د.علي مطهر العثربي -
التطورات الماراثونية التي تشهدها الساحة الوطنية لم تعد تعطي صورة بارزة لإعطاء تحليل وتقييم سليم، بل غلب على تلك التطورات الغموض والتنافس المحموم داخلياً وخارجياً، الأمر الذي زاد من حدة التعقيد.. والحقيقة ان هذا التعقيد في المشهد السياسي عصي على الفهم لغير اليمنيين أما ابناء اليمن الأحرار الذين التزموا بالحفاظ على الشرعية الدستورية في 2011م ومازالوا محافظين عليها باعتصامهم بحبل الله المتين فإنهم يدركون خفايا ذلك المشهد الذي يبدو للغير شديد التعقيد لسبب بسيط وهو أن السواد الأعظم الذي يمثل الارادة الكلية الحرة والمستقلة لليمن الواحد الموحد ادركوا المغزى من المخطط التدميري الذي حاولت القوى السياسية الفاشلة في التعامل مع الشعب لكسب ثقته في 2011م
عندما ركبت تلك القوى المتنافرة والمتقاتلة موجة الفوضى العارمة وكان القاسم المشترك الذي جمع المتناقضات هو تدمير النظام والقضاء على مؤسسات الدولة الدستورية وتدمير المؤسسة الدفاعية والأمنية ولم يكن يشغل عقول وأذهان تلك القوى الظلامية الجاهلة غير تدمير النظام وبات ذلك الهدف هو المهيمن على تحالفاتهم وتعبئتهم وحركتهم داخل ساحات التغرير وعلى المستوى الخارجي بمساعدة كل القوى الخارجية الحاقدة على اليمن والراغبة في تدمير مقدراته حيث ساهمت القوى الخارجية في التغرير ايضاً بالقوى السياسية الجاهلة ودفعها باتجاه التدمير دون ان تدرك عواقب تلك التصرفات الغوغائية.
ان القوى السياسية التي لاتحسب حساب التصرفات ولا تتنبأ بعواقبها لاشك انها جاهلة ولا تمتلك بعداً وطنياً يقدم درء المفاسد على جلب المصالح، بل إن تلك القوى السياسية الفاشلة قد أطبق على فكرها الجاحد أصلاً الحقد والرغبة والانتقام وأصبح ذلك غايتها القصوى ولم يكن للوطن مكان في غايتها النهائية، ولم تكن تحمل هماً وطنياً حقيقياً يعبر عن آمال وتطلعات الشعب وكان الغالب هو الهوى العدواني والحقد الشخصي والرغبة في الانتقام، ولأن تلك القوى لم تكن تحمل مشروعاً وطنياً موحداً قد حرم تلك القوى أدنى درجات القبول الشعبي وافقدها الاحترام الخارجي العاقل وجعلها فريسة سهلة للقوى الخارجية الانتهازية التي جعلت من تلك القوى وسيلتها لتحقيق غايتها العدوانية على وحدة اليمن الواحد.
إن ما أظهرته القوى الجاهلة المتحالفة ثورياً في 2011م خلال الأيام القليلة الماضية من الانحراف الفاضح عن منهج المصلحة الوطنية العليا قد جعلها تظهر أمام المواطن البسيط بمظهر الهزيل الفاشل الذي لايمتلك الحجة المقنعة ولايستطيع حتى تغطية تلك المهازل، رغم انها كرست وسائل الاعلام لتغطية ذلك الفشل من خلال التبريرات التي زادت من حدة نبرة صوت المواطن ضد تلك المواقف والاجراءات الهزلية التي كانت محل تندر المواطن العادي الذي لم يعر أياً منها اهتماماً باعتبارها خارج نطاق الصالح العام، بما في ذلك العقلاء والحكماء من تلك القوى والأكثر منهم قواعدها التي عبرت في أكثر من موقف عن أسفها لما وصلت اليه قياداتها ذات الفكر الحجري الذي لايقبل التعامل مع الواقع اذا لم يكن وفق رغبات القيادات المعتقة الجامدة، الأمر الذي قاد باتجاه الالتزام بالوفاق الوطني من جديد وعدم الخروج عليه باعتباره المخرج الوحيد الذي يعزز الوحدة الوطنية.
