|
|
«الميثاق نت»-نبيل عبدالرب: - تتمثل الحركة السلفية الوهابية في اليمن بأربعة تيارات رئيسية هي جماعة يحيى علي الحجوري، وتيار أبو الحسن مصطفى بن اسماعيل المصري »الماربي«، ثم جمعية الحكمة، وجمعية الاحسان.. ويجمع هؤلاء أن معظمهم من طلبة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي مؤسس الحركة في اليمن، اضافة لاتفاقهم على مرجعيات أصولية مستقاة من الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي المستند معرفياً على كتب تراثية تتبع فهم الإمام أحمد بن حنبل، وابن تيمية، وابن القيم الجوزية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
غير أن الخلافات بين تيارات الحركة السلفية اليمنية ما لبثت أن تكشفت على خلفية نواتها الأخذ بالصيغ الحزبية لتأطير العمل الدعوي القائم تقليدياً على انشاء مراكز »مساجد« تلقن الطلبة علوم السلف لينقلوها بدورهم الى مناطقهم، ثم تطورت تلك الخلافات الى مسائل دينية اجتهادية أخذت طابعاً اتهامياً متبادلاً يتسم بالحدية المكتسبة اساساً من الثقافة السلفية القائمة في أحد اركانها على »الجرح« المتفرع من علوم الحديث النبوي، محل الاهتمام الأول والمميز للنهج السلفي.
عام ٣٠٧١م -٥١١١هـ ولد محمد بن عبدالوهاب المشرفي التميمي النجدي في بلدة العينية القريبة من الرياض، تلقى تعليمه الأولي على يد والده في الفقه الحنبلي والتفسير والحديث، وزار مكة والبصرة وبغداد والموصل ملتقياً بمشائخ السنة للأخذ عنهم.
واتجهت دعوته كمنهج وعقيدة نحو فروع المذهب الحنبلي، والتأكيد على ضرورة الرجوع للكتاب والسنة، وعدم قبول أي أمر في العقيدة لا يستند الى دليل مباشر وواضح منهما، وتنقية مفهوم التوحيد »ألوهية، وربوبية، وأسماء، وصفات«، بالعودة الى ما كان عليه المسلمون في الصدر الأول للاسلام، مع التركيز على مفهوم توحيد العبودية، واحياء فريضة الجهاد، والقضاء على الخرافات والبدع ومنع بناء القبور وكسوتها واسراجها وغيرها من مظاهر التبجيل لأصحابها، وكذا التصدي لشطحات الطرق الصوفية.
ومثلت الوهابية ذلك الوقت حركة تقدمية كان له الفضل في اعادة الحياة لمبدأ الاجتهاد الذي ظل مغلقاً منذ سقوط عاصمة الخلافة الاسلامية بغداد سنة ٦٥٦هـ على يد المغول، كما كانت حركة عقائدية وسياسية راديكالية في مواجهة الجمود الذي خلقه الاحتلال العثماني للمنطقة العربية.
ومع ذلك استمرت الوهابية -الى حد ما- على أسلوب نهج النشأة في المواقف الحدية من الآخر والواقع، واعتماد العنف كإحدى طرائق الانتشار الممكنة لأسباب يمكن رصد خطوطها العريضة في مفهوم »التوحيد« لدى الوهابية وما استتبعه من تقسيم الشرك الى أكبر، وأصغر، وخفي، وأيضاً التوسع في ادخال ممارسات دينية في خانة الابتداع في الدين المحرم شرعاً بناءً على حديث نبوي نصه »وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة«.. وثانٍ يقول: »من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد« وفي رواية أخرى: »من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد«.
وجعلت الوهابية تحريم البدع متفاوتاً بحسب نوعية البدعة، بيد أنهم أدرجوا منها في الكفر الصريح الطواف بالقبور، وتقديم الذبائح والنذور لها ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، ومنها ما هو من وسائل الشرك -بحسبهم- كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها.. وبالتالي وجوب جهاد أتباع هذه المعتقدات وأغلبهم من التيار الصوفي الذي كان طاغياً ذلك الحين ما أدخل الوهابيين في حرب فكرية لم تمنعهم من استخدام السلام مساعدهم في ذلك التحالف القائم حتى اليوم -وإن بصورة أقل تماهياً- بين الشيخ محمد عبدالوهاب ومؤسس الدولة السعودية الأولى محمد بن سعود.. ومازال الجانبان »الوهابي-السعودي« يجنيان ثمرات هذا التحالف، الأول بالانتشار في أرجاء العالم الاسلامي بسطوة المال السعودي، والثاني ببناء جماعات مناصرة لأيديولوجيا الحكم السعودي تفيده سياسياً.
