|
|
|
بقلم/ عبده محمد الجندي - في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية الصعبة والمعقدة ما برحت القوى السياسية والحزبية الحاكمة والمعارضة تغلب ما لديها من الأحقاد والأطماع على ما يعانيه الوطن والشعب من الأوجاع والآلام الى درجة جعلت المراقبين المحايدين الحريصين يضعون أياديهم على قلوبهم خوفاً من طغيان الماضي على الحاضر والمستقبل طالما كان الصراع على السلطة هو المثير لهذا النوع من المنازعات الذاتية المنتجة للأزمات.
حين يقال إن المطالبة بالانتخابات هو التفكير بالانقلاب على التسوية السياسية يعرض أصحابه لأقصى العقوبات.
الذين يخافون على السلطة لا يريدون للتسوية السياسية أن تتحقق كما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة فنجدهم لذلك يستغلون كل ما لديهم من الفرص ومن النفوذ للحيلولة دون إنجاز الدستور والاستفتاء عليه حتى لا يجدوا أنفسهم مضطرين لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
والذين يشعرون أن بقاءهم في السلطة بإرادة سياسية وحزبية لا علاقة لها بإرادة الهيئة الشعبية الناخبة يلتقون معهم لإعاقة التسوية السياسية وزج البلد في سلسلة من المراحل الانتقالية وتشكيل الهيئات الموازية للسلطات الدستورية المنتخبة من الشعب تحت مبرر الحرص على تطبيق مخرجات الحوار الوطني وما يترتب عليها من الامتيازات والحصانات والدرجات الوزارية والتأمينات الصحية والسفريات، كما هو الحال في الهيئة الوطنية للرقابة على تطبيق مخرجات الحوار الوطني التي انيطت بها صلاحيات وسلطات تنتقص من صلاحيات وسلطات مجلسي النواب والشورى المعنية بهذا النوع من الرقابة.
والأمر ذاته ينطبق على المؤتمر الشعبي العام لو كان قد تحول من إطار للبشر الى مجرد خيلٍ نركب عليه ونذمه ولكن بلا حسيك لأصيب بنوبة قلبية قاتلة قبل هذا النوع من الإساءات.
أعود فأقول إن الإكثار من هذه الهيئات غير الديمقراطية التي تكلف الموازنة العامة أموالاً طائلة في وقت توشك فيه الدولة على الإفلاس، سوف لا نتوقف عند هذا الحد من المراضاة والتسويات الحزبية إذا علمنا أن للقضية الجنوبية وقضية صعدة متطلباتها المادية والوظيفية والعسكرية والأمنية التي تفوق القدرة الذاتية للدولة على المعالجة وإضافة موظفين الى موظفين وعسكريين الى عسكريين وتعويضات الى تعويضات وفساد الى فساد ومعاناة الى معاناة بعد أن سجلت النفقات على كتابة الدستور الجديد أرقاماً فلكية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدساتير في مراحل التاريخ المختلفة والتجارب الديمقراطية الناضجة والناشئة على حد سواء.
إنتاج الدكتاتورية
ترحيل الأزمات والدخول في مراحل انتقالية على قاعدة «لزوم ما لا يلزم» لا يعني سوى الهروب من الانتخابات البرلمانية والرئاسية كلعبة سياسية في ظاهرها الحرص على بناء الدولة المدنية الحديثة وفي باطنها الالتفاف على الديمقراطية وإقناع المجتمع الدولي بتمرير هذه اللعبة السياسية الناتجة عن خوف على السلطة أو عن طمع فيها للحيلولة دون إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية تحت خرافة أنها سوف تنتج النظام القديم، فتكون هذه الخرافة بمثابة إنتاج جديد للديكتاتورية، لذلك نلاحظ أن جميع هذه القوى المختلفة الممثلة في حكومة الكفاءات قد أجمعت على إخراج المؤتمر الشعبي العام من السلطة الى المعارضة بصورة متزامنة مع العقوبات الدولية على رئيس المؤتمر وعلى محاولة تمزيقه التي يجري الإعداد لها على قدم وساق سواء من خلال ما يتعرض له أعضاؤه من الإقصاء والإلغاء والتهميش أو من خلال مصادرة وتجميد أمواله أو من خلال تجميد نشاطه التنظيمي وما يجري الإعداد له من انشقاقات وسط تغطية إعلامية داخلية حكومية وخارجية أجنبية مدفوعة الثمن والأجر..
