محمد علي عناش -
لم تكن قضية الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة في اليمن، إلا واحدة من القضايا الوطنية الخطيرة التي تعاطت معها الأحزاب والقيادات السياسية، بكثيرمن التضليل والانتهازية والابتزاز السياسي في مواجهة الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح سواءً قبل أزمة 2011م أوبعدها، ضمن متوالية من القضايا التي لعبوا دوراً رئيسياً في إثارتها وتأجيجها والمتاجرة بها، وها هم اليوم يفرون من مواجهة الحقائق إلى إثارة أزمات جديدة وتضليل جديد وجدل بيزنطي عقيم مفلس على جميع المستويات.. ربما تكون القضية الجنوبية إلى جانب قضية الإرهاب، هما أبرزالقضايا التي تجلت فيها المواقف المائعة وروح الابتزاز السياسي لأحزاب المشترك، تجاه النظام السابق الذي كان يمثله المؤتمر الشعبي العام والرئيس السابق علي عبدالله صالح، هذه المواقف التي لعبت فيها ارتباطات وعلاقات أطراف في المشترك بهاتين القضيتين ارتباط مصالح وعلاقات تنظيمية مباشرة وغير مباشرة، وإنطلاقاً منها توحدت وتناغمت مواقف أحزاب المشترك وخطابها السياسي التكتيكي فيما يتعلق بالقضيتين، بتجييرها على النظام السابق وتحميله المسئولية تجاه كل الحوادث والتداعيات، سواءً أكانت عمليات إرهابية أومصادمات واحتجاجات تطالب بالانفصال وترفع الأعلام الشطرية بالقوة في المدارس والمؤسسات الحكومية.. ولو لم تكن هذه الأحزاب مؤطرة في تحالف مشترك قائم على المصالح المتبادلة، كنا سنرى الإصلاح يتهم الاشتراكي بالانفصالية وأنه وراء كل ما يحدث في المحافظات الجنوبية ويشير بأصابع الاتهام وبالاسم إلى قيادات كبيرة في الحزب الاشتراكي، بأنها من تقود وتتبنى الحراك الانفصالي، بل ويرفع دعوى قضائية ضد صحيفة «الثوري» مطالباً إغلاقها، لأنها تبث ثقافة الكراهية وتغذي النزعة الانفصالية وتزعزع الهوية اليمنية الواحدة، وفي المقابل كنا سنرى الحزب الاشتراكي، يتهم الإصلاح بالإرهاب، ويتهم قيادات كبيرة في الإصلاح بارتباطها المباشر وغير المباشر بتنظيم القاعدة وأن جامعة الإيمان إحدى الحواضن التعليمية التي ترعى الإرهاب وتفرخ الإرهابيين ،بل ويطالب السلطات اليمنية والمجتمع الدولي بحل حزب الإصلاح وفرض عقوبات دولية على الكثير من قياداته ومراكز قواه، وصولاً للمطالبة بإدراجه ضمن المنظمات الإرهابية..