ان التحليل السياسي والدستوري المنصف لتصرفات القوى السياسية ذات التحالفات المثيرة للشك والقائمة على المصالح الخاصة جداً، يظهر الصورة الحقيقية ان تلك القوى وعلى مدى اربع سنوات عجاف لم تقدم يوماً المصالح العامة على المصالح الخاصة بل انها أصرت بشكل فاجر على تدمير الدولة والحاق الاذى بالمواطن واتكأت بقوة على الاستقواء بالخارج ولم تحترم الارادة الشعبية الرافضة للتدخلات الخارجية اياً كانت اذا كانت خارج الاطر الدستورية والقانونية وتمس سيادة اليمن الواحد الموحد وتؤثر على وحدته وأمنه واستقراره، بل إن تلك الِقوى افصحت بما لايدع مجالاً للشك بأن الاجراءات التي تقوم بها تأتي بمساندة خارجية، الأمر الذي جعل الشارع اليمني يغلي بسبب الانتكاسة التي وصلت اليها تلك القوى من خلال التمترس خلف الرؤى الخارجية ومحاولة تنفيذ ما يملى علىها دون أدنى قدر من الاحترام للشعب وثوابته الوطنية، والأكثر من ذلك ان عناصر تلك القوى المصابة بالجنون الثوري لم تعط قدراً ولا مكانة للعقلاء الذين هم في صفوفها وقدمت صورة فاضحة للغوغائية والدهماء واستبعدت صور العقل والحكمة، الأمر الذي جعل العقلاء والحكماء الذين كانت تتوقع بعض عناصر تلك القوى انها ستكون في ساحتها، يحجمون عن حضور فعالياتها ويربأون بأنفسهم وتاريخهم وعلمهم ومكانتهم في أوساط المجتمع ان يكونوا في تلك المواقف المستفزة لارادة الغير ورغبات أعداء الوحدة اليمنية، وهو ما جعل مشهدهم الاعلامي المبني على الكذب والزور يظهر بتلك الصورة المزرية الخالية من المهنية والموضوعية والبعيدة عن وحدة آمال وتطلعات اليمنيين كافة، وكل ذلك قد شكل ضغطاً باتجاه الوفاق.
إن ما أظهرته الحوارات الماراثونية في الـ«موفمبيك» من تباعد واستبعاد للمصلحة الوطنية وتغييب الحكمة والعقل والاصرار على الجهل والمصالح الخاصة قد جعل المؤتمر الشعبي العام يتصدر المواقف الوطنية الكبرى ويفند الاتجاهات الخارجية ويوحد الاتجاهات الداخلية ويجسد مبدأ الولاء الوطني الذي لاينسجم بأي حال من الاحوال مع التبعية أياً كان شكلها او نوعها ويعيد المتحاورين الى ساحة الوفاق الوطني الذي يجسد الوحدة الوطنية ويصون سيادة اليمن الواحد والموحد، الأمر الذي يجعلنا نطالب القوى التي وقعت في وحل الأخطاء الجسيمة من 2011م حتى بالكف عن الجنون الثوري والاعتراف ان الثورية انتهت بالتوقيع على المبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة، وان الشرعية التي ينبغي ان نعمل بها جميعاً هي الشرعية الدستورية القائمة على ثقة الشعب والعمل على تحديد المهام الوطنية الكفيلة بانجاز ماتبقى من المرحلة الانتقالية من أجل الوصول الى حق الشعب في الاختيار الحر المباشر عبر الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية بعيداً عن المزايدات والاستقواء بالخارج.