لا لشيء، إلاَّ لأنه يطالب بسرعة إنجاز الدستور والاستفتاء عليه وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية رغم أنه نفذ كل ما طُلب منه من التزامات وقدم كل ما يقدر عليه من التنازلات سواء لتطبيق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة أو للتوقيع على ما تلاها من اتفاق السلم والشراكة الوطنية واحترام ما نص عليه من مهام والحرص على وضعها موضع التطبيق وصولاً الى الانتخابات التي أصبح المطالبون بها يتهمون بأنهم معرقلون ويمارسون نوعاً من الانقلابات.
دول مجلس التعاون الخليجي في دورتها الخامسة والثلاثين طالبت أنصار الله بالخروج من العاصمة والمحافظات وطالبت جميع القوى السياسية اليمنية باستكمال ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من مهام تعتبرها بمثابة خارطة طريق لحل الأزمة السياسية المعقدة في اليمن دون ذكر لاتفاق السلم والشراكة الذي سبق مباركتها له بعد التوقيع عليه مباشرة.
توضيح الحقيقة
الدكتور عبدالكريم الارياني في مقابلته الاخيرة في صحيفة «26سبتمبر» الحكومية، أشار الى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية والى اتفاق السلم والشراكة باعتباره أحد مهندسيه قبل أن ينتقل الى المبعوث الأممي السيد جمال بن عمر والذي طلب من جميع المكونات السياسية التوقيع عليه بعد سقوط العاصمة بيد أنصار الله دون مقاومة تُذكر من القوات المسلحة والأمن.
رغم عدم اتفاقنا مع الكثير مما نصت عليه المقابلة المطولة للدكتور عبدالكريم الارياني الا أننا نحترم رأيه الذي صب فيه جام غضبه على إيران وعلى أنصار الله وعلى القرارات الصادرة عن اللجنة الدائمة في دورتها الأخيرة ووصفها بالباطلة، كما اتهم اللجان الشعبية بأنها تمثل وصفاً شاذاً - دولة داخل دولة- دون إشارة لما يجري خلف الكواليس من صفقات ومساومات سوف تنتهي بإعادة الدولة الى الوضع الطبيعي بعد استيعاب مطالب أنصار الله في استيعاب اللجان الشعبية في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية بدلاً من الحديث عن تحالف مزعوم معهم.
ووصف الدكتور الارياني أن الذين يطالبون بالانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة بالانقلابيين.. وقال: إنه لم يتم اجتثاث أحد من الوظيفة العامة في عهد الرئيس عبدربه منصور هادي الذي يدافع عن شرعيته في مواقعه القيادية في المؤتمر الشعبي العام، ولم يسمع منه كلمة إنصاف أن المؤتمر الشعبي العام قد تعرض للإقصاء الذي أوشك حد الاجتثاث والخروج نهائياً من حكومة الكفاءات.
كنا نريد منه بوصفه نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام وممثله في موقعه كمستشار لرئيس الجمهورية أن يقول فقط إن مجلس المستشارين كان قد خصص «9» حقائب وزارية للمؤتمر الشعبي العام وحلفائه ومثلها للمشترك وشركائه بوصفه الطرف الرئيسي الأول في المبادرة الخليجية، وأن رئيس الجمهورية قد أساء استخدام ثقة المؤتمر بنقيضه في تشكيل حكومة الكفاءات بصورة مخالفة لما نص عليه اتفاق السلم والشراكة ووثيقة التفويض التي ألزمته بالتشاور مع الأحزاب السياسية، وكنا نطلب منه أن يكون واضحاً في الاعتراف فيما قام به من أخطاء في اعتبار المؤتمر وحلفائه واحداً من المكونات التسعة لمؤتمر الحوار الوطني وفيما وافق عليه من نصوص وصلت حد تطبيق مبدأ العزل السياسي قبل أن يتحدث عن شرعية اجتماع الخيمة الذي أساء فيه بقصد وبدون قصد لمن شاركوا في هذا الاجتماع، لأن اعتبار المؤتمر وحلفائه أحد هذه المكونات التسعة قد كفل له حقاً محدوداً بالمشاركة الصورية غير المؤثرة في قرارات ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، ووجوده وعدمه شيء واحد، ومثله مثل الاعتبار الذي شكلت على أساسه حكومة الكفاءات، وكنا نطلب منه ان يشير ولو بإيجاز الى سلسلة الوساطات التي رفضها النائب الأول وقبلها رئيس المؤتمر وعلى فرض أن قرارات اللجنة الدائمة كانت مخالفة للنظام الداخلي للمؤتمر وهو افتراض غير صحيح نظراً لما نصت عليه اللائحة من تعديلات وافق عليها المؤتمر العام السابع.. الخ.
