عبدالرحمن مراد -
< لم يعد العدوان السعودي على اليمن بقادر على مداراة الأبعاد النفسية والثقافية التي تشكله وتشكل الوجدان العام لقادته، ولعل أبرز ما ظهر للناس وللرأي العام العالمي هو حالة الفراغ التي عليها النظام السعودي وخصائص الأبعاد الثقافية الصحراوية والبدوية التي لا تحسن إلا الهدم والتدمير والقتل والذبح تحت غطاءات الجهاد والحركات الدينية المتشددة، ويبدو أن التيار السلفي قد وقع تحت وَهْم الساسة من أسرة آل سعود الذين ينفذون مشاريع غربية هادفة الى الهيمنة على مصادر الطاقة وإهدار مقدرات المسلمين، ومقابل مثل ذلك هو بقاء أسرة آل سعود في سدة السلطة وبذات الآلية القديمة التي كان عليها النظام السياسي في أزمنة بدء التمدن البشري ويجدون في العقول الصحراوية والبدوية يداً تستمد قوتها من العصبية الدينية والعقائدية ويصبح الإسلام حالة براجماتية نفعية يجري تطويع مقاصدها في خدمة سلطة أو أسرة، ولذلك لم أستغرب أن أسمع من يقول بضرورة قتل اليمني وهدم عمرانه وإفساد أسباب حياته باعتبار ذلك رسالة ويرون فيه جهاداً، وفي المقابل لم نعد نستغرب تلك الأبواق التي تجرّم حركة المقاومة الإسلامية في لبنان وفي فلسطين، وقد سمعنا فتاوى، وتبلورت مواقف سياسية مساندة لإسرائيل في عدوانها على فلسطين ولبنان في جل الحروب التي حدثت منذ بداية الألفية الجديدة وحتى اليوم، ومن الغرائب أن يغض علماء نَجْد الطرف عن حديث وسائل الإعلام الاسرائيلية عن عدوان السعودية على اليمن وتصريحها بالقول بالمصالح المشتركة وبالتعاون العسكري واللوجيستي والإعلامي والسياسي بل كادت بعض أبواق الإعلام الاسرائيلي أن تقول إن الحرب على اليمن هي حرب إسرائيلية بحتة من أجل الأمن القومي الاسرائيلي وليس للسعودية من دور سوى الظهور في واجهة المعركة، وقد تحدثت وسائل إعلامية نقلاً عن منظمات إنسانية عالمية بالقول: إن القنبلتين الارجوانية والفراغية جاءتا من اسرائيل، والمهارات الفنية التي استخدمتها كانت اسرائيلية، وأمام مثل ذلك السقوط الأخلاقي والسياسي والثقافي تدبّج المؤسسات الاستخبارية الأفلام الوثائقية وتنشط في بثها هذه الأيام لتثير سؤالاً أو تنفي تهمة أو تعمل على إحداث انحراف في السياق العام، بيد أن العدوان السعودي قد أجاب عن أسئلة الأفلام الوثائقية التي تبثها قنوات الإعلام السعودي والقطري بصورة جلية وواضحة لا تقبل الشك، وقد طرح العدوان على طاولة المستقبل العربي أسئلة أكثر جدية وواقعية وهي في حال اليفاع وقد تجاوزت طفولتها وعفويتها بفضل العدوان السعودي الذي كان تدافعاً وفق فطرة الله ليكشف مستوراً ويعري واقعاً ويضع الأمة أمام سؤالها النهضوي الحقيقي الذي ظلت الرجعية العربية بقيادة السعودية تقف أمام إجابته الموضوعية والمنطقية.
وقد أصبح من البدهي القول إن حركة الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي لم تعد تدور في فلك المصالح السعودية بل قد حدث التبدل والتغير، كما أنّ الاعلام السعودي والخليجي قد وقع في التناقضات والكذب والتضليل ولم يعد بالقوة المؤثرة التي كان عليها، وقد كشفت حركة الواقع عن فشله في إدارة المعركة في اليمن بل يمكن القول إنه فشل فشلاً ذريعاً بدليل لجوء السعودية الى استنساخ قنوات موجهة الى اليمن وهي يمنية مثل قنوات «اليمن، والمسيرة، والساحات، واليمن اليوم» وذهب الغرور بهم الى أبعد من ذلك حين قصفوا قناة «اليمن اليوم» وقناة «المسيرة» في صنعاء وفي صعدة وقصفوا محطات الإرسال الإذاعي وأطلقوا إذاعات موجهة، وكل ذلك لم يجدِ نفعاً أمام الاشتعال الوجداني والغضب بل كاد الواقع وحركة الشارع اليمني أن يتحدث عن خيبة أمل السعودية وعملائها في الوصول الى عين المشاهد اليمني وأذنه، وكل الذي تجده في الشارع وفي كل مكان هو صوت الإذاعات المحلية المقاومة للعدوان وصوت الزامل الشعبي والشارع اليمني أصبح مرتبطاً وجدانياً بزعماء المقاومة ولا تجد من ينصت إلاّ لخطابات عبدالملك الحوثي وحوارات الزعيم علي عبدالله صالح، ومن دون أولئك لا تكاد تسمع لهم ركزاً.
لقد كشف العدوان زيف من يتشدقون بالمدنية وكذب من يتحدثون عن الديمقراطية والشراكة وتضليل من يحترمون إنسانية الإنسان وآدميته وتناقضاتهم، وكل المسلمات البدهية التي كانت في ذهن العامة من الناس تصدعت وعاد القائل بالمدنية الى أصله المتوحش والمثقف المضلل الى بدويته وصحراويته وامتاز الناس وأفصح الزمان عن جوهر الجغرافيا الوطنية وعن إنسانها الذي يرفض الهوان وإنسانها الذي يشعّ في داخله جبله ابن الأيهم وأبورغال وعن الإنسان الحميري الحقيقي الذي يصرخ في نخوته ومروءته يوسف ذو نواس، وأمام مثل تلك الصورة الذهنية ستكون اليمن التي تنشد في حالة وصل حضاري وفي بزوغ مبهر قد يعيد ترتيب الأشياء وفق نسق حضاري وثقافي جديد لا تغيب عنه العزة والكرامة.