بقلم/عبده محمد الجندي -
مما لاشك فيه أن مصلحة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة تستوجب نجاح الدعوة الى نبذ الاساليب الانتقامية والانتقائية التي أدت وتؤدي الى المزيد من الفرقة والشتات والحيلولة دون تحقيق التصالح والتسامح وتهدئة الخطابات السياسية والاعلامية المثيرة للصراعات والنزاعات المذهبية والطائفية والإرهابية، القاتلة للحياة وللحرية والديمقراطية وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي لا تتحقق إلاّ في ظل الأمن والاستقرار وما يرافقه من التعاون والتكافل والتفاعل الداعم والمساند لمؤسسات الدولة وقدرتها على القيام بمسئولياتها الدستورية والقانونية في حماية الحقوق والحريات على قاعدة الوضوح في الربط بين الحق والواجب وبين السياسة والاقتصاد وبين الانتاج والخدمات وبين الأمن والسلام بحيث يكون الواجب هو المدخل للحصول على الحق.. لأن من لا يقوم بواجباته الوطنية تجاه شعبه ووطنه لا يمكنه أن يحصل على ما له من الحقوق إلاّ من خلال حق أداء ما عليه من الواجبات تجاه المجتمع وتجاه غيره من التجمعات والجماعات والأحزاب والتنظيمات السياسية.. بعيداً عن عبادته لذاته وتربصه بما لغيره من الحقوق والحريات لأن حبه للأنا ولانسياقه خلف الأنانية مغامرات صبيانية لا ينتج عنها سوى اضافة كراهية الى كراهية واحقاد الى احقاد وتفقد الشعب ما هو بحاجة إليه من السلوك والقيم الوطنية والاخلاقية والديمقراطية الموجبة لتبادل التنازلات بين ابناء الشعب الواحد بكافة قواه وتكويناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاكمة والمعارضة على حد سواء.. في أجواء هادئة ومستقرة لا يسودها الخوف الناتج عن الانفعالات والتوترات العصبية.
الاغلبية العددية في اللجنة الدستورية
أعود فأقول إن كلمة الأخ رئيس الجمهورية اثناء استقباله للجنة صياغة مسودة الدستور قد دعت اللجنة الوطنية للاشراف على تنفيذ مخرجات الحوار الى القيام بمسئولياتها في مراجعة المسودة وتبادل التنازلات والتهدئة الاعلامية، موجهاً حديثه بصورة مباشرة وغير مباشرة الى كافة المكونات.. لا أعتقد أنه كان غافلاً عما تمليه عليه مسئولياته التاريخية من تجرد من الحسابات الذاتية تجاه الجميع سواءً أولئك الذين يشعرون أنهم منتصرون لوجهة نظرهم الذاتية أو أولئك الذين يتجرعون مرارة الشعور بالهزيمة فيما فرضته عليهم الأغلبية العددية في اللجنة الدستورية من نصوص بمثابة تفصيلات ومحرمات لا تساوي بين أبناء الشعب اليمني الذي يجب أن يكون هو المنتصر الحقيقي في الاستفتاء على الدستور والاحتكام لإرادته الحرة والكفيلة بحكم الشعب نفسه بنفسه طبقاً لما تعنيه الكلمة اليونانية التي كانت سباقة في الديمقراطية لأن الهيئة الشعبية الناخبة هي صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة في سباق التداول السلمي من خلال الاحتكام للصناديق الانتخابية في سياق التحول العظيم من الفترة الانتقالية القائمة على الشرعية الثورية المشحونة بالتوتر والقلق الى الشرعية الدستورية المستعدة للاحتكام للإرادة الشعبية الحرة وفقاً لما هو نافذ من مرجعية دستورية وقانونية على قاعدة أغلبية تحكم وأقلية تعارض في ظل الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة والدولة الاتحادية القائمة على تعدد الاقاليم وتعدد السلطات الاقليمية والمحلية والمركزية للدولة الاتحادية، المتوافق عليها من جميع التكوينات السياسية.
أقول ذلك وأقصد به أن الشرعية الثورية التي جعلت الفترة الانتقالية مشوبة بالكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية من أكثر الفترات دموية سوف تليها شرعية دستورية يتطلع الجميع الى أن تكون محكومة بالوسائل والاساليب السلمية.
