بقلم/ عبده محمد الجندي - قد يكون بمقدور المكونات السياسية الموقعة على اتفاق السلم والشراكة ان تخرج بحلول غير عادلة لما تعانيه البلد من أزمة الفراغ الدستوري إذا استخدمت ما لديها من القدرات السياسية خارج نطاق ما تبقى من المؤسسات الدستورية ولا تترك لنواب الشعب سوى تمرير ما تم التوافق عليه بين القيادات السياسية والحزبية بذات الاسلوب الذي شكلت فيه حكومة الكفاءات، لكن هذه الحلول غير المدروسة وغير الديمقراطية وغير الدستورية ما تكاد تظهر إلاّ لتختفي منذرة بأزمة جديدة تضاف إلى لا قبلها من الأزمات المركبة تدفع الشعب إلى مواقف رافضة لهذا النوع من الترقيعات والترميمات التي يتم الاتفاق عليها خارج نطاق المؤسسات الدستورية، وبعيداً عن المشاركة الشعبية المباشرة وغير المباشرة التي لا تخلو من التكتيكات والمناورات السياسية والحزبية الهادفة إلى تمديد الفترة الانتقالية وعدم تمكين الهيئة الشعبية الناخبة من ممارسة حقوقها في الانتخاب والترشيح لما هي بحاجة إليه من القيادات التشريعية والتنفيذية..
اقول ذلك وادعو المتحاورين في فندق «موفمبيك» ان يحذوا حذو الأخ رئيس الجمهورية في اشراك مجلسي النواب والشورى في أي حلول يتم الاتفاق عليها حول استقالة رئيس الجمهورية، مغلبين المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية التي اصبحت متناقضة مع المصالح العليا للوطن والمواطن.
قد يقول البعض ان أعضاء مجلس النواب اصبحوا من الماضي وانهم بحكم ما تحقق لهم من فترات تمديد طويلة يمثلون ما تكون لديهم من المصالح الذاتية اكثر من تمثيلهم للمصالح العامة، وان بعضهم اصبح يرفع شعارات تتنافى مع الثوابت الوطنية يقدمون الولاءات المناطقية والحزبية على الولاءات الشعبية التي اقسموا عليها بعد حصولهم على ما حصلوا عليه من الثقة والعضوية حتى ولو اقتضت منهم تأييد النزعات الانفصالية، متناسين ان عضو مجلس النواب يمثل الأمة قبل ان يكون ممثلاً لحزبه ولأسرته الانتخابية..
ومعنى ذلك انه وفي جميع الأحوال فإن مجلس النواب مطالب بضرورة الاجتماع وتحديد موقفه من استقالة رئيس الجمهورية بالقبول أو الرفض حتى تتمكن القوى السياسية الموقعة على اتفاق السلم والشراكة من التوافق على ما هي بحاجة إليه من التوافق على البدائل لاسيما وان سحب الرئيس استقالته عملية غير ممكنة كما تحدث بذلك الاستاذ علي أبوحليقة رئيس اللجنة الدستورية في مجلس النواب، لأن بقاء الأوضاع كما هي عليه معلقة بين الاستقالة- قبول وعدم قبول الاستقالة نظراً لعدم اجتماع مجلس النواب من باب المراعاة للحلول السياسية المبنية على الاتفاقات الحزبية التي يجري البحث عنها من خلال الحوارات الثنائية السابقة لأوانها كتقديم العربة على الحصان لأن الرئيس مازال رئيساً ناهيك عما سوف يترتب على الحلول من محاذير اهمها عدم وجود السجل الانتخابي الجديد الذي نص عليه اتفاق السلم والشراكة وعدم تمثيل القوى السياسية الجديدة (أنصار الله) الذين يحكمون قبضتهم العسكرية والأمنية على مؤسسات الدولة التنفيذية.
وعوداً على بدء نستطيع القول بأن دعوة مجلس النواب إلى الاجتماع والبت في استقالة رئيس الجمهورية أولوية تحتمها المسألة الدستورية والقانونية ذات الصلة بالمشروعية الموجبة تسلسل الأشياء وترابطها من الناحية المنطقية ومن الناحية الفقهية إذا استبعدنا الشرعية الثورية المستمدة مما حدث في الـ21 من سبتمبر الماضي..
أما وقد جاءت استقالة رئيس الجمهورية بعد استقالة رئيس حكومة الكفاءات فإن التوصل إلى الحل التوافقي المعقول والمقبول يحتم على المكونات السياسية المسارعة إلى ما هو مطلوب من حلول توافقية وعدم محاولة البعض استغلال الفراغ السياسي لتحقيق مكاسب سياسية اكبر في هذا الحوار الذي يعكس رغبة أنصار الله وزعيمهم السيد عبدالملك الحوثي لأن الاعتقاد بأن التطويل سوف يخضع أنصار الله للتحول من موقع المنتصر الذي يملي شروطه على المهزوم إلى موقع المهزوم الذي يقبل بما يملى عليه من الشروط المجحفة تماماً كما حدث في الفترة التي سبقت تشكيل ما سمي بحكومة الكفاءات التي خطط لها ونفذها بصورة جعلت المشترك هو الكاسب الوحيد من تضحيات أنصار الله الذين خرجوا واخرجوا من الحكم إلى المعارضة جنباً إلى جنب مع المؤتمر الشعبي العام الذي كان شريك النصف في حكومة الوفاق الوطني بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة ولم يحصد من التوقيع على اتفاق السلم والشراكة سوى حقيبة واحدة رفض المشاركة فيها بأسلوب هادئ تجنباً للجوء إلى ردود أفعال غاضبة تلقي عليه بمسئولية افشال هذه الحكومة التي ولدت فاشلة وانتهت إلى المزيد من الفشل باستثناء ما قامت به من السفريات المثيرة للجدل والشك..