أن الحوارات الاخيرة قد أظهرت بما لايدع مجالاً للشك أن القوى السياسية التي تهافتت على الاستقواء بالخارج منذ 2011م وحتى اليوم قد خسرت تماماً القبول الشعبي بسبب ايمانها بمصالحها الخاصة وبعدها كلية عن المصالح العليا للبلاد، حيث جعلت من الحوارات وسيلة لوضع التفصيلات المستقبلية وتحفظ مصالح تلك القوى، وليس مهماً انهيار البلاد وتفكيك المؤسسة الدفاعية والامنية، والأكثر من ذلك أن تلك القوى تقدم براهين عملية ليس للرأي العام المحلي، بل الاقليمي والعالمي بانها غير قادرة على تحمل المسئولية الوطنية والحفاظ على سلامة اليمن موحداً وقوياً وآمناً ومستقراً وإنما لديها هاجس مصالحها الخاصة دون ان يكون للشعب اليمني الواحد نصيب من اهتماماتها السياسية لأن الغاية هي تحقيق المصالح الخاصة بالوسائل التي تشرعن لها ومن أبرزها الانقلاب على العهود والمواثيق باسم الثورية.
ان البراهين على ان تلك القوى نفعية وانتهازية عديدة يقدمها أبسط المواطنين ومن ابرزها اصرار تلك القوى على عدم شرعية مجلس النواب ويتجاهلون بأنهم ذهبوا الى الشعب لانتخاب رئيس الجمهورية وان رئيس الجمهورية المنتخب قد جاء الى مجلس النواب لاداء› اليمين الدستورية امام المجلس وعندما شكل حكومة الوفاق الوطني جاءت الحكومة الى مجلس النواب من أجل ان تحظى بثقة السلطة التشريعية وعندما شكلوا حكومة السلم والشراكة «الكفاءات» جاءت تلك الحكومة إلى مجلس النواب لتنال ثقة السلطة التشريعية، ألا يدل كل ذلك على ان تلك القوى انتهازية ونفعية متى ما وجدت في الدستور والقانون ومؤسسات الدولة الدستورية مصالحها قالت بتعظيم شرعيتها، وعندما لاترى انها تحقق منافعها تعود الى الجنون الثوري، ثم ألا يستحي من يتفلسفون بتحليلاتهم العرجاء بعد أن عرفوا كل ذلك وهم يقيناً يعرفون كل ذلك؟ ثم لماذا السكوت والصمت على القوى التي لاتريد إلاَّ مصالحها.. ولماذا لا يتم مصارحة الشعب بعنت وصلف وفجور تلك القوى؟ ليدرك الشعب من يتسبب في معاناته وانهيار مؤسسات الدولة؟ ثم يشكل الشعب مع كافة القوى الوطنية القابلة بالشراكة الوطنية الواسعة بعيداً عن منطق الثورة والتثوير، اجماعاً وطنياً يحقق التصالح والتسامح ويمنع العبث بمقدرات البلاد والعباد ويفيد بناء الدولة اليمنية القادرة والمقتدرة.
إن حل الأزمة اليمنية لايمكن ان يأتي من الخارج أو عن طريق التحريض ومحاولة بث روح القتال بين ابناء الشعب اليمني الواحد، ولا يأتي الحل إلاًّ من الداخل اليمني الخالص وسيكون جامعاً ومانعاً يحقن الدماء ويصون الكرامة ويحمي الحقوق والحريات والمصالح ويعزز السلم الاقليمي والعالمي، ولذلك على القوى السياسية أن تدرك بأنها مسئولة مسئولية مطلقة عن كل اضرار بالوحدة الوطنية، وعليها الاسراع في انجاز توافق وطني جامع بعيداً عن المزايدات وهي فرصة مازالت أمام القوى السياسية لاثبات حسن النية لاعادة بناء الدولة اليمنية الواحدة بإذن الله.
|