عقد اجتماعي دون عيوب
أعود فأقول إن هناك الكثير من الآراء والملاحظات النابعة من حرص على استكمال الوثيقة الدستورية باعتبارها العقد الاجتماعي الذي لن يكون مكتملاً إلاّ بحصوله على ثقة الشعب بعد الاستفتاء عليه.. ومعنى ذلك أنه لابد من مراجعة جادة ومتجردة من الحسابات الحزبية الضيقة ومن التناقضات بين نصوصه وقواعده وفصوله وأبوابه حتى لا يجد بها ذوو العلم والفقه الدستوري والحقوقي عيوباً يتعرض لها النقاد من الناحيتين السياسية والحقوقية الموجبة لتبادل الاتهامات.
أقول ذلك وأقصد به أن الدستور لا ينبغي أن يكون نصوصاً وقواعد مفصلة على مقاس الافراد والجماعات والأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الجماهيرية، وقيوداً غير ديمقراطية وغير حقوقية ضد من يعتقدون أنهم خصومهم ومنافسوهم في أي عمليات انتخابية محلية أو برلمانية أو رئاسية ، سوف تشعرهم بالندم بعد أن يتركوا مواقعهم وقوتهم ويعودوا الى ساحة المواطنة ولكن بعد فوات الأوان.
الأمر الذي يستوجب المراجعة بعقليات ديمقراطية مستعدة للقبول بالحذف والاضافة بحثاً عن الاجماع.. ولابد أن تكون مواقف رئيس الجمهورية المعلنة وغير المعلنة حريصة على هذا النوع من المراجعات لأن المردودات لهذه المراجعات سوف تنعكس سلباً وايجاباً على رئيس الجمهورية.
وحتى تبدأ المراجعة وتستمر في أجواء وفاقية واتفاقية واعدة بالتوافق والاجماع على هذه الوثيقة لابد للتصالح والتسامح أن يحقق اهدافه من أجل اصطفاف وطني ديمقراطي داعم ومساند للاجماع ورافض لكل الاساليب والوسائل الارهابية من أجل فضاءات واعدة بالسلمية والتعاون الذي نفرق فيه بين الاختلاف في الرأي وبين ما في قلوبنا ونفوسنا من عداوات انتقامية.. لأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ولأن الصراعات والحروب عملية تالية للخطابات السياسية والاعلامية المثيرة لما لدينا من احقاد ونزعات ثأرية كامنة لابد من السيطرة على ما لدينا من وسائل اعلامية مرئية ومسموعة ومقروءة والكترونية حزبية ومستقلة وحكومية.
إعلام جلال
وفي هذا الاطار لابد من الاشارة الى أن اخطر أنواع الاعلام ذلك المستند الى دعم رئيس الجمهورية الذي هو بحكم عمله وموقعه رئيس لكل الناس ولكل الأحزاب والتنظيمات السياسية وعلى وجه الخصوص تلك المواقع المحسوبة على نجل رئيس الجمهورية والمسخرة للاساءة لرموز وقيادات الجماعات والأحزاب والتنظيمات السياسية التي شاركت في التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وعلى اتفاق السلم والشراكة، أو تلك القوى السياسية والشخصيات الاجتماعية المستقلة، وما ينتج عن تلك الاستفزازات غير المسئولة والتي تفتقد للمصداقية والمسئولية من ردود افعال دعائية معاكسة لها في الاتجاه ومساوية لها في القوة ينظر اليها الشعب أنها أكثر مصداقية وموضوعية كونها جاءت من المعارضة وكونها وليدة حق الدفاع عن النفس، تأبى إلاّ أن تقحم رئيس الجمهورية في معركة اعلامية مع من حوله لا ناقة له فيها ولا جمل لأنه بحكم موقعه الأول في الدولة لا يحتاج الى الدخول في هذا النوع من المعتركات السفسطائية المثيرة للجدل وهو بحكم موقعه الأول مطالب بأن يكون أكثر استعداداً للقبول بالنقد مهما كان مؤلماً ومستفزاً ومنفعلاً، لأن لديه من وسائل الاعلام الرسمية ما يمكن من توضيح ما لديه من حقائق تفرض على هؤلاء النقاد الذين يعتقد أنهم يخرجون عن النطاق المكفول والمعقول للنقد بدافع الحرص البناء الى النقد الهدام الذي يفتقد للمصداقية والموضوعية بصورة تنعكس سلباً على المروجين له وتفقدهم ما هم بحاجة اليه من المصداقية والموضوعية والاحترام، بصورة تؤدي الى ردود افعال غاضبة من داخل الاحزاب والتنظيمات السياسية.
