محمد علي عناش - لا أعتقد انه الغباء وحده هو الذي جعل المشترك يهدر الفرص الذهبية التي تحققت لليمنيين خلال أربع سنوات، هذه الفرص التي كان يمكن ان تقدم نموذجاً راقياً في تجاوز كوارث ونكبات الربيع العربي، وان تصنع لحظة يمنية تاريخية ليس فقط في تجاوز الأزمة اليمنية، وإنما ايضاً في فتح بوابة واسعة للولوج الى عهد يمني جديد وتحقيق تحولات عميقة في المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبناء دولة مؤسسية ترعى هذه التحولات وتقود مرحلة البناء والتنمية الشاملة.
إلا ان المشترك أهدر هذه الفرص ووقف حجر عثرة أمامها، وأمام التقاطها وتحولها الى واقع عملي ملموس لتتفاقم الأزمة اليمنية وتتوالد بأبعاد خطيرة طالت بسوئها مقومات الدولة والوحدة والنسيج الاجتماعي اليمني الذي تمزق وتشظى إلى طوائف وعصبيات متناحرة ومتمترسة خلف ترسانات من الاحقاد والثقافات المأزومة والمريضة.
مبادرة الزعيم علي عبدالله صالح في ميدان السبعين في مارس 2011م التي قدمت للمشترك الحلول المنطقية على طبق من فضة، وكان يمكن من خلالها صناعة لحظة يمنية تاريخية تقوم على سياسة الاصلاحات ومبدأ الشراكة وادراك عميق بأهمية المحافظة على كيان الدولة ومعالجة سلبياتها واصلاح مؤسساتها ومراكمة ايجابياتها ومنجزاتها، فتعامل المشترك معها بوعي ثوري متخلف ومأزوم، تغلبت فيه المصالح الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية وذهب الى استثمار تطلعات التغيير العفوية لدى الشباب، في ممارسة الثأر السياسي وشخصنة القضايا والكيد والتضليل وصولاً الى التخطيط لارتكاب مجزرة جمعة الكرامة، والتي مثلت ذروة التسويق المنحط لثورة عدمية وللشعارات السياسية التي مارسها المشترك بوعي نفعي وغريزي لتحقيق اهدافه وتطلعاته المريضة في السلطة.. هذه المبادرة التي ستظل تطارد المشترك وتسقط أقنعته المزينة التي لبسها طوال ممارسته تخدير الشعب والافك السياسي والسمسرة بالدماء والاشلاء والمحاصصة لقوت الشعب، ومايزال يلبسها الى اليوم ويحتفل بجريمته في 18 مارس كل عام، ستظل تطارده وتضعه أمام مرآة حقيقية كي يرى حقيقته وضآلته وحجم ما اقترفه بحق هذا الشعب وهذا الوطن طوال خمس سنوات.
ليست مبادرة الزعيم هي الوحيدة التي اهدرها المشترك، وانما كان هناك المبادرة الخليجية والتسوية السياسية التي أثمرت عن تشكيل حكومة وفاق وطني كانت فرصة أخرى لصناعة لحظة وطنية تاريخية هي الاخرى تم اهدارها بشكل ممنهج والانحراف بمضمونها وغاياتها المتمثلة في تجاوز الأزمة اليمنية والمحافظة على الدولة من الانهيار والسقوط، وتدعيم بناها وتطوير مؤسساتها واجراء منظومة من الاصلاحات الجوهرية للتأسيس لدولة يمنية حديثة، ومعالجة القضايا والمشاكل اليمنية العالقة بشكل عادل والتهيئة لتحقيق انتقال سلمي للسلطة، غير ان المشترك حولها من فرصة تاريخية للبناء والتنمية والتأسيس لعهد يمني جديد، الى فرصة لتحقيق اهدافه وطموحاته في السيطرة على السلطة وباستخدام وسائل وأدوات في غاية التشوه والسقوط الاخلاقي، وفيها انكشفت أكثر سوأة المشترك بالتواطؤ مع المبعوث الأممي جمال بن عمر في التلاعب في تنفيذ المبادرة الخليجية المزمنة، وفي سوء ممارسة السلطة من قبل ممثلي المشترك في الحكومة، التي حولوها الى اقطاعيات حزبية واستثمروا سلطاته فيها لممارسة الاقصاء والتعيينات الحزبية وممارسة الشعار الممنهج بغطاء حزبي.
ثلاث سنوات كارثية في ظل هذه الحكومة كان الحصاد مراً، يصعب في موضوع واحد ان نصف ما حدث وان نسرد النتائج الكارثية التي طالت كل شيء حتى الاخلاق والقيم الدينية والانسانية، ابرز صورها الجريمة الارهابية البشعة في مسجد بدر ومسجد الحشوش في صنعاء وراح ضحيتهما المئات من الشهداء والجرحى، والتي تزامنت مع جرائم اقتحام معسكرات قوات الامن الخاصة في عدن ولحج من قبل عناصر القاعدة ومليشيات هادي المرتزقة، التي نفذت حرب ابادة بالبطاقة ومحل الميلاد، بحق جنود هذه المعسكرات وسحلهم والتمثيل بجثثهم لأنهم شماليون، خيبة كارثية ومشوار سياسي منحط بدأه المشترك بدماء واشلاء وهاهو يمعن في مواصلته بالدماء والاشلاء ولايبدو ان الأمر سيقف عند هذا الحد فمازال المشترك يتربص ويمارس سوء نواياه وتضليله وقفزه على المعقول في تبني المواقف والتوجهات ويتلاعب بمجريات الحوار ويمارس تعطيله والحيلولة دون الوصول الى نهاية منطقية ووطنية لأطول حوار عبثي وعدمي، ويثير الزوابع والازمات هنا وهناك متنقلاً من عدو الى عدو ومن معركة دنكوشية إلى أخرى محولاً الارهابيين إلى مقاومة شعبية والجناة إلى مناضلين والفاسدين والانتهازيين الى مفكرين واصحاب قضية والانفصالي الى شرعي ووحدوي والجندي المسحول في شوارع عدن ومن ثم تصفيته جريحاً إلى متمرد، ويبحث عن مخارج وأعذار ومبررات للانتحاري الارهابي الذي يسفك دماء الأبرياء في بيوت الله!
|