بقلم : فائز سالم بن عمرو -
< عند اشتداد الأزمات وتحكمها بالمجتمع وفئاته تطغى العاطفة وتسود لغة الغرائز والاتهامات وتتغيب الحكمة ، وتأخذ العقول إجازة بدون مرتب عند الكثير من الخاصة من المثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي ، فما بالك بدهماء الناس وبسطائهم المشحونين بشحنة إعلامية سلبية من الحقد والكراهية والتخوين .
منذ أن شنت طائرات العدوان السعودي نيرانها على الأخضر واليابس في بلادنا دون تمييز، تبعها سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا ممن يسمون أبناء حضرموت عند قوات التحالف، سادت الجو العام في بلادنا ومحافظتنا خيمة سوداء من فقدان الأمل والخوف وغلبة العنف والانتقام والترقب، اتخذ بعض المأزومين هذا الجو المسموم مطية لتصفية حسابات شخصية وحزبية وتسويق أحقادهم الشخصية تحت مسمى حماية المقاومة الجنوبية التي رفعت شعاراً كبيراً خاطئاً مفاده: "من ليس معنا مؤيداً لعاصفة الحزم وتدمير وطنه ، فهو عدونا، لنا الحق في تصفيته وتهديده وتشويه سمعته وطمس تاريخه" .
عملت هذه الأقلام الملوثة بالدم على إقامة غرفة عمليات إعلامية وأمنية وحزبية لتصنيف الناس إلى وطنيين وخونة وخلايا نائمة وعفافيش وحوثيين يتم التحريض عليهم في شارع مشحون بالحقد والانتقام ، وترتفع أسماء المخالفين كأشخاص مطلوبين لجماعات مجهولة معروفة بالعنف والتصفية وعدم العقلانية ، بل إن بعض الثوار الجدد جرتهم العاطفة والرغبة في الانتقام إلى أن قدموا لقوات العدوان إحداثيات منازل مأهولة بالأسر والأطفال ، وكذلك لمقرات حزبية ومبانٍ حكومية لتدميرها ولتصفيتها عسكرياً، وعملت الغريزة العاطفية المتشنجة بأحداث الصراع في عدن والضالع والجنوب مقرونة بصور الضحايا والقتلى وتزايد معاناة المواطنين على الترويج للإشاعات الملغمة بالعنف والقتل والتصفية ليتبادلها المواطنون والشباب المتحمس كمادة إعلامية مسلّم بها لا تقبل النقاش أو الحوار أو التأمل ، فيوصف بالخيانة والعمالة كل من يدعو للاحتكام للعقل أو المنطق، وان منطق التحريض والعنف سيؤدي إلى انتقامات وتصفيات وثارات مجتمعية وقبلية تطيح بما تبقى من أخلاق ومقومات المجتمع اليمني وستهز تعايشه الاجتماعي والمعاشي .
نحتاج في هذا الوضع الصعب والمحنة الوطنية التي تعيشها بلادنا وأمتنا إلى تجنب سفك المزيد من الدماء والدعوة للتسامح والمحبة وتحكيم العقل والمنطق ، وإننا مهما اختلفنا وتباينت مواقفنا السياسية والحزبية والجماهيرية ، فنحن محكمون بالتعايش والتسامح وقبول بعضنا البعض وتفهّم خلافاتنا ، وان نحتكم للحوار لحل خلافاتنا وتقريب وجهات النظر فيما بيننا ، فالذي يجمعنا كإخوة وشعب وأمة أكبر مئات المرات مما يفرقنا من مواقف طارئة فرضها واقع سياسي وإقليمي سرعان ما سيزول، ونعود للتسامح والتصالح فيما بيننا ، ولكن بعد نهر من الدماء البريئة سُفك استجابةً لغرائز مشحونة واتجاهات سياسية وإعلامية إقليمية تفرض علينا الحقد وتفرقنا إلى فرق وملل متحاربة ومتصارعة.