يقول البعض ان اخراج المؤتمر من الحكومة إلى المعارضة مثله مثل المشاركة الصورية لأنصار الله الذين حسبت عليهم حقائب وزارية لم يشاركوا في اختيار وزاراتها مثلهم مثل المؤتمريين الذين اختيروا باسم المؤتمر الشعبي العام دون علمهم بالكيفية التي تم اختيارهم بها.. بدافع الرغبة غير الأمينة في المزيد من الاستفزاز والاستهبال..
لقد كان الهدف من تلك المسرحية الهزلية ايجاد الخلاف بين المؤتمر الشعبي العام وبين أنصار الله ولكن بوسائل وأساليب مفضوحة اثرت سلباً على اصحابها قبل ان تؤثر على المؤتمر وأنصار الله، واظهرت اعضاء الحكومة بانهم لا يرقون إلى المستوى المطلوب والقادر على تحمل ما يقع على كاهلهم من مسؤوليات كبيرة تعيد للشعب ما افتقده من الثقة من جراء الفشل الذريع الذي رافق حكومة باسندوة، كأسوأ حكومة عرفتها الجمهورية اليمنية..
أعود فأقول إن حكومة الكفاءات التي ولدت ميتة بهدف الإساءة إلى جماعة أنصار الله التي قادت ثورة 21 سبتمبر 2014م التي اظهرت الفشل الذريع لثورة 11 فبراير 2011م بقيادة التجمع اليمني للإصلاح قد اسقطت بالضربة المفاجئة التي قام بها أنصار الله والتي أجبرت الحكومة ورئيس الجمهورية على الاستقالة المفاجئة بصورة تحتم على هذه الأحزاب مراجعة ما اتبعته من السياسات تحت وهم الاعتقاد الخاطئ بأنها الأكثر ذكاءً والأكثر شطارة وان غيرها لا يعلم ما أوقعته به حسن النية من اخطاء لا ارادية تحملها وهو يعلم طبيعة ما حدث له من خديعة مكشوفة.. فكان رده اكبر مما كانوا يعتقدون ويتصورون من ردود الأفعال الهادفة إلى تحميله مسئولية فشل حكومة حسبت عليه رغم انه لم يكن شريكاً فيها وليس له منها سوى ما قدمه من التضحيات، وحتى لا تتكرر اللعبة مرة ثانية مطلوب من هذه المكونات السياسية تجنب تكرار ما اعتادت عليه من المناورات والتكتيكات الحزبية والسياسية المعيبة وان تستبعد الدخول في هذا النوع من الاستغفال تحت وهم الاعتقاد بأن المظاهرات والاعتصامات والتطويل في الحوارات سوف يعيد ما حققته بالأمس واستبداله بنوع من الوضوح النابع من حرص الثقة الحكومية بالمصداقية والموضوعية.
أقول ذلك واقصد به أن الشعب اليمني قد وصل الى مرحلة من المعاناة فكاد أن يفقد الثقة بالديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية التي تتوقف عند الحديث عن الشراكة دون استعداد للارتقاء لمستوى التداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات.. لأن ديمقراطية من هذا النوع لم تكن من وجهة نظر شعبية واعية سوى خدعة جالبة للصراعات والمحن.. غيابها أفضل مرات عدة من حضورها الزائف والمروج للأزمات والمصائب والكوارث..
أقول ذلك وأقصد به أن المرحلة حساسة والأوضاع الأمنية والاقتصادية تجاوزت كل الخطوط الحمراء، لم يعد مجدياً ولا مقبولاً الاستمرار في هذا النوع من الاستهبال والاستغفال.
ولولا ما وصلت إليه الأوضاع من الخطورة المهددة بعواقب كارثية وخيمة لما كانت الحكومة والقيادة السياسية استقالت بهذه السهولة والبساطة بعد أن وصل الإرهاب الى ما وصل اليه من المجازر الجماعية وبعد أن وصلت الحياة المعيشية الى ما وصلت إليه حياة الاغلبية الساحقة من سوء التغذية وما يمكن أن يطلق عليه شبح الفقر الشاحذ لسيف المجاعة لأن العقلاء مطالبون بمراجعة حساباتهم والشروع في اتفاقات فورية نابعة من غيرة على ما لحق بشعبهم من الآلام والأوجاع القاتلة للحياة وللحرية وللحق والعدل والديمقراطية، مستندين إلى ما وصلت اليه الأوضاع من خطورة غير معقولة وغير مقبولة وتجنب الدخول في صراعات ومواجهات عسكرية مدفوعة الأجر من هذه القوى الخارجية أو تلك المحرضة على الفتن.
