د. عادل الشجاع -
إن الأوضاع في اليمن تكاد تتحول الى حرب أهلية بين حين وآخر بسبب بنية الثقافة والعقل السائد في حقل هذه الثقافة.. وللأسف الشديد فإن المثقفين لم ينهمكوا في تحليل هذه الثقافة المولدة للعنف والاقصاء.
بل إننا جميعاً مع كل مواجهة دامية ننخرط في ترديد الأناشيد المعادة والتراتيل المكرورة التي لا تتجاوز ابداً سطح الحدث.. وكأننا لا نقصد حقاً الى ازاحة العنف عن كاهل هذا الشعب.. إن الجميع يقفون أمام التجليات السطحية لكل أزماتنا.. فنحن أمام خطاب ديني أثبت اخفاقه في تحقيق أي من غاية الوطن النهضوية وقد أصبح لزاماً، على هذا الخطاب أن يسقط بعد أن آل الى تلك المأساة، حين ادعى أنه خطاب نهضة، ليبقى مجرد ستار أيديولوجي تخفي به هذه الجماعات واقع هيمنتها على المجتمع وتسلطها عليه.. والغريب أن هذا الخطاب لا يعلق خيبته في رقبة مجمل عوائقه الذاتية، بل على عاتق مجتمع جاهل وجماهير بائسة.
وبسبب الأمية وغياب الوعي واتساع دائرة الاحباط والعجز، اعتقدت هذه الجماهير أن الملاذ الحقيقي هو في اتباع الجماعات التي ترفع شعار الاسلام.. وهنا تتجلى أزمة هذا الخطاب الذي يعجز عن انتاج معرفة متقدمة تخلص الجماهير من البؤس الذي تعيشه، ومن هنا فإن ما تنطوي عليه الجماهير من اليأس لا تملك إلاّ أن تسقط في دوامة العنف، وتسمح لهذه الجماعات أن تتسلط على المجتمع وعندما تنتشر الأمية فإن هذه الجماعات تعمل على أسر تفكير المجتمع، حيث تدعوه الى كراهية المباهج الدنيوية والملذات الوضيعة، وتزعم أن الرسول »صلى الله عليه وسلم« كان يفترش الأرض ويحتقر الذهب والحرير.. كما أن هذه الجماعات لمزيد من السيطرة على اتباعها فإنها لا تهتم بالتعليم الجامعي إلاّ في الجامعات التي تتبعها والتي تصب في اطار سياستها.. وهدفهم في نهاية الأمر هو اقامة الدولة الاسلامية، وتحقيق الاسلام في كماله.. وخطورة القضية أن هذه الجماعات وهؤلاء المشائخ لا يقومون بالدعوة للتعريف بالاسلام، بل يريدون معرفة ما اذا كان المجتمع والدولة يطبقان الاسلام أم لا.. أي أنهم يريدون معرفة ما اذا كان هذا المجتمع اسلامياً حقاً؟
ويصبح الانسان مشلولاً وفق هذا الخطاب، لأن الله من وجهة نظرهم خلق الناس ليعبدوه.. والعبادة هنا هي الصلاة والصيام، والخضوع المطلق لله، والطاعة لأوامره، جميعاً والانسان خُلق ليؤدي رسالة في الحياة وهي تحقيق النظام الإلهي على الأرض.. أما العلوم العلمية فليست مهمة المسلم، لأن الله قد سخر الكفار لخدمة المسلمين، فهم الذين يدخلون المصانع وهم الذين ينتجون العلوم.. أما نحن فمهمتنا تكمن في تربية اللحى وتقصير الأثواب وركوب آخر موديلات السيارات والنوم على الفرش الوثيرة التي انتجتها مصانع الغرب.
وترى الجماعات الاسلامية بمختلف ايديولوجياتها أن الله مصدر كل السلطات.. فالحاكمية لله والطاغوت هي القوانين الوضعية.. إن هذا الفكر خطير ولابد من مواجهته، ليس بالعنف، بل بتوسيع قاعدة المشروع الثقافي الحداثي.. لأن هذا الفكر يوهم الشباب أن طاعة الله مطلقة، وبالتالي على الشاب المسلم أن يتصرف أمام النص القرآني والسنة كالجندي الذي يتلقى أوامر رئيسه.. وهم يعادون المثقفين تارة باسم الشيوعية وتارة باسم العلمانية والليبرالية.. فهم يتحركون حسب مصالحهم.. فعندما كانوا يواجهون الاتحاد السوفييتي كانوا يعتبرون أمريكا هي الأقرب لهم بوصفها صاحبة كتاب، على العلم من أن المسيحيين في الاتحاد السوفييتي أكثر من أمريكا. ولا يغرنا اليوم ذلك الحزب الذي يزعم أنه مع المرأة وأنه مع وصولها الى السلطة، لأن ذلك يصب في اطار التقبة ليس إلاّ.. إذا كنا مازلنا نرفض للمرأة أن تختار ملابسها بنفسها ونرفض أن تختار شريك حياتها، فكيف نسمح لها بأن يكون لها حق القرار والحوار.
إن المستقبل سيكون مظلماً اذا لم نوسع قاعدة المعرفة، لأن كتلاً عريضة من عامة الناس تنجذب للشعارات السهلة المبسطة واللاعقلانية، التي يعتقدون أنها تخرجهم من مأزقهم وأزماتهم الحادة التي لا يعرف لها حل.. »فالاسلام هو الحل« و»الله أكبر ولِلَّه الحمد« يكفي أن نطبق »شريعة الله« بدلاً من شريعة البشر، والتي يسميها سيد قطب »بالحاكمية« وتقام الحدود، فتقطع يد السارق، وترجم الزانية.. حتى يزول الشر من العالم.
ولا يستهان بزحف الاسلاميين، خاصة في ظل هذا الفراغ الثقافي، ومع تحالف حزب الاصلاح مع الاشتراكي والحزب الناصري، فهم يشكلون تحالفاً يكشف عن انتهازيتهم، فهم يعادون الاشتراكي، كما يعادون الناصرية عداء الموت، وعندما تتوافر له الظروف المناسبة، فإنه سيسعى الى نفي وازاحة كل ما يزاحمه وهو على استعداد لازاحة الآخر.
إن المجتمع اليمني ورث حروباً دامية بسبب هؤلاء المؤتلفين اليوم مما انهك خزينة الدولة وأثر على الاقتصاد وفاقم من البطالة.. هذه العوامل تساعد الأفكار المتطرفة على التوسع خاصة في ظل غياب هوية وطنية واضحة المعالم.. كما أن العنف يمكن بلورته لسهولة، خاصة وأنه يجد له سنداً من النصوص المقدسة المقطوعة عن سياقها التاريخي.
إن على التربية والتعليم والتعليم العالي ووزارة الثقافة والمؤسسات الثقافية يقع على عاتقها مسئولية تحصين الجيل من الأفكار المتطرفة.