الدكتور علي مطهر العثربي -
< إن الوقوف أمام همجية وعنصرية وغوغائية وفجور تحالف الشيطان ضد اليمن الذي يقوده نفر من أشقائنا في السعودية يعطي دلائل قطعية لا يرقى اليها الشك مفادها أن هذا التحالف الفاجر والغادر امتداد لحلف قريش الجاهلي ضد الإسلام الحنيف الذي كان مدعوماً من زعماء اليهود بني النظير وقينقاع الذين تحكموا في رأسمال الجاهلية الأولى في قريش وكانوا يحكمون السيطرة على لقمة عيش قريش من خلال التحكم في امتلاك رأس المال المهيمن عليه يهودياً في تلك الفترة، حيث كان زعماء قريش في عصر الجاهلية الأولى يعتمدون على القمار والانغماس في الملذات وجلب الغانيات والعازفات والانشغال في شرب الخمور وإفساد المجتمع وتجارة الرقيق ومحاربة أي فكر إنساني يدعو الى الحرية والكرامة الانسانية، حيث استطاع حاخامات اليهود وهم أصحاب كتاب أن يغرقوا مكة في الجاهلية العمياء، ويجعلوا من زعماء قريش أدواتهم الفاجرة لمحاربة أي فكر إنساني يدعو الى الحرية والكرامة، لأن الكتب السماوية غير المحرفة التي وصلت الى أيدي اليهود اخبرتهم يقيناً أن الجزيرة العربية ستكون منارة الحرية والكرامة الانسانية وأنه سيظهر منها نبي آخر الزمان وأن دين الاسلام سيحكم العالم وأن هذا النبي سيكون عربياً يمنياً وأن ظهوره سيكون في هذه البقعة المقدسة من الأرض وستكون المكانة لمن ناصره وهم أبناء اليمن الذين جرعتهم قريش صنوف العذاب بسبب إيمانهم ومساندتهم للرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
إن الكتب السماوية التي توارثها أحبار اليهود وحاخاماتهم قد بشرت بمكانة الجزيرة العربية الأمر الذي جعل العنصرية اليهودية التي عرفت في التاريخ الحديث بالصهيونية العالمية تلجأ الى تحريف تلك الكتب بهدف إخفاء الحقيقة الإلهية التي ستظهر في قلب الجزيرة العربية لتحرر الإنسانية من الرق والفساد وللحيلولة دون صدوع هذه الحقيقة ركزت العنصرية اليهودية على مكة ويثرب (المدينة المنورة)، حيث كانت هذه الحركة العنصرية ضد الامبراطوريات اليمنية المعينية والسبئية والحميرية وخصوصاً القادة الموحدين الذين جعلوا لمكة مكانة بارزة في عهدهم من خلال كساء الكعبة المشرفة وأسسوا يثرب التي بناها اليمنيون وأطلقوا عليها اسم رئيس وزرائهم الذي كان من أهل الكتاب وأخبر الملك تبع بأن هذا المكان سيكون العاصمة الأولى لدولة الإسلام والذي آمن بالإسلام قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى يثرب بألف عام حسبما تحكيه الوثائق السياسية التي ماتزال حية تشهد على قوة بأس اليمنيين وقوة إيمانهم بالله رب العالمين.
إن التآمر على الجزيرة العربية وعلى أبناء اليمن الموحدين لم يكن وليد اللحظة الزمنية الحديثة وإنما منذ أن جاءت الديانات السماوية المسيحية واليهودية التي بشرت كتبها بمكانة هذه الرقعة الجغرافية من الأرض المقدسة حيث تكونت على إثر ذلك التبشير قوى الاستعلاء العنصري التي تتحدى الخالق جل شأنه وتحاول أن تمنع السنن الكونية وتخضعها لرغباتها الشريرة، وهو ما دفع بالقوى الصهيونية الى إجراء الدراسات والبحوث التي مكنتهم من معرفة أسرار الجزيرة العربية، فإلى جانب السر الإلهي في خاتم الرسالات السماوية «الاسلام الحنيف» تمكنوا من معرفة حجم الثروات المخزونة في باطن الأرض، وقد أشرت لكم في موضوع سابق الى كيفية إحكام السيطرة على الثروة النفطية في خليجنا العربي الحر من خلال شركة «أرامو» التي نشأت برأس مال يهودي لضمان ولاء حكام المنطقة سياسياً لأوروبا وأمريكا بدرجة أساسية ثم أحكموا السيطرة على الاقتصاد بهدف السيطرة على الشعوب.
