احمد الرمعي -
< الحرب دائماً ما تثقل القلب.. وما صنع الإنسان عبر تاريخه من مآسٍِ كما يصنعها أثناء الحروب حيث يغيب العقل ويدفن وتقام عليه المآتم، وإذا غيب الإنسان عقله الذي يميزه عن غيره من المخلوقات طغى وتجبر وجر المآسي عليه وعلى غيره.
الحروب عدو للإنسان لذلك تحدث فيها الكثير من القصص التي تدمي القلب، فهذه شابة أنهت دراستها الجامعية بتميز، وككل فتاة من أقرانها حلمت بحقها الطبيعي في تكوين أسرة صغيرة مع نصفها الآخر..تقدم لها شاب وجدت فيه كل الصفات التي كانت تحلم أن تكون في فارس أحلامها لتكمل معه مشوار حياتها.
تم القبول وتوافق الشريكان على موعد الفرحة الكبرى.. قامت الشابة بتجهيز نفسها واستأجرت قاعة وطبعت الدعوات وأعدت كافة المستلزمات ولكنها لم تكن تعلم ما تخبئه لها الأقدار فقد جرت الرياح بما لا تشتهي هي وشريكها حيث صادف ذلك اليوم الموعود بدء الحرب الملعونة .. ولم يكن لديها من سبيل سوى إكمال مراسيم الزفاف رغم أزيز الطائرات وزمجرة القذائف والصواريخ وأصوات الانفجارات المرعبة التي لا تراعي إحساساً للسعادة لشابة في مقتبل العمر بيومها الذي تنتظره كل فتاة.. ورغم كل ما يجري أصرت الشابة على أن تنتزع الفرحة انتزاعاً ولو كانت فرحة بها غصة في هذا الزمن العربي المهين الذي يقتل فيه الإنسان العربي أخاه لمجرد القتل مستعيداً تراث داحس والغبراء وغيرها من الملاحم غير الشريفة التي خاضتها هذه الأمة عبر تاريخها وحتى يومنا هذا.
قد تكون قصة هذه الفتاة أقل وطأة من قصص غيرها التي تنتجها الحروب ولكنها عندها أكبر مأساة، تلحظ ذلك في رسالتها القصيرة التي بعثت بها الى صديقاتها تعتذر لهن بأنها الغت عرسها حيث كتبت كلمات وإن كانت قصيرة لكنني شعرت أنها كتبتها بدموع الحزن لا الفرح.. «صديقاتي نظراً للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد فإن عرسي قد الغي حيث قتل عم زوجي الذي سأزف اليه في هذه الحرب الملعونة بمحافظة شبوة، فكم فتاة كهذه قتلت هذه الحرب العبثية فرحتها.. وكم طفل يُتم أوتناثرت أشلاؤه في معركة ليس له فيها لا ناقة ولا جمل!
وكم من أمهات ثكلى.. وأرامل فقدن أزواجهن أو فلذات أكبادهن من أجل أن يُرضي الحكام نزواتهم ويفرغوا حقدهم وأمراضهم الدفينة حمماً وبراكين مشتعلة على رأس الإنسان الذي كرمه الله وفضّله على كافة خلقه؟!
أيها السادة:إنها الحرب التي إن تبعثوها تبعثوها ذميمة.. لا منتصر فيها سوى الموت، ولا مهزوم فيها سوى القيم وإنسانية الإنسان.
الحرب بذرة حقدٍ تتوارثه الأجيال الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. فهل فيكم من رجلٍ رشيد يوقف هذا الجنون؟!