د. عبدالعزيز المقالح -
يرتجف الإنسان، الأرض ترتجف، الزمان والمكان وكل ما في عالمنا من حيوان ونبات يرتجف. لا شيء على مرمى السمع والبصر في المدى القريب والبعيد لا يرتجف. الكلمات، الابتهالات، الحروف، الموسيقى، كلها ترتجف، والسبب حالة العنف والعنف المضاد، والإصرار على عدم معرفة الأسباب المؤدية إلى هذه الحالة، والجهل بالتضاريس النفسية والروحية التي تتخفى وراء كل فعل عنيف، ورفض الإصغاء لصوت التعايش الذي هو في الوقت نفسه صوت الدين والضمير، صوت العقل الذي كان وما يزال بمقدوره النجاح في حل مجمل التناقضات بين البشر، وما ينتج عن هذه الفروقات من إحساس بالظلم وشعور بالمهانة الإنسانية.
إن العنف الأول مدان، والعنف المضاد مدان أيضاً، وإذا لم يدرس القائمون على شؤون العباد وبعمق الأسباب الحقيقية التي أدت إلى العنف الأول، وجعلت صاحبه يتخلى عن ضميره وشعوره الإنساني، ويحتكم إلى القوة ويُقْدم على ارتكاب العنف وبقلب بارد، ووجدان تخلى عن كل إحساس بالمسئولية والشعور بالذنب فإن العالم سوف يتحول إلى دوامة من العنف لها أول وليس لها آخر.
والملاحظ أن جانباً كبيراً من الموجة العالية للعنف التي باتت تعم العالم، كان يمكن إيقافها وإطفاء نيرانها، ووضع حد نهائي لما تسببه من خوف وهلع، ومن ردود أفعال قاسية، لو أن العقلاء القادرين حزموا أمرهم منذ البداية، ودرسوا بوعي مكونات العنف ومسبباته، وأدركوا بيقين الفارق الكبير بين عنف المظلوم وعنف الظالم.
ولندع عنف المظلوم جانباً، وهو ما يراد لنا تجاهله وعدم تشجيعه، أو تعريفه، ونخلص إلى الحديث عن العنف الظالم، عنف القوة الباطشة التي تزعم لنفسها الدعوة إلى مواجهة العنف، وحشد الأنظمة والطاقات في هذه المهمة "النبيلة"، وسوف نتبين أن قادة العنف الظالم لم يحسبوا الحساب الكافي للأسباب التي صنعت نماذج من العنف المظلوم، ولم يتمعَّنوا أو يتفحصوا الواقع الذي أفرز تلك النماذج الظاهرة من العنف الاضطراري، إذا جاز توصيفه كذلك. والغريب أنه بعد الفشل الذريع والإخفاقات الكثيرة لم يلتفت هؤلاء إلى دراسة التضاريس السياسية والاجتماعية والوطنية، التي صنعت عنف المظلومين في فلسطين، والعراق قصراً لا حصراً.
لا أريد أن يفهم البعض من سياق هذا الحديث أنني أتقبل العنف أو أبرر الأقوال والأفعال التي تتقبله، أو تبرره، فمنذ وعيت نفسي ووعيت ما حولي أكره العنف بكل أشكاله ومسمياته، ابتداءً من عنف الكلمة إلى عنف الممارسة، لكن ما نراه ويشهده العالم من عنف ضد الشعوب التي تريد أن تنهج نهجاً مخالفاً في السياسة أو الاقتصاد، وكيف يتحول هذا العنف إلى حروب تنتج أشكالاً من العنف يصعب توصيفها أو تصنيفها، فضلاً عمَّا توقظه في الشعوب المستهدفة من مكبوتات نائمة أو منسية، ومن ولاءات طائفية ومذهبية لا تنفك تخرج من مكامنها، وتغرق الشعوب في مستنقعات العنف والعنف المضاد.
وأعود إلى القول بأن إزالة العنف والقضاء النهائي عليه يتطلب البدء بمعرفة أسبابه ومنابعه وجذوره، وقراءة ما يحدث الآن على مستوى العالم أجمع من عنف مصنوع ومرتب له سلفاً، وباستثناء عنف الجماعات العنصرية، وأصحاب الاتجاهات المغلقة وعنف اللصوص وقطاع الطرق وعنف تجار المخدرات والمنحرفين نفسياً، وهو عنف خطير لكنه ثانوي، فإن العنف الأكبر الذي بات يؤرق الشعوب، ويفسد الأمن والتنمية، ويحد من الآمال العريضة لمستقبل سعيد للبشرية، هو هذا الذي ينبغي أن يتوقف العقلاء إزاءه، وأن يخرجوا بتعريف أو توصيف دقيق له، يضع حداً للبلبلة التي سادت العالم، ونتج عنها ضحايا بالملايين، وتحولت موجة العنف إلى عنف أشد وأقسى على المجتمعات المعبأة بالخوف، والتي ما فتئ أبناؤها يضعون أيديهم على قلوبهم في انتظار المفاجآت غير السارة التي لا يدري أحد أين ومتى، وفي أي مكان ستقع؟!!.
الدكتور محمد علي مقبل في كتابه الجديد عن "السياسة والثقافة":
الكتاب حصيلة جهد طويل، ومتابعة متأنية لكثير من القضايا التي تهم الإنسان والوطن. ويتوزع الكتاب إلى أربعة فصول الأول بعنوان "قضايا سياسية" والفصل الثاني "ثقافيات"، والثالث "موضوعات عسكرية"، أما الفصل الرابع والأخير فهو عن "هموم اقتصادية". استوقفتني كل موضوعات الكتاب وبخاصة منها حديثه عن حصار السبعين يوماً، فقد كان الدكتور محمد علي مقبل واحداً من شهودها والمدافعين عن عاصمة الثورة والأمل.
الكتاب من إصدارات مركز عبادي، ويقع في 347 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
حاولْ يا هذا
ما اسْطَعْتَ ليبقى حقدُكَ إنسانياً
منزوعَ الأظفارِ ومنزوعَ الأنيابْ.
فأخوك هو الإنسانُ
الواقف يستجدي رضوانَك
عند البابْ.
يحمل ديواناً من شعرٍ
يكتبه الشوق إليك
وباقةَ وردٍ وكتابْ.
*الثورة