محمد علي عناش - تتعرض الأمة العربية لأشرس وأقوى عملية تدمير لبنيتها المادية والبشرية، تدمير ذاتي وبأدوات عربية تتلبس بالدين والثورة والحرية، وتوسط الله في جرائمها وخرابها وحروبها، هذا الجنون الذي يسوقه السياسي والمثقف العربي تنفيذاً لمخطط تدمير الذات وتفخيخ العقل العربي ذاتياً، وهناك شماعة لهذه العدمية اسمها «الحكام العرب»... فهل ماحدث ويحدث في الشعوب العربية شيء طبيعي؟ وهل العقل والدين والمبادئ الإنسانية تقر بذلك؟وهل الحرية والديمقراطية هي هدف وغاية هذا الجنون الذي يسوقه المتأمرون في الداخل والخارج تحت عنوان»الثورة»؟.. بالتأكيد لا،لأننا لو قبلنا بهذا الكلام ، فإننا قد تجردنا من آدميتنا وألغينا عقولنا وأصبحنا نمارس الكفروالجحود بعينه،ونمارس الشذوذ في التفكير والتدين، لأن هذه الأحداث لاتؤكد حضور العقل والدين السليم، وإنما حضور الغرائز العدوانية التي أصبحت هي الدافع والمحرك لهذا الجنون، وهذاالانتحار الجماعي والتدميرالعربي الذاتي.. التبريرات جاهزة لدى قطاع واسع من السياسيين والمثقفين العرب، أن السبب وراء كل مايحدث هو الأنظمة العربية التي سقطت أو التي لاتزال تقاوم هذه الفوضى والرجعية العربية الجديدة، يجعلون منها شماعة لأخطاء وكوارث هذه الثورات وما أنتجته وأفرزته من تحولات وتبدلات خطيرة في واقع المجتمعات العربية في غضون أربع سنوات، شماعة لأربعمائة الف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى والمعوقين وملايين من المشردين والنازحين وجيل عربي خارج مؤسسات التعليم، ومئات المصانع والمستشفيات وآلاف المدارس التي تدمرت لإسقاط الحاكم العربي المستبد أو الطاغية، وجلب الحرية والديمقراطية والخلافة الإسلامية، دمَّرها برابرة العصر لأنهم بلا مرتكزات أخلاقية كي يحسوا ويشعروا بأنها حق الشعب ومن ممتلكات الشعب تراكمت على مدى عقود من الزمن..
وإنما تعاملوا معها بوعي عفن وروح انتقامية باعتبارها مرتبطة بالطاغية ومن منجزات الطاغية، شماعة لهذه الحروب التي تدحرجت إلى واقعنا في 2011م من كهوف التاريخ لتعيد تشكيلنا وصياغتنا من جديد، وتختطفنا عقلاً وروحاً إلى غياهب العصورالظلامية.. خلال أربع سنوات، تغير كل شيء في بعض المجتمعات العربية المعاصرة، المدن التي كانت تضج بالسينما والمؤسسات الثقافية والسياحية، صارت إمارات إسلامية، وطفت إلى السطح في لغتنا وقاموسنا مفردات غابرة، صارت مفردات يومية متداولة، كالتعزير والسبي والجزية والغنائم وأمير المؤمنين وأمير الحسبة والسلاح وخازن بيت المال، جهاد المناكحة كمفردة متجددة لهؤلاء الظلاميين..سيكون من السخف أن نصدق أن الحاكم العربي هو السبب وراء هذه التحولات الارتدادية، وهذا التسونامي الاجتماعي العربي،الذى تداعى فجأة في البلدان العربية، وأخذ يغير كل شيء في واقعنا ويفخخ عقولنا وضمائرنا ويجرنا إلى بداوات وأحقاد لاحدود لها، لاتقود إلا إلى التيه والفناء.. الأحزاب والنخب العربية، لاتزال تعيش في غيبوبة، ولايزال السياسي العربي يمارس البلادة والثأر السياسي، وينتج العبث والفوضى، الجميع لايريدون أمام هذا الانحطاط والتدمير الذاتي، أن يراجعوا أنفسهم، لايزالون يسوقون السخافات ويبيعون الأوهام ويتاجرون بالدماء والدمار والنزيف اليومي، لايريدون أن يصلوا إلى نتيجة منطقية،أن التغيير في المجتمعات الانتقالية لايمكن أن يكون بهذا المنطق الثوري الغوغائي وهذه العدمية التي صارت أبرز سماتنا العربية في التفكير والسلوك..
الكثير من الدراسات التي أصدرتها مؤسسات دولية هالها مايحدث في البلدان العربية من دمار ذاتي ومن خضات اجتماعية ارتدادية وتحولات عدمية، بفعل ثورات مجنونة سُميت بالربيع العربي، باتت تؤكد أن منهج الإصلاحات كان هو السبيل الأمثل للمجتمعات العربية التي تنشد التغيير والتقدم الاجتماعي، بدلاً من الثورات العمياء التي تحمل بداخلها الألغام والتشظّي وكل عوامل التدمير الذاتي..
|