محمد علي عناش -
مازلت أتذكر جيداً الدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي، الحزب العريق الذي تحول على يديه إلى مسخ حزبي يغتال العقل ويمتهن الحقيقة، وهو يتصدر التحالف الرافض للمبادرات والحلول التي كانت تطرح أثناء أزمة 2011م لتجنيب اليمن الانزلاق في أتون الصراعات وكذلك الحفاظ على الأمن والاستقرار من الزعزعة والفوضى وكذلك الحفاظ على الدولة من السقوط والانهيار، وفي مقدمة هذه المبادرات، المبادرة التي أطلقها الرئيس السابق علي عبدالله صالح من ميدان السبعين، والتي تضمنت الحلول السلمية المنطقية لتجاوز الأزمة وتداعياتها الخطيرة على السلم الاجتماعي، وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة بشكل آمن.. أتذكر أنه بعد ثلاث ساعات فقط، ظهر الدكتور ياسين على قناتي «سهيل و«الجزيرة»، وهو يدلي بتصريحه الرافض للمبادرة، دون أن تطرح للنقاش والدراسة أو تحكيم صوت العقل والمنطق، لذا لم يقدم أي مبرر منطقي لهذا النزق السياسي الذي يفتقد للموضوعية، سوى أن القرار هو قرار الشباب في الساحات، وبقدر ما حمل هذا الموقف من حالة غرور بمنطق ثوري ركائزه قوى تقليدية فاسدة ومتطرفة، جسد أيضاً الروح الانتهازية للسياسي، عندما يستثمر الشباب وطموحاتهم في التغيير من أجل تمرير أجندته، لكنه يتنصل عنهم عندما يكون لديه القدرة على ترجمة هذه الطموحات، وهذا الذي حدث طوال ثلاث سنوات من حكومة الوفاق الوطني، الفاشلة والفاسدة والمتنصلة عن كل طموحات التغيير، حينها كان ياسين صامتا ومنعزلاً يبحث عما يواري به سوأة هذه الحكومة بتسويق اتهامات للنظام السابق، لكنه اكتشف أن الاتهامات ستكون مخجلة أمام حجم هذا التردي في عهد هذه الحكومة، لذا اكتفى بالقول إن الفساد أصبح بلاحشمة،ثم صمت طويلاً، يرتب خلف الكواليس بالتنسيق مع بن عمر والطائرين الجدد لوضع جديد يتطلب فيه الأمر إزاحة صالح بأية طريقة.
حتى قضية الإرهاب دخلت ساحة اللعبة السياسية والكيد السياسي والتزييف للحقائق في مواجهة صالح أثناء أزمة 2011م، وكلنا نتذكر انتقادات الخارجية الأمريكية الحادة الموجهة لأحزاب المشترك بسبب مواقفهاالمائعة من الإرهاب وتقليلها من حجم وخطورة تنظيم القاعدة في اليمن، هذه الانتقادات التي جاءت استناداً إلى تصريحات ومواقف قادة المشترك وفي مقدمتهم الدكتور ياسين تجاه تنظيم القاعدة التي توحدت وتناغمت بأن القاعدة هي فزاعة صالح، وإخفائها لحقائق الحرب ضد القاعدة في محافظة أبين، لكن عندما أصبح تنظيم القاعدة يقتحم المعسكرات ويقتل الجنود بالجملة، صمت ياسين والحزب الاشتراكي ولم يكن لهم أي موقف وطني واضح، وكالعادة في مثل هذه الأحداث وهذه النتائج والحقائق يتم الهروب إلى الصمت المخجل.. وهكذا ظلت مواقف أحزاب المشترك المختزلة في مواقف قياداتها الحزبية، من كل الأحداث التي مرت بها البلاد، بائسة ومتناقضة ومائعة تتسم بالشخصانية والبعد عن الحقائق ومنساقة وراء مواقف الإصلاح وقواه التقليدية التي أفشلت التسوية السياسية وزعزعت الأمن والاستقرار وانحرفت بمسار التغيير، وأوصلت البلاد إلى هذا المأزق الخطير.. الذي يواجهونه بمزيد من الافلاس والاشتغال على التأزيم وتصفية الحسابات.. فجأة وكالأبله أو المصاب بمرض نفسي مزمن، يخرج الاشتراكي ببيان يتهم فيه النظام السابق بالتخطيط لاغتيال الدكتور ياسين سعيد نعمان، دون أن يقدم أي دليل وإنما ادمان خلط الأوراق ولعبة الانتقام من شخص الرئيس صالح والتي أصبحت تسري في شرايين اليسار اليمني كالهيرويين، غير أن الأمر ليس عفوياً خاصة في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد والتحولات التي شهدتها منذ شهر سبتمبر، وأن ما وراء الأكمة ما وراءها مدركين أن هناك تكليفاً بذلك، ومرتبطة بموضوع العقوبات ورفض التمديد والموقف المناهض للدولة الاتحادية من إقليمين، إلا أن هذا الاتهام الذي يتنافى مع توجهات المؤتمر ومصلحته وغياب المبررات التي تدعو لذلك، يؤكد حجم الافلاس الذي وصل إليه الاشتراكي واليسار اليمني برمته، الذي تنازل عن مبادئه وأسقط أسسه المعرفية التي تقوم على الموضوعية والعقلانية والمنهجية في قراءة الواقع وإصدارالأحكام والمواقف، حيث تحول منذ أزمة 2011م إلى تابع للقوى التقليدية الموغلة في الفساد والاستبداد والتطرف، ومنفذاً لأجندتها وأهدافها، وها هو في هذه المرحلة يمارس نفس الدور ونفس المنهجية، لصالح التحالف الناشئ الذي يستهدف الوحدة.. والدولة والنهج الديمقراطي، هذه الأسس والثوابت الوطنية التي أصبح الاشتراكي واليسار اليمني من ألد أعدائها ومن أكثر من تاجروا بها واستثمروها بشكل سيئ.. والمتتبع لمسيرة مواقف هذه الأحزاب التي تجيد تسويق الأوهام وإبداع التضليل، سيجد أن القضية لم تكن وطناً ولا مستقبل شعب وإنما القضية بالنسبة لهم كانت صالح..