محمد علي عناش -
بلغ عدوان آل سعود مبلغه من الوحشية والهمجية والتجرد من كل القيم، يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ ويقولون من أجل مصلحة اليمنيين، يقصفوا الأسواق والمساجد والمصانع ويدمروا المستشفيات والمدارس والمعالم الاثرية ويمعنوا في حصار اليمنيين بحراً وبراً وجواً ويرددون هذه الجملة السخيفة المنبعثة من مستنقعات أخلاقهم وثقافتهم "من أجل مصلحة اليمنيين" حتى مشائخ دينهم يدعون للملك لقيامه بواجبه الديني تجاه شعب اليمن بهذه الطريقة البشعة.. فهل هذا هو دين الإسلام أم دين ابليس؟
بالتأكيد أن دين الإسلام هو دين السماحة والعدل والإخوة والمحبة والسلام وليس له علاقة بهذا العدوان الهمجي المتجرد من كل القيم الدينية والإنسانية، وبما ترتكبه السعودية وحلفاؤها ومرتزقتها من جرائم يندى لها جبين الدين والإنسانية، ليس له علاقة بهذه الوساخات والجرائم التي يتم شرعنتها واباحتها والباسها ثوب الدين والقدسية ويكذبون على الله والرسول بأنها جهاد في سبيله ودفاع عن دينه..
في العدد السابق من صحيفة "الميثاق" الصوت النابض بالحرية والكرامة والمصداقية والمواقف الوطنية الشجاعة في زمن الخنوع والخيانة والتآمر، تكلمنا عن اللصوصية التاريخية لأسرة آل سعود للسلطة والثروة والدين، أحد الأصدقاء أبدى اعجابه بالموضوع كونه يناقش العدوان السعودي من ناحية الخلفية الثقافية والإجتماعية، متفقاً مع ما طرحته من لصوصية هذه الأسرة للسلطة والثروة وتغييب المجتمع واعاقة تحولاته الإجتماعية والسياسية، إلا أنه ناقشني حول جزئية معينة في الموضوع المتعلقة بسرقة هذه الاسرة لدين الإسلام.. بالطبع ان إفراغ دين الإسلام الحنيف من نقائه وثوريته الخلاقة من أجل ارساء دعائم العدل والمساواة وإقرار حرية الإنسان وحرمة دمه وحقه في العيش الكريم، وتحويل الدين الى خدمة الأشخاص وتبرير فسادهم وجرائمهم هي تشويه للدين وسرقة له ولقيمه ومبادئه.
تكريس الوهابية بما تحمله من انغلاق وجمود وقتل للمشاعر وتدمير للوعي الخلاق وقوى التفكير العقلاني والحضاري، هي سرقة لدين الإسلام الحنيف، سرقة مكملة لسرقة المجتمع واختطافه وتغييبه وقتل نزوعه الثوري، مكملة لترسيخ سلطة الملك والأمراء بسلطة دينية قاهرة وكابحة لحرية الإنسان وتطلعاته وثوريته الخلاقة، ومنتهكة لإنسانيته وعقله ووعيه الحضاري، لتجريده من أي نزع انساني ومعرفي وأخلاقي وعقلاني.. حول هذا العدوان السعودي الهمجي الذي لايستند لأي مبرر أو سبب، جرب أن تحاور سعودياً بلغة العقل والمنطق والأخلاق كركائز أساسية في ثقافة الشعوب، سيرد عليك بلغة الشيخ وما تراكم لديه من ثقافة دينية موجهة، الإنسان السعودي في أعماقه لايستطيع أن يحاور بلغة سياسية متحررة من سطوة المشائخ في وعيه، ليس لديه ثقافة بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، لديه «فوبيا» راسخة من هذه المسائل، ليس لديه ثقافة بالحقوق والقانون الدولي كثقافة مشتركة بين الشعوب..
وانما لديه ثقافة معلبة وجاهزة من المشائخ، مجبور على أن يتناولها كما يتناول بشكل يومي علبة السردين والجبنة ورغيف الخبز المستورد، وغيرها من المأكولات المعلبة التي يستوردونها له كي يستهلكها دون أن يسأل نفسه كيف صنعت؟وماذا يعمل لو انقطعت عنه؟ حاول تسأله لماذا هذا العدوان السعودي البربري على اليمن؟سيرد عليك بأجوبة جاهزة لديه:من أجل حماية أمن المملكة ودفاعاً عن الدين من الروافض والمجوس اتباع ايران، فوبيا راسخة في وعيه مضافة الى فوبيات اخرى، تستهدف السعودية ونفطها وحياة الرفاهية الجاهزة فيها، لم يتوقف نهج آل سعود ومن خلفهم من مشائخ الوهابية، عند سرقة المجتمع في وعيه وموارده، وانما امتد الأمر الى سرقة المجتمعات العربية ومسخ هويتها وسرقة ذاتها ودينها دين الإسلام الحنيف، بدعشنة هذه الشعوب..
وتحويل هذا الدين الى دين ذبح واحزمة ناسفة وبيع سبايا وتدمير المعالم التاريخية الحضارية، نحن لا نتجنى على المجتمع السعودي المغيب والمأسور، لأن هذه هي الحقيقة، التي يمكن ان تراها بوضوح، في اختزال هذا المجتمع في جمعيات ومشاىخ دين، لايوجد في السعودية مثلاً حزب يساري أو ليبرالي او قومي عروبي،لايوجد حتى جماعة سرية ذات توجه عصري وديمقراطي،لايوجد حتى اسم نقابة، هناك فقط هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجمعيات السلف الصالح ومواقع الترغيب والتهويل، وصفحات العريفي والسديس والقرني وغيرهم من المشائخ ومعجبيها بالملايين من هذا المجتمع المغيَّب والمختطف، المجتمع السعودي مختزل ومأسور في تفكيره وحياته في هكذا جمعيات وأشخاص، مدجن الى درجة الغيبوبة والتبلد، الأمر الذي يفسر كيف لأسرة تدير بلد بهذا الشكل القامع والآسر للذات وتنهب ثروته الى درجة السفه، دون ان يكون هناك حركة ثورية تحررية مناهضة مع احترامنا للاصوات الحرة القابعة في السجون والمعتقلات..