أقول ذلك وأقصد به أن هذه المواقع المثيرة للكثير من الشبهات التي تعتمد على الاموال الرئاسية والتي تقوم بها عناصر لا تقدر ما يحتاجه رئيس الجمهورية من الاعوان والانصار ولا تعلم أنها بما تقوم به من دعايات غير مسئولة تحمل رئيس الجمهورية أكثر مما يتحمله وتظهره بأنه لا يقدر ما حصل عليه من دعم ومساندة تلك القوى الحزبية والسياسية التي دعمته وغمرته بما حصل عليه من الثقة وتجعله هدفاً للدعايات والمناكفات الحزبية التي تحول اصدقاءه وحلفاءه الى اعداء بعد أن كانوا في مقدمة الداعمين والمساندين له بحكم ما بينهم من علاقات اخوية وودية مبنية على الاحترام الناتج عن الثقة وما يترتب عليها من الاحترام المتبادل.
لن أتطرق الى ما تقوم به هذه المواقع من حملات دعائية مسيئة وجارحة يكتبها هذا النوع من السفهاء المتحاملين على رئيس المؤتمر الشعبي العام رئيس الجمهورية السابق تدفع بعض من حوله الى ردود افعال بذات النوع من المواد الهابطة التي لا تليق بما كان بينه وبين الرئيس من علاقات الود والاحترام وأخوة الدرب الواحد والمصير الواحد.
تدفع الرئيس الى مواقف واجراءات يستدل منها على تعامل لا يليق برئيس جمهورية.. بعد أن كشفت الاحداث ان الولاء لرئيس المؤتمر يشبه ولاء أنصار الله لعبدالملك الحوثي وأنه ليس بمقدور رئيس الجمهورية بما لديه من المال والسلطة استمالة هؤلاء الى صفه بعد أن كشفت هذه المواقع عن المستور وعما كان يخفيه رئيس الجمهورية من عداء للمؤتمريين، لكن هناك كتابات واتهامات بحق الكثير من الشخصيات الوطنية القريبة من فخامة الأخ رئيس الجمهورية والتي كانت الى الأمس القريب تنتهج مواقف متوازنة وحريصة على وحدة المؤتمر الشعبي العام واستمرت كذلك الى أن تحولت من النقيض الى النقيض لما شعرت بأنها هدف لهذا النوع من الكتابات اللامسئولة التي يجهل من يقومون بها أن الحرب في بدايتها كلام لان الرموز القيادية المعتزة بذاتها تعلم سلفاً أنه ليس لديهم ما يحافظون عليه سوى الكرامة.
التطاول على رموز المؤتمر
أعترف بأنني سأحرص على واقعة محددة دون الاستطراد نحو غيرها من الاساءات التي وجهت لغيره من الاشخاص أمثال الدكتور احمد عبيد بن دغر والاستاذ عارف الزوكا وغيرهما من القيادات المؤتمرية المبدئية ومنهم الشيخ ياسر احمد سالم العواضي ولن أتطرق الى ما قيل بحق الشيخ سلطان البركاني حتى لا أُتهم بالمناطقية ولأن تلك الاساءات قد قوبلت بردود أفعال غاضبة معاكسة لها في الاتجاه ومساوية لها في القوة.. مع أن الاساءة للشيخ سلطان هي اساءة لما لديه من مكانة رفيعة في محافظة تعز كثيفة السكان.. أقول ذلك وأقصد به أن التطاول على الشيخ ياسر العواضي واتهامه بما ليس فيه من العيوب هو في انعكاساته السلبية تطاول على الدور النضالي والوطني المشرف لآل العواضي الاحياء منهم والاموات وعلى ما يحظون به من المكانة السياسية والاجتماعية الرفيعة لأسرة وقبيلة ومحافظة عُرفت بالوفاء والمروءة والكرم والشجاعة والنزاهة والاستعداد الدائم للتضحية بالذاتي من أجل الموضوعي، وقدمت من أجل نصرة الثورة اليمنية سلسلة من التضحيات ومن الشهداء نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ المناضل الشهيد احمد عبدربه العواضي الذي يطلق عليه لقب فاتح طريق «الحديدة- صنعاء» إبان حصار السبعين الذي قضى نحبه وهو يشغل موقع محافظ محافظة تعز تاركاً في رحيله تعاطفاً وحباً لا يقاس في جميع المحافظات..والمناضل الشهيد احمد سالم العواضي عضو مجلس النواب الذي عين محافظاً في أكثر من محافظة وغيرهما الكثير من الشهداء الذين لا يتسع المجال للتطرق لاسمائهم في مقال كهذا قتل الشيخ احمد سالم العواضي محافظ المحويت مظلوماً من أولئك الجبناء الذين استبسطوا الغدر والخيانة مذكراً هؤلاء السفهاء الدخلاء على مهنة الصحافة أنهم تعمدوا الاساءة لواحد من أبرز القيادات المرموقة والمؤثرة في سماء السياسة اليمنية، واذا كان من دواعي الشرف العظيم لمثل هؤلاء العظماء الذين تقدموا الصفوف أن يغادروا هذا العالم وهم فقراء رغم المواقع الرفيعة التي شغلوها يكفيهم فخراً أنهم رحلوا في مواكب جنائزية مهيبة ومشرفة لأبنائهم واحفادهم جيلاً بعد جيل.