لأن مسؤوليته تستوجب إحقاق الحق وإبطال الباطل من باب الرغبة الموضوعية في تصويب الأخطاء، والتعامل مع النقد والنقد الذاتي البناء بدافع الحرص على البناء وليس من باب الرغبة في الهدم.
أتفق مع الدكتور عبدالكريم الارياني هذا السياسي الذي يشعر المؤتمر الشعبي بالفخر أنه كان من مؤسسيه وأنه كان ولايزال من قادته المرموقين الذين يشار لهم بالبنان من جميع المؤتمريين وفي مقدمتهم الرئيس السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام.. إن وحدة المؤتمر ستظل صمام الأمان لوحدة اليمن، لكن صدمتهم كانت قوية حينما قرأوا ما في المقابلة من قلب للحقائق والانحياز المطلق لطرف حتى ولو كانت قد انطوت على إدانة لرفاق دربه ومحبيه الذين يكنون له كل الاحترام والتقدير، ملتمسين له العذر في ما صدر عنه من مجاملات سياسية ودبلوماسية.
الانتخابات ضرورة
أعود فأقول إن الانتخابات هي البوابة الوحيدة لإنقاذ الوطن والشعب اليمني من الدوامة العنيفة لهذه الأزمات المركبة التي تهدد وحدة اليمن وأمنه واستقراره وتجعل كل طرف يشعر بأنه على الحق ويظهر الآخرين بأنهم على خطأ لأن المعالجات الترقيعية والتلفيقية لم تعد عملية مجدية أو مفيدة لشعب تهدده الاعتصامات والتظاهرات والاضطرابات والارهاب بالكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية تحت يافطات ثورية متعددة الأشكال والألوان.
ذلك ما حدث في العراق وذلك ما حدث في افغانستان وليبيا وتونس ومصر وفي جميع بلدان العالم التي ضاقت ذرعاً بالدكتاتوريات التي أوجدتها الوساطات الناتجة عن التدخلات الدولية، لأن المكتسبات الديمقراطية والانتخابية مازالت تصلح للاستفتاء على الدستور وفي مقدمتها السجل الانتخابي الذي بني على أسس ملتزمة بالمعايير الدولية ولا يحتاج فقط سوى إجراء بعض المراجعات الكفيلة بإزالة ما قد يحدث من التكرار، وهذا ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة.. حتى السجل الجديد الذي نص عليه اتفاق السلم والشراكة لم يقل إنه سجل الكتروني وفي إجراءاته سهولة ويسر.
لكن الحديث عن الالكتروني لا وجود له في معظم الديمقراطيات الناشئة، حديث عن سجل خيالي سابق لما وصل اليه الشعب اليمني من تقدم في بنيته التحتية مثل الكهرباء والسجل المدني وغير ذلك من الوسائل والآليات الفنية، إذا علمنا أن من أهم الضمانات التي توافقت عليها الأحزاب اليمنية في سابقة لم تكن موجودة في الكثير من البلدان الديمقراطية الناشئة تشكيل اللجنة العليا واللجان التابعة لها الأساسية والاصلية والفرعية من جميع الاحزاب على قاعدة يتفقون عليها.
لأن الحديث عن سجل الكتروني في بلد لم تصل فيه الدولة الى هذا النوع من التقدم الفني حتى في مؤسساتها وأجهزتها الحكومية التي تدار بالوسائل والتقنيات اليدوية مبالغ فيه.
وإذا كانت التجربة في الدائرة العاشرة قد فشلت بنسبة معينة في أمانة العاصمة نتاج البطء في عملية القيد والتسجيل وعدم استعداد الأغلبية من الناخبين للانتظار وتكرار العودة الى اللجان فإن الفشل سيكون كبيراً في الأرياف التي لا توجد فيها الكهرباء بصورة مستمرة ودائمة والأمن والاستقرار.
إن القفز على الواقع ضرب من المغالطات والمبررات الواهية التي تباعد بين الشعب وبين حقه في انتخاب قياداته بصورة ديمقراطية مثله في ذلك مثل غيره من الشعوب.
