محمد علي عناش -
مايزال أصحاب 11 فبراير 2011م غير مصدقين ما حدث في 21 سبتمبر 2014م، لم يفيقوا بعد من صدمتهم بحدث ثوري أسقط حكومة باسندوة الفاشلة والفاسدة، وقلب الموازين في اليمن بشكل متسارع، وأطاح برموز الفساد والتسلط من القوى العسكرية والمشيخية المتنفذة، التي تحكمت بالقرار السياسي وعبثت بالمال العام وزعزعت الأمن والاستقرار وافتعلت الأزمات التي اكتوى بجحيمها الشعب اليمني طوال ثلاث سنوات، زيف المبعوث الأممي جمال بن عمر واقعها وحقائقها، وتغنى بها كثيراً، لكنه عند الحصاد المر يتنصل عن ثماره الفاسدة وما بذرت يداه خلال خمسة وثلاثين زيارة مكوكية إلى صنعاء.
بالتأكيد هذا الحدث فرض واقعاً جديداً في معظم محافظات الجمهورية لم يستوعبوه حتى الآن وغير قادرين على تفسيره تفسيراً منطقياً وواقعياً نابعاً من الاعتراف بالخطأ والفشل وإنما بالاستمرار في نهج المراوغة وخلق الأعذار والمبررات وتصفية الحسابات التي تعكس في حقيقتها حجم تباكيهم على سقوط مخططاتهم وأجنداتهم، رغم أنهم يمثلون الأغلبية في حكومة بحاح، إلاَّ أنهم يشعرون بأن الوضع تغير وأن القرار لم يعد بأيديهم ولا يستطيعون أن يمارسوا الإقصاء والسيطرة على المؤسسات والعبث بالمال العام الى آخر المممارسات التي كانوا يمارسونها في حكومة باسندوة التي رحلت غير مأسوف عليها بعد ثلاث سنوات من الفوضى والتدمير لمؤسسات الدولة والإنهاك للاقتصاد الوطني والخزينة العامة، والإفشال الممنهج للتسوية السياسية والمبادرة الخليجية، والتنصل من أهم بنودها وهو إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والهروب من هذا الاستحقاق الوطني والشعبي إلى التمديد تلو التمديد ولا يبدو أن هذا الأمر قد انتهى عند هذا الحد، فكل المؤشرات تؤكد أن مشروع التمديد قائم وليس له سقف في ظل استمرار افتعال الأزمات والكيد السياسي والمواقف المائعة للأحزاب التي تصب في اتجاه التأجيل، الأمر الذي سيصيب النهج الديمقراطي في اليمن بالعطب والتخثر والتعددية السياسية بالجمود والتشوه، لتصبح البدائل الاخرى مفتوحة للاستقطاب والفرز على أساس طائفي ومناطقي ومذهبي في ظل غياب دولة المجتمع واستمرار لا شرعية الحاكم والحكومة.. ووحده المؤتمر الشعبي العام من يطالب بإجراء الانتخابات كاستحقاق أخلاقي ودستوري للشعب اليمني في اختيار حكامه وممثليه في الحكومة والبرلمان.
فقدان قوى 11 فبراير 2011م لسلطة القرار في الحكومة ومؤسسات الدولة وفق معاييرهم المتجاوزة للشراكة والنظام والقانون رغم أنهم لايزالون يمثلون الأغلبية في الحكومة، يكشف سر حملاتهم المحمومة ومواقفهم البائسة المسنودة من بعض دول الخيبات العربية وبعض السفارات الأجنبية ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام والسعي الحثيث الى تفكيكه وتشطيره ببعد شمالي وجنوبي بما يتسق مع مواقف الحراك الانفصالي، وبما يدعم مشروع تقسيم اليمن إلى اقليمين شمالي وجنوبي، وهو المشروع الذي يطرح اليوم بقوة في ظل استمرار التصعيد في بعض المحافظات الجنوبية والمتمثل في إنزال علم الوحدة ورفع العلم التشطيري على مؤسسات الدولة وتغيير النشيد الوطني في العديد من المدارس بنشيد ما قبل الوحدة.
في ذات الوقت الذي تتباكى فيه قوى فبراير على سقوط الدولة، ويتبرمون من سيطرة ما يسمونها بالمليشيات المسلحة واللجان الشعبية لأنصار الله، وهذا الكلام بات يطرحه ويتناوله وزراء ومسؤولون كبار في حكومة بحاح محسوبين على اللقاء المشترك، غير أن الحقيقة أنهم لا يتباكون على الدولة كمؤسسة ونظام وقانون ووظيفة أمنية واقتصادية وسياسية، إنما يتباكون على دولتهم التي سقطت في 21 سبتمبر، وعلى مراكز قواهم الفاسدة التي سقطت وكانت تمثل ركائز ودعائم دولتهم التي سقطت قبل أن تكتمل، وعليه فإن نجاح الشراكة في المرحلة الراهنة بات يتطلب في البداية النجاح في تحديد الأولويات الوطنية التي تقود الى انفراج الأزمة وبناء الدولة وتعزيز الوحدة اليمنية، كما أن نجاحها مرهون بالمراجعة الشاملة والتقييم العقلاني للأحداث من 11 فبراير 2011م إلى 21 سبتمبر 2014م والاعتراف بأن الذي سقط هو الدولة ونظام عام المجتمع وانهار وطن، منذ اللحظة البليدة في الساحات التي تجاوزت منطق الاصلاحات إلى منطق التثوير المجنون، والتي تم فيها المصاهرة بين بن لادن وجيفارا، والمزاوجة بين الانتهازي الفاسد والثائر النزيه وبين المجرم وداعية السلم والدولة المدنية.. من البلادة في الوقت الراهن أن تستمر بعض القيادات السياسية والكتاب والصحفيين في الغوص في اللحظة باجترار خطاب الساحات أو بتصعيد هفوة هنا وخطأ هناك، ويتم تجاهل الانكسارات والانحرافات أو تحميلها طرف بعينه، فالتاريخ لن يتقدم إلى الأمام في خط مستقيم إلاَّ بفلسفة سليمة منتظمة ومرتبة في سياق منطقي ومستقبلي.. ومادام هؤلاء لا يحملون فلسفة الدفع الى الأمام فإنهم سيظلون يدفعون باللحظة الراهنة في مسار منحرف.