بقلم/ عبده محمد الجندي - لا يحق للذين باعوا بلادهم وشعبهم للمعتدين ان يتطاولوا على اسيادهم من الذين رفضوا البيعة واختاروا- عن قناعة- الدفاع والتصدي للعدوان، مفضّلين الموت على الحياة المهانة.. وفي مقدمة هؤلاء الرجال العظام الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام والسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي زعيم جماعة أنصار الله اللذان اختارا التضحية بما هو ذاتي من المصالح والمواقع والمكاسب والمناصب من أجل الحفاظ على ما هو موضوعي المتمثل بمصالح الوطن والشعب، هذا النوع من القيادات العظيمة لا يمكن للضربات ان تبدل قناعاتهم ومواقفهم تجاه الأحداث، يقابلهم أولئك العملاء والخونة الذين قدموا مصالحهم الذاتية على المصالح الوطنية العليا لشعبهم وطلبوا من اسيادهم العدوان على شعبهم ووطنهم بكل ما لديهم من الأسلحة الفتاكة ومن الأموال الطائلة ومن العلاقات الدولية ومن الوسائل الإعلامية القادرة على قلب الحقائق وتضليل الشعوب إلى حين.. والذين لم تنحصر مواقفهم الجبانة في نطاق البيعة بقدر ما تجاوزوا ذلك العمل المشين إلى وضع ما لديهم من الأسرار والمعلومات تحت تصرف المعتدين، لا بل وحملوا السلاح للقتال في صفهم ومشاركتهم في قتل المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن والعمل معهم كخدم أذلاء يقدمون لهم ما هم بحاجة إليه من المعلومات والبيانات الاستخباراتية التي تشد القتل والحصار على شعبهم حتى الموت في هدم منازلهم على رؤوسهم أو الموت جوعاً بعد تدمير كل ما لديهم من البُنى التحتية المدنية والعسكرية من الجو والبر والبحر.
أي نوع من الخونة هؤلاء الأنذال الذين باعوا وطنهم وشعبهم وأنفسهم للشيطان، وأي عظماء أولئك الأبطال الذين قبلوا التضحية بما لديهم من الأموال والدماء والأرواح دفاعاً عن حق وطنهم وشعبهم عليهم من واجبات أخلاقية لا تختلف عن غيرها من الواجبات والمقدسات الدينية..
أقول ذلك وأقصد به ان القيادات التاريخية التي تتصدر هذا النوع من النضالات الكدودة والتضحيات الشاقة، موجودة في كل زمان ومكان.. وان النوع القبيح والرخيص من القيادات التافهة موجودة أيضاً في كل زمان ومكان، وليست الحالة اليمنية سابقة لا نجد لها مثيلاً لأن الحياة رحلة من الصراع الدائم والمستمر بين قوى الخير وبين قوى الشر، بين قوى الثورة وبين القوى المضادة للثورة، بين رجال المبادئ والقيم والمثل وبين الانتهازيين الذين يعبدون ما لديهم من المصالح والمنافع الذميمة والقبيحة.. بين الذين يستعظمون مصالح شعوبهم وبين الذين يفرطون بما لدى شعوبهم من المصالح من الذين لا يبحثون إلاّ عما لديهم من الملذات والأهواء.. لذلك لا غرابة ان يضرب النموذج الأول من القادة نموذجاً رائعاً ومشرفاً من المواقف الشجاعة والتضحيات التي يتباهى بها الأبناء والأحفاد جيلاً بعد جيل، في حين يتحول النموذج الثاني إلى سقطات ينكرها ويزدريها الأبناء والأحفاد جيلاً بعد جيل، لأن الإنسان حيث يضع نفسه، وحيث التاريخ الذي يختاره لأبنائه واحفاده، إنْ خيراً فخير وإنْ شراً فشر.
وهنا لابد من كلمة حق أقولها لأبنائي واحفادي انني واحد من الذين وُضعوا أمام خيارات صعبة وتُركوا ليختاروا لأنفسهم ولأبنائهم ولأحفادهم الموقف الذي يليق بهم فكان اختياري ان أكون إلى جانب أولئك الذين وضعوا انفسهم إلى جانب النموذج الأول برغم ما يترتب عليه من مواقف صعبة ومسالك مزروعة بالكثير من الأشواك والعواسج التي تحتمل الموت والحياة، رافضاً كل المغريات التي تغلب متطلبات الحياة على متطلبات الموت، لأن الخيانة عملية تالية للعمالة، والوطنية عملية سابقة للعمالة والخيانة وكابحة لها لا يمكن اختيارها بسهولة، لأن الولاء الوطني لا يمكن استبداله بما يمكن الحصول عليه من المال والسلاح أو من السلطة والثروة..