لأن التصور في العملية الديمقراطية لا يعني أن الأفضل هو استبدالها بالدكتاتوريات وما ينتج عنها من تحالفات كارثية للدستور والقوانين النافذة.
أقول ذلك وأقصد به أن الاحتكام للديمقراطية تستوجب القناعات الايديولوجية الدائمة والثابتة عند جميع الاحزاب والتنظيمات السياسية المعتمدة حسب القوانين النافذة بعد أن أكدت تجربة حكومة الوفاق الوطني -التي شُكلت بمقتضى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة- انها أسوأ حكومة عرفتها الجمهورية اليمنية منذ قيام الوحدة والديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة..
ذلك ما يعرفه جميع السياسيين حزبيين كانوا أو مستقلين وذلك ما يمكن للباحث المقارن أن يتوصل اليه من خلال دراسة علمية مقارنة بين ما كانت عليه الأوضاع وبين ما هي عليه اليوم في شتى مناحي الحياة.
حتى على صعيد الاحزاب والتنظيمات السياسية لابد للديمقراطية أن تسود ولابد للهيئات والمستويات القيادية أن تخضع للانتخابات إذا أرادت تحويل هذه الاحزاب والتنظيمات السياسية الى مدارس تعلم أعضاءها ما هم بحاجة إليه من ثقافة ديمقراطية يتعلمون منها كيف يحترمون نتائج الصناديق الانتخابية وكيف يقدمون أنفسهم لجماهير الشعب من خلال ممارساتهم للديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة «أغلبية تحكم وأقلية تعارض» من خلال برامج انتخابية تعد فيها الاحزاب المتنافسة بما سوف تقوم به من تنفيذ بعض منجزات عملية خلال الفترة الزمنية التي حصلت فيها على ثقة الهيئة الناخبة وتجعل الحكومة والسلطة التنفيذية خاضعة للرقابة البرلمانية المنتخبة من أبناء الشعب.
قد يكون الحوار جزءاً من هذه الثقافة الديمقراطية لكنه ليس بديلاً للصناديق الانتخابية لأن الحوار يعلمنا كيف نتقارب على الحلول الوسطية لحل المشاكل الخلافية نخرج به على الأكثر على خطوط عامة وعريضة لما نحن بحاجة اليه من منظومة دستورية وقانونية تحدد الحقوق وتبين الواجبات للمواطنة المتساوية وللدولة المدنية القادرة على الانتصار لسيادة القانون، أما ان يتم تمرير الدستور من هيئة معينة وغير دستورية دون مشاركة مجلس النواب فذلك مخالفة صريحة للمبادرة الخليجية، لكن هذا النوع من الحوار لا ينتج عنه أصنام مقدسة من المخرجات والمنطلقات الصالحة لكل زمان ومكان ولا يلزمنا بأن نتحول الى عبيد لتلك القوالب والنصوص الجامدة التي تلغي الدور الفاعل للعقل في الاجتهاد والبحث عن الجديد والاستفادة من إيجابيات التجارب الإنسانية، ناهيك عما نصت عليه المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية من إعطاء مجلس النواب الحالي حق مراجعة الدستور.. ومعنى ذلك لو كانت هذه القرارات والتوصيات التي نطلق عليها مخرجات الحوار بما فيها مشروع الدستور الجديد لا تستكمل ما هي بحاجة إليه من الشرعية إلاّ عن طريق السلطات الدستورية، وليست مجرد نصوص كاملة وصالحة لكل زمان ومكان، لما كنا بحاجة الى لجنة من القانونيين والفقهاء لكتابة مسودة الدستور ولما كانت هناك حاجة لهذه اللجنة لهذا النوع من الاسفار المكلفة التي استوجبت فترة زمنية طويلة طالما أن مخرجات الحوار قد حددت النصوص الواجب اعتمادها في صياغة الدستور الجديد.. اليوم بات واضحاً أن هناك من لا يريد للانتخابات البرلمانية والرئاسية أن تجرى في المدى المنظور، في وقت يؤكد فيه الواقع أن البلد تسير من سيئ الى أسوأ، وأن الدولة الواحدة أصبحت تتكون من دولتين دولة داخل الدولة، وأن الشرعية أصبحت تُستمد من البندقية وليس من الشعب.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|