضاء ومآثرهم التي اجترحوها من أجل الارتقاء بحياته وتحسين معيشته ، وتعزيز مكانته بين الأمم والشعوب، وقبل هذا وذاك احترام إرادته، فالتاريخ هو الشعوب بحد ذاتها والشعوب هي صانعة التاريخ الذي يحكم بدوره على أقوال وأفعال أولئك القادة العظام.
وهذا هو ما درج عليه الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام، وما وضعه رهن عينيه وهو يقود الوطن والحزب الرائد، فاستحق محبة وتقدير شعبه.