إن سيناريو محاربة الامبراطورية الاسلامية التي أقامها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم لم تتوقف حتى في عهده صلى الله عليه وآله والتاريخ شاهد على المؤامرات والدسائس وقد ازدادت خطورتها عقب وفاته صلى الله عليه وآله وسلم عندما ظهر الصراع على الخلافة ثم عندما تحولت الخلافة الراشدة الى الملك العضود في عهد بني أمية، وقد قدم التاريخ نماذج من الصراع الذي كان يدار بأيادٍ خفية كان هدفها هدم الاسلام والعودة بالجزيرة العربية الى عهد الجاهلية الأولى لإعاقة انتشار الاسلام الحنيف، وكان في كل مرحلة من مراحل التآمر على الاسلام يظهر اليمنيون بفكرهم المستنير القائم على الاعتدال والوسطية والتسامح وعدم الاعتداء على الغير واحترام حرية الديانات السماوية وكانوا بفضل علمهم بجوهر الاسلام الحنيف حجر عثرة أمام قوى التآمر التي تريد أن تضرب الاسلام بالإسلاميين الذين ربتهم الأجهزة الاستخباراتية الصهيوأمريكية لإلصاق تهمة الارهاب بالإسلام الحنيف، ولا أريد الخوض في هذا الجانب لأن الدراسات العلمية قد حددت مصادر الإرهاب وإدارته وتمويله، والحر تكفيه الإشارة، وليدرك الجميع أن كل سيناريوهات استهداف الجزيرة العربية لم تكن لاجتثاث الاسلام الحنيف فحسب وإنما لإحكام السيطرة على الثروة النفطية والغازية الكبرى من خلال إلهاء الأعراب بالصراعات المذهبية والطائفية وضرب الإسلام بالمسلمين الذين أحكمت قوى الاستعلاء والاستكبار السيطرة عليهم من وقت مبكر.
لقد أشرت في مواضيع سابقة الى سيناريوهات تفكيك الحزام الأمني الذي يحمي المقدسات الاسلامية ابتداءً من بروتوكولات صهيون وحتى اليوم، وحذرت منها كثيراً أشقاءنا في خليجنا العربي الحر ولكن لا حياة لمن تنادي، لأن أغلب الأشقاء في الخليج غارقون في الملذات والشهوات التي لا تختلف كثيراً عن جاهلية قريش الأولى، لقد حذرنا سابقاً من خطورة تفكيك العراق، ولم يستجب لنداء العقل والحكمة والايمان، بل وجهت سهام الغدر والعدوان على اليمن منذ ذلك التاريخ، وها هي النتيجة باتت اليوم ظاهرة للعيان محاولات التشريع الامريكي لتقسيم العراق الى كردستان وسنة وشيعة لإذكاء الحروب الدائمة بين هذه المكونات الثلاث لإلهائها عن حماية المقدسات الاسلامية والقضاء على الحزام الأمني الشرقي لخليجنا العربي، ولا أريد أن أكرر ما قلناه عن التفريط في سوريا الذي كسر الحزام الأمني لشمال الخليج، ولكن من باب التأكيد أن القوى الصهيوأمريكية تريد تدمير الحزام الأمني الجنوبي للجزيرة العربية باعتباره الأعتى الذي حال دون نفاذ خطط القوى الاستعمارية على مدى التاريخ، فأعدوا ما أعدوه في فوضى 2011م، حيث لاحظ المفكرون الاستراتيجيون في الوطن العربي أن المستهدف بالدرجة الأولى هو المؤسسة الدفاعية والأمنية حيث استخدمت أبشع وسائل تدمير الجيش اليمني بما في ذلك استخدام الصرف الصحي كما حدث للحرس الجمهوري في معسكر الصمع وما تلى ذلك من خطط التدمير التي بلغت أعلى درجاتها باغتيالات القيادات العسكرية والأمنية والتفجير بالأحزمة الناسفة وتدمير الطيران الدفاعي الحربي وإهلاك معداته وتعطيل فاعليته ثم تفكيك القوة البشرية وشل حركتها وتعطيل فاعليتها تمهيداً للقضاء على الكتلة البشرية الهائلة التي لا تقبل الاستسلام والانكسار والمعروفة بشدة بأسها وقوة اعتصامها بحبل الله المتين.
إن متابعة أحداث اليمن التدميرية على مدى خمسة أعوام من 2011م وحتى اليوم 2015م قد أظهرت حجم المؤامرة والمكيدة التي دبرت منذ رفض اليمن العدوان الغربي الصهيوأمريكي على العراق وبينت بوضوح لا لبس فيه أن القيادات العربية مجرد أدوات مسيرة وليست مخيرة تحركها قوى الاستكبار والاستعلاء العنصري كيفما تريد، وأن تلك القيادات قد قبلت على نفسها أن تكون مجرد أداة لسحق الشعوب العربية ومنع الحرية والقضاء على الكرامة الانسانية مقابل البقاء على كرسي السلطة والتمتع بالملذات والشهوات على حساب العزة والأنفة والنخوة والإباء وكل مكارم الاخلاق، حيث استغل أعداء الأمة العربيةرغبة بعض الحكام العرب السلطة الأبدية وجعلوا منهم أداة لقمع المشروع النهضوي العربي الواحد الذي يمكن الأمة من القيام بواجبها وأخذ مكانتها في خارطة توازن العلاقات الدولية، وقد أظهر القادة العرب استسلامهم في سنة 1945م عندما انقلبوا على بروتوكول الاسكندرية الذي نص على الدفاع العربي المشترك ضد أي عدوان أجنبي على أية دولة من الدول العربية والعمل على تشكيل جيش عربي واحد وموحد لمواجهة العدوان الخارجي ومنع القوى الاستعمارية من استغلال مقدرات الوطن العربي الكبير، ثم تدخلت أيادي الغدر والخيانة لتغيير صيغة الدفاع المشترك لحماية الأنظمة والحكام الذين يقبلون بالإملاءات الخارجية وكانت تلك المرحلة قد حملت بذور الانحطاط والانكسار العربي الذي نعانيه اليوم.
