عبدالرحمن مراد -
< في مساء الجمعة 2015/4/24م تناول الإعلام السعودي والموالي له أنباءً عن طلب صالح للمغادرة ووصول طائرة عمانية كي تقله وأسرته الى جهة غير معلومة ثم يرد نبأ عن مصدر سعودي قائلاً إن صالح لن يستطيع مغادرة اليمن إلا بموافقة سعودية، وهذا لن يتحقق ولن تسمح به المملكة، وبعد ساعات فقط يتردد اسم صالح في وسائل الإعلام السعودي وكان مضمون الخبر طلب صالح القبول بالحوار والرضوخ لقرارات مجلس الأمن وقالوا إن صالح دعا الحوثيين والجيش الى الانسحاب من المدن، وكنت قد تحاملت على صالح وبلغ بي الغضب مبلغ السفه ولم يهدأ روعي إلا بعد أن عرفت الحقائق من مصادرها الحقيقية، فقد كتب صالح منشوراً على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك» يطالب فيها بمصالحة وطنية شاملة بين القوى والأطراف السياسية الوطنية اليمنية وبحيث يتولى الجيش والسلطات المحلية مهام السلطة والأمن ريثما تتوافق الاطراف السياسية على حلول ناجعة للقضايا العالقة ودون تدخل أي طرف سياسي، ودعا الى حوار بين اليمن والسعودية في جنيف وهو موقف وطني واضح، فالسعودية لم تعد عدواً مفترضاً بل أضحت عدواً حقيقياً جاهرت بعدوانها وقتلت ودمرت وسفكت دماً لا يمكن لنا كيمنيين الخنوع والخضوع لإرادتها، فالقضية تجاوزت حدود اللياقة وحدود السياسة وحدود المصالح المشتركة وحدود العلاقات الجيوسياسية لتصبح قضية سيادة وقضية وطن تعرض لعدوانها وعملت جاهدة على قتل مواطنيه وتدمير مقدراته واستهداف بنيته التحتية، ولذلك فحوارنا معها تحت مظلة الحقوق والقانون الدولي ممكن بعد أن ثبت ارتكابها لجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وانتهكت الحقوق والحريات ومارست أبشع الجرائم وطوال عدوانها لم تمتد إليها اليد اليمنية بسوء ولم ترد على عدوانها.
وأمام مثل ذلك يبدو أن المطبخ الاستخباراتي والأمني السعودي وكذا الإعلامي باعتباره أداة من أدوات الاستخبارات حاولت تشويه موقف المؤتمر وزعيمه كالغريق الذي يحاول أن يتعلق بقشة، وهي بمثل ذلك تحاول أن تقنع نفسها بتحقيق نصر على اليمن ولو كان وهمياً ومضللاً دون أدنى اعتبار للمعيارية الاخلاقية والمهنية.
لقد أصبح مستبعداً أن يبيع صالح والمؤتمر كرامة اليمن، فالقضية الوطنية والكرامة الوطنية من الثوابت التي لا يمكن الاشتغال السياسي عليها بيد أن المعركة العسكرية والمعركة الاعلامية تتوازى مع المعارك السياسية والدبلوماسية ونحن نثق في وطنية صالح وفي ذكائه وحنكته وقدرته على إدارة المعركة السياسية بنفس القدرة على إدارة المعركة العسكرية ولا يمكن لصالح إلا أن يكون يمنياً حميرياً عفاشياً بامتياز، ولا نظنه وهو في عقده السابع أن يكون علقمياً يتاجر بقضايا وطنه وبكرامة شعبه، فذلك أمر لا يمكن تصديقه.
لقد خابت رهانات آل سعود في اليمن وتوحد الشعب اليمني وتعاضدت بنيته الاجتماعية وأصبح كالبنيان يشد بعضه بعضاً وأصبحت السعودية عدواً حقيقياً لليمن مهما مارست من تضليل وغازلت وقالت من الوعود، فاليمني الذي كان يرفض أن يأكل بثديي امرأته مهما اشتدت به الفاقة والحاجة مايزال هو ذاته قادراً على الحياة والعيش بحرية وكرامة دون أن يرسل أحداً من أهله حتى يتسول أو يرضخ لأبناء الاغنياء كما كان يفعل الاعراب وعرب الصحراء، أما الحصار البري والجوي والبحري، فهو تعبير عن حالة تاريخية تمتد من شعب أبي طالب الى عاصفة الحزم ولن تكون نتائجها في حاضر المملكة إلا وبالاً عليها، كما كان في ماضيها، ولا استبعد أن تتكرر أحداث التاريخ ووقائعه ويدخل أهل اليمن الى المملكة فاتحين، فالإمام علي -كرّم الله وجهه - وهو مرجعية مهمة في التكوين العقائدي والثقافي والوجداني اليمني يقول: احذر من الكريم إذا أجعته ومن اللئيم إذا أشبعته، وكرامة أهل اليمن تأبى عليهم الموت جوعاً في بيوتهم وهم ينظرون الى عدوهم القاتل والمحاصر لهم والسافك لدمهم والمدمر لوطنهم يسرح ويمرح أمام أعينهم، ولذلك فشعارهم «إما حياة بعز أو موت من بعد الشرف»، فالموت من بعد الشرف في مواطن العزة والكرامة خيار اليمني الذي يأبى الهوان والموت جوعاً على فراشه في بيته.
لم يكن العدوان على اليمن إلا تعبيراً عن إفلاس المملكة السياسي، ولم يكن التضليل الإعلامي الذي نشاهده في وسائل إعلامهم إلا تعبيراً عن هزيمة نفسية وأخلاقية وسقوط قيمي وهزيمة ثقافية وسياسية.. أما اليمن فهي باقية بل ومنتصرة رغم كل هذا الدمار والخراب لأنها ستعيد وعيها بذاتها، وكفى بذلك انتصاراً.