الواقع الراهن يحكي بجلاء أن هذه الأحزاب لم يكن يجمعها مشروع وطني في تعاطيها مع الأحداث والقضايا حتى في الاتفاقيات التي توقعها مع الأطراف الأخرى، وإنما كانت تجمعها مشاريعها وأهدافها الخاصة ومصالحها المتبادلة، ولم تتحلى بالموضوعية والمصداقية في تعاطيها مع الشأن العام، وإنما تحلت بالكيد والتضليل والانتقام وشخصنة القضايا وتمييعها وعرقلة حلولها ومعالجاتها.. فالقضية الجنوبية نفخوا الكير فيها وأججوا أوارها واستعذبوا تطوراتها السلبية وانزياحاتها عن المطالب الشرعية والمقبولة، إلى مطالب باتت تغذي روح الانفصال وثقافة العداء والكراهية والتي ارتفع سقفها عملياً، إلى ممارسة القتل والتقطعات وإحراق المحال التجارية، بخلفيات مناطقية وطائفية، هذه الأحزاب كان يروق لها هذه التطورات وتستعذبها نكاية بالحاكم، ولم تقدم أبسط المبادرات المعقولة للحلول والمعالجات منذ بداية الحراك أوالاحتجاجات، وإنما استثمرتها ضمن اللعبة السياسية القائمة على تحالفات المصالح، وظلت القضية الجنوبية تعيش مجهوليتها مختزلة في كلمتين «الحراك الجنوبي السلمي» وحبيسة بداخل هذا المصطلح لم تغادره إلى فضاء وطني والمعقول من الحلول والمعالجات، حتى أثناء حكومة الوفاق الوطني التي كان فيها القرارلهذه الأحزاب طوال ثلاث سنوات، غير أن المتغيرات التي فرضتها ثورة 21سبتمبر بعد إزاحة واسقاط حكومة الوفاق الفاسدة والفاشلة، أخرجت هذه الأحزاب من صمتها ومراوغاتها، لكن إلى طور جديد من المراوغة والابتزاز والتأزيم السياسي، ضمن تحالف ناشئ يبتلع المساعدات بمئات الملايين من الدولارات ويوظفها في شراءالذمم والولاءات وبث ثقافة الكراهية وإثارة الأزمات هنا وهناك، والسعي إلى تفريخ المؤتمر إلى شمالي وجنوبي، بالتزامن مع طرح فكرة فدرالية الحزب الاشتراكي بنفس البعد والتصلب عند طرح مشروع الاقليمين والتمديد للرئيس هادي لفترة جديدة ربما تكون خمس سنوات قادمة.
ومن القضية الجنوبية إلى قضية القاعدة وإرهابها، والتي لم تكن لدى هذه الأحزاب وقياداتها وإعلامها قضية خطيرة واقعية تستدعي مواجهتها والقضاء على هذا التنظيم بكل الوسائل والإمكانات، وإنما كانت لديها ليس إلا فزاعة صالح أو قاعدة صالح.. بكل بساطة كانت هذه هي الإجابات الجاهزة لدى هذه القيادات، ووصل الأمرإلى إصدار بيانات تندد بالضربات العسكرية التي كانت تستهدف بعض مواقع التنظيم في أبين وشبوة وحضرموت، أو لأي إعتقال يطال مشتبهين بإنتمائهم للقاعدة.. الحقيقة أن اللقاءالمشترك لم يتأسس على تناغم وقناعات منبثقة من مشروع وطني واضح المعالم والمواقف، يجسد بالفعل روح الدولة المدنية ويهيئ الطريق للسيرفي إتجاه التغيير والتحولات الشاملة، وإنما هوأشبه بالتحالف القائم على مشاريع وأهداف حزبية خاصة، ولم يكن يجمعها من قواسم مشتركة، سوى نزعة الانتقام السياسي وشخصنة القضايا وممارسة التضليل وقلب الحقائق، وتحالفات حزبية كهذه قائمة على المصالح المشتركة الضيقة، واستمرار هذا التحالف لأكثر من عشر سنوات، رغم كل ما يحمله بداخله من تناقضات في التوجهات، شوه الصوت السياسي المعارض، ورسخ ثقافة الانتهازية السياسية، وعطل قيام كتلة سياسية مدنية حاملة للمشروع الوطني ومتجردة من حسابات المصالح والمنافع والثأر السياسي..اليوم هذه الأحزاب أمام حقائق الواقع واللحظة الراهنة، حقائق إنهيارالدولة وحقائق العمليات الإرهابية للقاعدة التي ارتفعت وتيرتها بشكل هيستيري وحقائق الانهيار الاقتصادي وحقائق الفساد الرئاسي وحقائق تمزقات النسيج الاجتماعي، لا يفرون من هذه الحقائق إلى مراجعة الذات والأخطاء وإلى فرز جديد واصطفاف وطني حقيقي، وإنما يفرون إلى تحالفات جديدة بنفس الآلية ونفس النزعة في الانتقام والتمييع للقضايا وإثارة الأزمات، الأمر الذي يستدعي من المؤتمر الشعبي العام أن لايظل واقفافي مكانه، وإنما يجب عليه أن يتحرك ويقود القوى المدنية لحراك ناهض يصوب أخطاءالمرحلة ويحول دون المزيدمن التداعي وينتصرللدولة والخيار الديمقراطي وحق الشعب في اختيارحكامه وممثلية.