أما أن يكون الشيخ ياسر العواضي متهماً من وجهة نظركم في ملكية مطبعة تصدر عنها صحيفتا «الأولى» و«الشارع».. فذلك شرف له بأنه صاحب ملكية استهلاكية وليست ملكية انتاجية، يكفيه فخراً وشرفاً ونبلاً أن تصدر عن هذه المطبعة المتواضعة صحيفتان في مقدمة الصحافة الوطنية المستقلة التي هزت أوكار الفساد وتسود صفحاتها هموم الناس ومعاناتهم اليومية بشجاعة منقطعة النظير لا تخاف في قول الحق لومة لائم سواءً أكانت الأولى أو الشارع مملوكتين للقائمين عليها أو كان للشيخ ياسر علاقة بملكيتهما الخاصة.. فهو يمثل قوة دعم مادية ومعنوية للانتظام والحماية، رغم علمنا وعلمكم أن مثل هذه الصحافة المعارضة لا ينتج عنها سوى المتاعب.. متناسية انه صاحب جميل أول من استقبل واستضاف المشير عبدربه منصور هادي ورفاقه في بيوته العامرة..
نعم لقد اخطأت هذه المواقع فيما روجته من الاتهامات الجارحة لرجل بحجم الشيخ ياسر العواضي ومكانته السياسية والاجتماعية البارزة دون تفكير بالاتهامات الموجهة لصاحب هذه المواقع الاخبارية الذي تذهب اليه جميع المساعدات الخارجية الموجهة للدولة- حسب ما أوردته الصحافة الأمريكية وتناولته الصحافة اليمنية في أكثر من موقع وأكثر من قناة فضائية وصحيفة.
أقول ذلك وأقصد به أن التطاول على مثل هؤلاء الأعلام وغيرهم من الذين لم نذكرهم يدل على سياسة خاطئة ومواقف غير عقلانية لا تفكر بانعكاساتها السلبية على رئىس الجمهورية الذي يحتاج الى علاقة متينة مع مثل هؤلاء الرجال المؤثرين على الاتجاهات العامة للرأي العام لا ينتج عنها اضافة شعبية الى شعبية بقدر ما ينتج عنها البحث عن تمديد بوسائل غير مجدية..
نعم من الصعب أن نكسب قادة الرأي العام الى صفوفنا المؤيدة بهذه الأساليب الانتهازية المنفرة في أي زمان ومكان ولكن من السهل أن نخسر المواقف المؤيدة لمثل هؤلاء القادة الذين لا غنى لرئيس الجمهورية عن التعاون معهم واستمالة مواقفهم اذا رغب في الاستمرار طويلاً في موقعه الرفيع والأول.. لأن ما يحدث للقيادات المؤتمرية من اساءات ومعاملات منفرة يحدث لغيرهم من القيادات السياسية والحزبية في غيرها من المكونات السياسية التي طالتها مثل هذه الكتابات وحولتها من موقع الصداقة الى موقع العداوة.. ومهما كان اعتقادنا بأننا قد كسبنا الجنوبيين الى صفوفنا فإننا في الحقيقة قد أوجدنا الحواجز المنفرة للجنوبيين والشماليين المؤمنين بما نؤمن به من وحدة.. لأن رئيس الجمهورية الذي وصل الى موقعه بالاجماع الوطني لا يستطيع الاستمرار فيه مكتفياً بالدعم الدولي وحده لأن استرضاء شعبه أهم من استرضاء رؤساء الدول الغنية والدول العظمى وشراء الولاءات لأن الانتخابات سوف تفرض نفسها ولو بعد حين بين التمديد والمغالطة السياسية التي تمر بمراحلها النهائية.
أخلص من ذلك الى القول إن الاعلام بدون إعلاميين مجربين وأصحاب مواقف مبدئية ثابتة تعرف متى وأين وكيف توضع الكلمة البناءة بلغة أخلاقية تستمد فاعليتها من المصداقية والموضوعية، يتحول من النقيض الى النقيض ويلحق الضرر بمن هم في الحكم أكثر من الاضرار بمن هم في المعارضة.