إن اليمن رغم الظروف القاهرة التي مرت بها وحاولت عزلها عن العالم ومحاصرتها عقب الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر عامي 62 و1963م، إلا أن الرجال الأوفياء من أبناء اليمن سبتمبر واكتوبر ناضلوا وتحملوا صنوفاً من العذابات التي مورست ضدهم من أشقائهم بدرجة أساسية ولم يحملوا غلاً في صدورهم على أحد على الاطلاق وظلوا يناضلون ويكافحون من أجل إعادة وحدة اليمن حتى تحقق لهم ذلك في اللحظة الكونية في 22مايو 1990م التي لاحت لأبناءاليمن بناء مشروعهم العربي الواحد باعتبار الوحدة اليمنية اللبنة الأولى في صرح الوحدة العربية الشاملة، وتجاوز اليمنيون كل المعوقات التي حاولت النيل من وحدتهم وبرهنوا للعالم على مدى ربع قرن من الوحدة اليمنية أنها عامل أمن واستقرار للمنطقة والعالم بأسره، إلا أن القوى الصهيوأمريكية لم تقبل بذلك لأنها تريد أن تجعل من اليمن طوع إرادتها كما هو الحال في بقية دول المنطقة، وحاولت استغلال كل ظروف الإعاقة، إلا أن الإرادة اليمنية وخصوصاً في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي حقق الوحدة وأوجد قدراً كبيراً من التوازن في السياسة الخارجية للجمهورية اليمنية كانت عصية على التطويع شديدة الاعتزاز بالهوية القومية العربية الاسلامية التي جعلت من الاسلام الحنيف روحاً ومن العروبة جسداً وناضلت طويلاً من أجل إتمام مشروع الوحدة العربية، و لكم أن تتذكروا مشاريع النهوض العربي التي تقدمت بها الجمهورية اليمنية وكان آخرها مشروع الاتحاد العربي، وهذا الاعتزاز والطموح المشروع الذي عبر عنه الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام كان محل اعتزاز وفخر لدى الجماهير العربية التي خرجت في معظم العواصم العربية مؤيدة ومطالبة بإنجاز الوحدة العربية الشاملة.
إن القوى الصهيوأمريكية قد أصابها الفزع من تفاعل الشارع العربي مع اليمن في سبيل إنجاز الوحدة العربية الأمر الذي جعلها تحرك أدواتها داخل بعض الحكومات العربية لتعطيل المشروع النهضوي الوحدوي العربي وتسعى الى تأجيله ثم بدأت دوائر الاستخبارات الصهيوأمريكية بتحريك أدواتها العربية للقضاء على الكتلة البشرية في اليمن التي تتحرك باتجاه عزة وكرامة العرب، وكان ما كان من شعار اسقاط النظام في 2011م الذي تصدى له اليمنيون بروح المسؤولية الوطنية والدينية والانسانية، فلم يكن أمام أدوات تدمير اليمن سوى تشكيل تحالف الشيطان للقيام بضرب القدرات اليمنية ثم اختطاف قيادات يمنية ووضعها تحت الإقامة الجبرية لممارسة المساومات والإملاءات القذرة والاهانات التي تجاوزت القيم الإنسانية، دون أن تعلم قوى تحالف الشيطان أن ما ينتزع تحت الإكراه والإجبار لا يمثل شرعية، ثم إن الذين مازالوا وسيظلون على ترابه الغالي مهما كانت ضربات الغدر والخيانة وحصار الفجور، وسيبوء تحالف الشيطان بالخسران المبين، لأن هدفه تحقيق رغبات أعداء الأمة العربية والاسلامية.
ومن كان هدفه خدمة الغير فهو حقير لا يناله سوى وصمة العار التي ستلاحقه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أما اليمنيون فإن الله تعالى على نصرهم لقدير لأنهم لا يؤمنون بالتبعية ولا يقبلون بالارتهان وغناهم في حريتهم وكرامتهم وعزة نفوسهم الأبية ونصرهم قادم بإذن الله.