الشعب يعول على حكمة وعقلانية القوى السياسية المجربة في سرعة ايجاد المعالجات اليمنية الممكنة والمتاحة مهما بدت صعوبتها وانعكاساتها السلبية على هذا الحزب السياسي أو تلك الجماعة السياسية على قاعدة الاقتناع بأن السلطة لم تعد غنيمة بقدر ما أصبحت عملاً شاقاً المغرم فيه أكثر من المغنم والتضحية فيها أكثر من الغنيمة والحزب أو التنظيم الذي يبحث عن قاعدة شعبية عريضة هو الذي يقدم دواعي الواجب الوطني على تداعيات الأنانية والغنيمة الملعونة.
لقد كشف السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير عن استيعابه لما يحاك لجماعته من مؤامرات داخلية وخارجية من قبل قوى معادية تأبى إلاّ أن تحول انتصاراته العسكرية الى هزيمة، فراح يوجه التحذيرات ويعرض الاستعداد لتقديم أكثر مما يسعون للحصول عليه من التنازلات من باب الحرص على ترسيخ القيم الثابتة للوحدة الوطنية، متناسياً أو متجاهلاً كل ما يحاك له ولجماعته من الدسائس والمؤامرات الداخلية والخارجية.. داعياً الشرفاء من المشائخ ورجال القبائل والعلماء والوجاهات وقادة الرأي الى اجتماع الجمعة التشاوري رغبة في الضغط على المتحاورين في الوصول الى نتائج تحقق الانتقال السلمي للسلطة وتفسح المجال أمام قيادة وحكومة جديدة قادرة على اخراج الوطن والمواطن من هذه الأوضاع الأمنية والاقتصادية المعقدة، بعد ارشاد الى ايجابيات المرحلة وسلبياتها واضعاً النقاط على الحروف وبحثاً عن الكثير من الأسئلة من باب الرغبة في وضع نهاية للصراعات والحروب.. السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، هذا الرجل الذي عشق جبال صعدة بكهوفها وجروفها ومغاراتها واكواخها ومساكنها القديمة وفضلها على قصور صنعاء الباذخة وحدائقها الغناء وشوارعها الجميلة وسياراتها الفارهة وبهرجة اضوائها الأخاذة.. وغير ذلك الكثير من مغريات السلطة ونعيم الثروة المحركة لأطماع السياسيين وشهواتهم الباحثة عما لذ وطاب من الوجاهة والموائد الدسمة ومغريات الأمر والنهي والحكم.
هذا الشاب الذي تستجيب لخطاباته ودعواته الملايين في جميع المدن والقرى اليمنية.. لا بل قل من هو هذا القائد الذي تهتز لدعوته الكثير من الجيوش والعروش، والمؤسسات الرئاسية لدول بحجم وثراء وخبرات الدول الخليجية والدول العظمى في مجلس الأمن الدولي الدائمة العضوية وتنزعج منه القنوات الفضائية العملاقة وتتهاوى أمام ضربات اتباعه معسكرات ومؤسسات عسكرية وأمنية مدججة بجميع وسائل وأدوات الآلة العسكرية والأمنية محققة انتصارات أقرب الى الاساطير والمعجزات الخرافية والاسطورية؟!!
تؤكد التجربة والممارسة أنه لا يسعى الى السباق على مكاسب السلطة ومغرياتها والقابها الدبلوماسية، يطلق عليه اصحابه والمؤيدون له لقب قائد المسيرة القرآنية ولا يتجاوزونها الى غيرها من ألقاب اصحاب الفخامة واصحاب الجلالة المسيلة للعاب السياسيين في كل زمان ومكان.
إنه واحد من ألمع السياسيين وأكثرهم بساطة وزهداً وتواضعاً وطهارة ثورية.. قائد جسور صاحب موقف وصاحب قضية وصاحب دعوة ايديولوجية يستدل منها عليها من شعاراته (الموت لأمريكا.. الموت لاسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام).. باضافة الى مبالغة في العداء للظلم وللفساد وللمفسدين من الذين يسيئون استخدام ما لديهم من القوة وما بامكانهم تحقيقه من مغانم السلطة والثروة بلاقيود ولا حدود.. يبحث لليمن عن مجلس يملأ به الفراغ الدستوري ولا يقدم نفسه رئيساً وملكاً للجلوس على هذا الكرسي اللعين المثير للجدل والمسيل للعاب الساسة والقادة من المدنيين والعسكريين.. لا نعرف ماذا يريد؟ ولا علم لنا بما هي رؤيته الاستراتيجية للتعامل المعتاد مع السلطة والثروة والقوة؟ إنه بالتأكيد نسخة طبق الأصل من اسطورة المجاهد الكبير السيد حسن نصر الله ولكن في اليمن المنبع الأول للعروبة وليس في لبنان.. المنبع الأول للحروف الهجائية في العالم التي غيرت وجه التاريخ.
|