غيلان العماري - فيما قبل العام 2011م قادت الدولة حروبها المتتالية لتعقّب الحوثي وجماعته المسلحة في جبال رازح ومرّان بصعدة، من جملة أسبابٍ ذُكرت حينها بأنه تم محاصرتهم كمتمردين افتأتوا على الدولة حقها في الإدارة والحكم هناك...قيل بأن الجيش يومها كان بوسعه الوصول إلى أبعد من مرحلة الملاحقة والحصار ، لكنّ تغلغلَ إرادات بعض القوى المتصارعة في شؤونه، حالَ دون قدرته على الإنجاز والحسم..
دارت الأيام وأتى الربيع غير الطلق فانطلقت الفوضى من عقالها، وأطلقت الجماعات المسلحة لساقي فلتانها العنان ومنها جماعة الحوثي التي قصّت باعتداءاتها المتكررة على "دمّاج" شريط مرحلة جديدة حمَلَت في طيّاتها نُذر إحترابٍ داخلي وخيم،،
كان بوسع الدولة -على اعتلال واقعها آنذاك - أن تُظهِرَ قدراً من التماسك والثبات، لكنّها اهتزّت، فسقطت في متاهاتٍ سحيقةٍ من حضورٍ مخجل ظلّ يتدثّرُ باللجان كوسيطٍ حَمَلَ من الرّيبة ما يكفي لقذفه بتهمة التواطؤ والخيانة.
تم الإعتذار للحوثيين بُعيد احتضانهم كشركاء في العملية السياسية التي شاب مراحلها السابقة الكثير من العورات والعثرات ، لقاء ذلك ، وفي "الموفمبيك" وتحت سقف مؤتمر الحوار الوطني ، كان للصوت الحوثي أن يظهر وبقوة...ولعلّنا نذكر كيف بدا ممثلهم أكثر اعتراضاً واستعراضاً بين يدي خطاب الرئيس هادي أثناء الإفتتاح!
كان "الموفمبيك"يصفّق مبتهجاً بالحوار، وكان الحوثيون ضمن هذا الكل المبتهج وزيادة ، بينما ظلّ الرئيس هادي يقلّب على نارٍ غير هادئة خياراته ، بل صفقاته المثيرة ، ومن بينها كانت الصفقة الكارثة ؛ صفقة حياد الدولة أو بالأحرى خروجها عن الخدمة والإيذان ببدء مرحلة وطنية غارقة في المجازفة والجهالة والمجهول....
شرعت يدٌ للحوثيين في صنعاء تحاور، وأخرى في صعدة تحارب وتنشب في جسدها الغضّ مخالبها القاتلة ، بينما واصل "الموفمبيك" التصفيق وبحرارة، أما هادي فقد آثر البقاء في شرفة الصمت،يدّعي الحياد حيناً فيشكل للأمر
-على فداحته- واسطاتٍ ولجان...
وآخرَ يخرج فيه عن دهر صمته ولجانه،لكنّه يسقط في المحظور:
"على سلفيي صعدة، "دمّاج" تحديداً سرعة المغادرة" يقول الرئيس "السّمخ"، ويضرب لذلك وعداً ووعيدا، بضعة أيام للرحيل ما لم فإنّ الطيران الأمريكي سيتدخّل لحسم الترحيل القسري!!
كان هذا بمثابة التدشين الفعلي لخروج الدولة من الخدمة وكان بالنسبة للحوثيين أولى حلقات التمكّن والتمكين، فنفضوا عن كواهلهم أسمال التردد ومضوا يضربون بسيف غيابها كلّ من يقف في وجه طموحاتهم التي لم تتوقف عند حد.. وكان لرغبة السواد الأعظم من هذا الشعب في الإنعتاق من حاضرٍ وطني يحتضر ؛ الإسهام الفاعل في الرفع من أرصدة حضورهم كمنقذين، تعدّدت النزاعات المسلحة وحمي وطيسها واقتربت بنيرانها من صنعاء فيخرج الرئيس زافّاً البشرى:
»سنقف من الجميع على مسافة واحدة«!
تعدّت الإضطرابات بخطرها الحدود الآمنة المعقولة وبات القصر الرئاسي تحت رحمة المليشيات المسلحة وكالعادة يخرج الرئيس "السّمخ" لكنه غاضباً هذه المرّة ليقول:
"أنا لا أفهم ماذا يريد الحوثيون"!؟.
كم تمنيت حينها لوكنت بجانبه، إذاً لهمست في أذنه وقلت:
فقط هم يريدون منك يا فخامة الرئيس أن تظلّ محايداًوفيّا، وبطريقتك الباعثة على الشجاعة والشموخ!
وما دمت لا تدري فتوقع مثلاً أن يطلبوا منك إصدار مرسوم وطني يخلّد قيمة الحياد الرسمي، ويُحَدّد فيه الـ 21 من سبتمبر العظيم مثلاً كعيدٍ وطني لهذا الشعب المحايد العظيم!
أن تتقدم نحوهم أكثر وقد فعلتَ فتؤخر عنّا وعنك وطناً غدوتَ اليوم ذنبه الأول والأخير!
لقد ساهمتَ أكثر في إسقاط أهلية الدولة حتى بدت قاصرةً في نظر الجميع، فهل كنت تتعمّد فعل ذلك حتى يتم البحث عن ولايةٍ مشبوهةٍ تملأ فراغ هذا الوضع المرتبك القاصر ؟
ماذا صنعتَ بأحلام أولئك البسطاء الذين راهنوا عليك كثيراً بعد سنوات من الخيبات عجاف؟
إنّ غياب الدولة بل تغييبك لها ، معناه حضور الفوضى واستدعاء المزيد من النزاعات "الغابيّة" الغبيّة ، التي أطلقت وتطلق لأذاها العنان،؟
فأي رئيس أنت وحضورك الباهت يوسّع من خيارات هذا الشعب- وهو الماثل للغرق - بأن يتشبّث في سبيل الإبقاء على حظوظه في الحياة بما شاء من وسائل النجاة حتى وإن بدا الطوق حوثياً بامتياز!
ها أنت تبدو اليوم كساقطٍ من على سفح جبل يمدُّ ذراعيه متشبثا بكل مايلوح لناظريه من شجرٍ وحجر، علّها تعيق تهاويه وسقوطه ، لكن أنّى له ذلك وهو الذي تجرّد في سبيل الوهم من كل ما يدفع باتجاه سلامته وتعافيه!؟
فلتذهب غير مأسوف عليك،
ولهذا الوطن الأسمى السماء.
|