اقول ذلك وأقصد به أنني قد اخترت كغيري من الملايين ان اكون إلى جانب هؤلاء العظماء، رافضاً كل المغريات وألا أكون مع الذين تورطوا في تأييد العدوان على بلادهم مقابل ما حصلوا ويحصلون عليه من المال والسلاح فوجدوا أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه منبوذين أو محتقرين حتى من قبل وسائل الإعلام المرئية التي تستضيفهم من الناحية الوظيفية لا من الناحية المهنية وتتخذ من احاديثهم المستأجرة أدلة غير معقولة وغير مقبولة على تبرير ما يقوم به العدوان من الابادة الجماعية لشعبهم ومن الدمار الشامل لوطنهم بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العمالات والخيانات، لم يعد لديهم من القدرة على التبرير ما يحفظ لهم ماء الوجه وقد اصبحوا يقولون بعض كلمات وعبارات مكررة ومحتقرة نظراً لما تنطوي عليه من الابتذال والافلاس في محاولة بائسة لإلقاء مسئولية العدوان وما يقوم به المعتدون على القوات المسلحة واللجان الشعبية وعلى القوى السياسية الوطنية الرافضة للعدوان، في مسرحية هزلية فاحت جيفتها في جميع الآفاق الإنسانية والتحررية والتقدمية الرافضة للاستعمار بكافة اشكاله وأنواعه الأجنبية..
إنني إذ أدعو هؤلاء الذين أوقعوا أنفسهم وأبناءهم واحفادهم في مواقف صعبة من الناحية المبدئية ومن ناحية الطهارة القيمية والأخلاقية فتحولت مواقفهم المشينة إلى نقطة سوداء يتأفف منها الشعب اليمني جيلاً بعد جيل.. وسيجد بها أبناء الكويت فرصة ثمينة ليقولوا لبعضهم البعض من أبناء الدول الخليجية تأملوا وقارنوا بين المواقف المشرفة للكويتيين من غزو العراق للكويت وبين المواقف غير المشرفة لبعض اليمنيين الذين جمعهم لقاء الرياض وكيف تحولوا إلى متسولين مؤيدين بالوقاحة كلها وبالقذارة كلها للمعتدين على شعبهم ووطنهم يتنافسون على تسويق مواقفهم المخزية مقابل الحصول على مكاسب زائلة لا تستحق منهم الاساءة لما قاله الرسول الأعظم عن أبناء هذا الشعب العظيم «الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية» سوف يلعنهم الآباء والاجداد المعينيون والسبئيون والحميريون ويتململون منهم ومن افعالهم المشينة التي لا يمكن تبريرها بما يختارونه لهم من المسميات والمخرجات الخيانية، ضاربين عرض الحائط بمصطلح المقاومة لأبناء وطنهم مقابل تبرير العدوان والتستر عليه.. فهذا الشعب العظيم الآن يكشفهم في جميع الميادين القتالية، فلا يحصدون من عمالتهم وخيانتهم سوى الهزائم المتلاحقة..
النظام العراقي الذي استطاع غزو الكويت بضربة عسكرية سهلة استحال عليه ان يجد بعد النصر كويتياً واحداً يؤيده ويقبل بأن يكون صورة لتأييد وشرعنة العدوان، أما النظام السعودي فقد وجد الكثير من العملاء والخونة يقدمون له ما هو بحاجة إليه من المبررات الواهية لشرعنة العدوان الذي اغضب الله في السماء والإنسانية المؤمنة في الأرض نظراً لما أسفر عنه من أوضاع مأساوية وكارثية بحق الإنسانية وبحق شعب يدافع عن سيادته وكرامته وحقه في الحياة، شعب أرهقه الفقر ومزقته الصراعات والحروب الأهلية المتهالكة والمتهافتة على السلطة، وألحق به العدوان كل ما يمكن للمرء أن يتوقعه من القتل والتنكيل والخراب والدمار، فقد اصبح بحاجة ماسة إلى وقفة مراجعة وتقييم وتقويم للمواقف والسياسات الناتجة عن افعال وردود أفعال خاطئة جعلت الأعداء يستفيدون منها على حساب الجميع بصورة لا يسلم منها أحد بمن فيهم أولئك الذين يقفون في صف المعتدين ويؤيدون ما يقوم به من عدوان قاتل للحياة وللحرية وللاستقلال وللكرامة والسيادة الوطنية، وكتب على هذا الشعب الصامد والصابر بوجه التحديات ان يلقى ثمرة خمسين عاماً من الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر وما تلاها من الثورات التصحيحية المنطلقة من قناعات جمهورية راسخة.
