د. عبدالعزيز المقالح -
اغتيال غزة بالحصار والضفة بالنفايات النووية “الإسرائيلية”. هذه خلاصة خبر صاعق نقلته هذه الصحيفة في عددها الصادر في 10 اغسطس/آب الجاري. وفي صفحتها الأولى وبالخط العريض. تصورت حين قرأت هذا الخبر الصاعق أن الوطن العربي يعيش حالة زلزال، وأن الأنظمة العربية على اختلاف ما تعانيه من تباينات وحساسيات لن ينام لقادتها جفن، وأنها سوف تتداعى الى لقاء حاسم يحميها من خطر التلوث القادم أولاً، ثم يحفظ ما تبقى من فلسطين، ولمن تبقى من أبنائها المحاصرين الأمن والسلامة من الموت البطيء، لكن تصوري بعد أن مر من الزمن ما يزيد على الأسبوع بدا خائباً، وما ظننت أنه سيحدث لم يحدث، وأعتقد أنه لن يحدث، ليس لأن الأنظمة العربية لا تقرأ ولا تتابع ما ينشر عن الواقع الفلسطيني وملابساته المتجددة، وإنما لأن أحداً من هذه الأنظمة لا يشعر بأن الأمر يعنيه ولو وصلت النفايات النووية “الإسرائيلية” الى مدينته أو إلى حديقة منزله.
لماذا؟ والإجابة على “لماذا” لا تستدعي طول تفكير ولا تحتاج الى “هرش” الرؤوس، وهي واضحة شديدة الوضوح من خلال المواقف التي تقفها هذه الأنظمة في كثير من القضايا البالغة الخطورة والتي تخصها تماماً فضلاً عن القضايا التي تتعلق بالموضوع الفلسطيني من ألفه الى يائه. وما أكثر الاجتماعات التي تمت في مقر الجامعة العربية، وفي أماكن أخرى والتي حضرها وزراء خارجية الدول العربية تحت لافتة مساعدة أشقائهم الفلسطينيين وكانت نتائج هذه الاجتماعات، للأسف الشديد، لا تتناسب مع واقع القضية والانقسامات التي يتعرض لها أبناؤها، وكان في بعض المواقف ما يدعو الى مزيد من الاعتداءات الصهيونية والبحث عن مخارج ومبررات للدول العظمى التي ينتظرون أن تشهد لهم بحسن السير والسلوك وبأنهم يحبون “السلام” ويكرهون “التطرف” ويعارضون كل ما من شأنه أن يزيد مساحة الحرائق في منطقة “الشرق الأوسط”.
ويبدو أننا - بعد هذه التوطئة الضرورية - بحاجة الى استكمال الخبر الخاص بدفن النفايات النووية في الضفة الغربية، وهذا نص الخبر كما ورد الى الصحيفة من رام الله: “قدمت السلطة الفلسطينية تقريرا الى الأمم المتحدة يؤكد ان “اسرائيل” تدفن منذ سنوات آلاف الأطنان من نفايات المدن والمستعمرات ومن بينها النفايات النووية في أراضي الضفة المحتلة، وأشارت الى أن ذلك يتعارض والقوانين والمواثيق الدولية، خاصة ان هذه النفايات مصدر للأمراض المميتة. ودعت المنظمة الدولية الى التدخل لوقف هذه الجريمة الخطرة على الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية والمياه في الأراضي الفلسطينية. وأورد التقرير شهادات موثقة عن تزايد الإصابات السرطانية وسط سكان القرى الفلسطينية جنوب جبال الخليل، وارتفاع نسبة المواليد المشوهين فضلا عن العقم”.
ألم يكن في هذا الخبر ما يزلزل ويمنع النوم عن الأجفان؟ وهل الصمت على موضوع كهذا مقبول أو شبه مقبول؟ إن القضية الفلسطينية بجوهرها وبكل مستجداتها كانت وستبقى القاسم المشترك الأعظم بين أبناء الأمة العربية حكاماً وشعوباً وأي محاولة لخلخلة هذا القاسم المشترك لن يكون مصيرها سوى الفشل، فالوجدان القومي يزداد اشتعالا وانتظارا للحظة الحاسمة.
وليس صحيحاً على الاطلاق ما يردده المهزومون والسائرون في طريق التطبيع من أن روح الانتماء الى الأمة الواحدة قد خفت والشعور تجاه القضية المركزية قد تراجع، وفي الشارع العربي المتحفز البرهان والرد القاطع.
نقلا عن الخليج