إن عودة الجميع عشرات الأعوام إلى الخلف يعني تفريط الأبناء والاحفاد بكل التضحيات والمنجزات التي حققها الآباء والأجداد، وذلك أمر مؤلم، لكن ليس أكثر منه إيلاماً ومدعاة للمراجعة تقديم التنازلات الصعبة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ولا منتصر ولا مهزوم من أجل اليمن الشعب والوطن أولاً وأخيراً.
أقول ذلك وأقصد به ان الشعار الذي يجب ان يعلو على غيره من الشعارات السياسية هو شعار «التصالح والتسامح» واغلاق ملفات الماضي بكل ما تنطوي عليه من الصفحات السوداء..
من أجل حاضر ومستقبل يشد أزر الصديق ويرد كيد العدو ويجعل الديمقراطية هي المدخل الوحيد الشرعي للوصول إلى السلطة والمشاركة فيها، ويجعل العدالة الاجتماعية هي المدخل الوحيد للشراكة في الثروة، ويجعل المواطنة المتساوية هي الضامن الأهم في الانتصار لسيادة القانون من خلال دولة مدنية حديثة ومن خلال فلسفة سياسية جديدة تجعل المستقبل هو المنتج الوحيد للحاضر بعد ان كان الحاضر هو المنتج الوحيد للماضي الذي سادت فيه الشمولية الرافضة للتعدد والتنوع والتداول السلمي للسلطة، بعد ان سادت النظريات المستبدة لأنظمة الحكم التي تعتبر السلطة حقاً إلهياً يمنحه الله لمن يشاء من عباده المقدسين الذين اصطفاهم وميزهم عن غيرهم من البشر..
إن هذا العصر هو عصر الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية السياسة وحرية الصحافة وعصر التعددية الاقتصادية وتعدد القطاعات الاقتصادية وحرية التجارة وآلية السوق والمصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وتوازنها بين الدول.
أعود فأقول إن التنازلات التي يجب ان نقدم عليها مقرونة بالمصلحة الوطنية العليا للشعب والوطن.. وان يتنازل المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه وأنصار الله وحلفاؤهم لأحزاب اللقاء المشترك وشركائهم وللحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط، أفضل بكثير من دفعهم الى اقامة العلاقات التحالفية المشوبة بالكثير من الشبهات المثيرة لسلسلة من الاتهامات والاتهامات المضادة لأن الحرب الأهلية ستكون هي المحصلة النهائىة لما أحدثه العدوان من تدمير للقيم الأخلاقية والوطنية والقومية والإسلامية بين أبناء الشعب اليمني الواحد.
ولا يمكن للتنازلات ان تكون من طرف واحد إذا أُريد لها ان تكون تنازلات بنّاءة ومثمرة بل تكون بقية الاطراف على استعداد لتقديم تنازلات متبادلة في سبيل الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره.. وتغليب قيم العلم وقيم العمل على غيرها من قيم العمالة والخيانة التي لا نتذكر منها سوى الصراعات والحروب الدامية والمدمرة التي يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى الأعداء الذين لا ينظرون للجميع إلاّ من زاوية ما لديهم من المصالح والمخاوف الأمنية..
قد يقول البعض ان الحديث عن تصالح وتسامح بين القوى السياسية والحزبية والاجتماعية عملية مستحيلة طالما كانت هناك ارتباطات ايديولوجية ومادية بالدول الخارجية المتصارعة، وان الرهان على الحسم العسكري يتقدم على غيره من الرهانات السياسية وغيرها، وان التصالح والتسامح قرار خارجي اكثر مما هو قرار داخلي لأن الداعمين والمانحين لهذه الصراعات والحروب لا يؤمنون إلاّ بالافعال المحسوسة والمسموعة بما تخلفه من الأوجاع والمآسي الدامية والمدمرة..
فأقول بالأحرى ان على اصحاب القرارات الخارجية أن لا يراهنوا على هذه الصراعات والحروب الأهلية لأنها سوف تظل قائمة ولا يمكن لطرف ان يتمكن من تحقيق ما يحلم به من الانتصارات الحاسمة لأن وجود الدعم الخارجي مهما كان متفاوتاً يوفر للاطراف ما هم بحاجة إليه من مقومات الاستمرار والديمومة العسكرية القاتلة للوطن والمواطن اليمني.. والنهاية الحتمية لهذه الصراعات والحروب لا تكون إلاّ بالسياسة وتبادل التنازلات..
|