قصة يمنية
بعد أن سيطرت الوهابية والدولة السعودية على معظم أراضي نجد والحجاز بدأت أنظار عبدالعزيز بن محمد بن سعود »الأول« قائد السعودية تتجه الى اليمن إلاّ أن القبائل اليمنية الملتزمة بالزيدية وجبالها الشاهقة شكلت عوامل جعلته يبعدها من حسابه حتى حانت اللحظة المناسبة عندما تعاطف السيد احمد الفلقي من أهالي صبيا مع الدعوة الوهابية، فاتصل به عبدالعزيز ووثق عرى علاقته به حتى ذاع صيت الفلقي وبايعته أشد القبائل بأساً، وعندها مده الملك السعودي بجيش يقوده أحد أشهر رجاله المعروف بـ»أبو نقطة« وبتعاون هذا مع الفلقي وطامي بن شعيب استولى الجيش الوهابي على عسير بتسهيل من الشريف حمود بن محمد احد عمال الدولة القاسمية الذي انضم الى الوهابيين ومكنهم من الاستيلاء على الحديدة وبيت الفقيه واللحية وزبيد.. إلاّ أن الوهابيين لما دخلوا تلك المدن عملوا فيها قتلاً وتخريباً ما أحدث خلافاً بينهم وبين الشريف حمود الذي كان سبباً لانتصارهم فقاتلهم وقتل أبو نقطة وأخرجهم من تهامة عام ٤٢٢١هـ.
إرادة التوسع الوهابي السعودي أثار مخاوف الدولة العثمانية الحاكمة لمعظم البلدان العربية فاستعانت بوالي مصر محمد علي باشا الذي أرسل جيشاً بقيادة ابنه ابراهيم وتمكن هذا من القضاء على الدولة السعودية الأولى عام ٥٣٢١هـ.. بيد أن قوة آل سعود وقاعدتهم الوهابية انتعشتا من جديد سنة ٤٠٩١م- حوالي ٥٢٣١هـ عندما عاد عبدالعزيز عبدالرحمن آل سعود من الكويت التي نزح أجداده اليها عقب انهاء دولتهم.
واستطاع -اعتماداً على إحياء الفكر الوهابي خلال ثلاثة عقود- تأسيس المملكة العربية السعودية.. وكان دخول أول مواجهة مع اليمنيين حين اغارت مجموعة من القبائل النجدية المعتنقة الوهابية عام ٠٤٣١هـ- ٠٢٩١م على ثلاثة آلاف حاج يمني مسافرين على طريق البر في وادي تنومه، وتم قتلهم جميعاً.. ومنذ هذه الواقعة بات يمنيون ينظرون للوهابية بصورة سلبية ولم يقتنعوا آنذاك بمفاوضات الإمام يحيى حميد الدين التي أسفرت عن تسليم ديات الحجاج، فتوجه ثلاثة رجال من قرية بيت حاضر التابعة لقبيلة سنحان الى الحرم المكي وهجموا فيه على عبدالعزيز الذي نجا منهم بأعجوبة وقبض عليهم وقتلوا.
ومن وقت مذبحة الحجاج بدأ كل من الملك عبدالعزيز والإمام يحيى يعامل كل منهما الآخر بحذر ويحاول خداعه، الى أن دب الخلاف بينهما بعد سعي كل منهما للسيطرة على عسير واخضاع الأدارسة، وتطور الأمر الى حرب أوائل ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي كاد اليمنيون أن ينتصروا فيها بسيطرة أحمد يحيى حميد الدين على نجران وتقدم قواته نحو الطائف لولا تراجع والده الإمام يحيى عقب ورود أنباء عن دخول قوات سعودية مجهزة بأسلحة حديثة الى منطقة تهامة.. لينهي الجانبان حربهما بتوقيع اتفاقية الطائف سنة ٤٣٩١م القاضية بتسليم منطقة نجران وعسير للإدارة السعودية لمدة عشرين عاماً مقابل خروج الجيش السعودي من تهامة والحديدة.
مدخل صعدة
ظلت العيون الوهابية ترنو الى اليمن حتى وجدت فرصة للعبور اليها صادف أن تكون من المعقل الرئيس للمذهب الزيدي القريب من الشيعة، الأعداء الألداء للحركة الوهابية، وذلك حين توجه شاب من قبيلة آل راشد الى المملكة العربية السعودية للعمل حارساً لعمارة، ولما لم يناسبه الجو في العاصمة الرياض عزم على السفر الى مكة واستنصح بعض الواعظين على الكتب المفيدة حتى يشتريها، فأرشدوه الى »صحيح البخاري«، »بلوغ المرام«، »رياض الصالحين« و»فتح المجيد« ليعكف على مطالعتها واجداً خلافات كبيرة بين محتواها وبين الممارسات الدينية في منطقته.
ثم رجع الشاب مقبل بن هادي بن قائد الهمداني الوادعي الخلالي الى صعدة وشرع بإنكار الذبح لغير الله وبناء القباب على القبور ونداء الأموات والاستغاثة بهم لاقياً مضايقات نقل على إثرها الى نجران مقيماً فيها سنتين، ثم انطلق الى مكة يعمل نهاراً ويدرس ليلاً، وعندما فتح معهد الحرم تقدم الوادعي للدراسة فيه منتهياً من المتوسط والثانوية لينتقل الى المدينة المنورة ودخل كلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة الاسلامية، كما انتسب لكلية الشريعة وحصل على شهادتين، وبعد ذلك نال شهادة الماجستير في رسالته »تحقيق كتاب الالزامات والتتبع للإمام الدارقطني«.
وخلال تواجده في السعودية سجن الوادعي مرتين الأولى لشهر ونصف وعن السبب قال: »وكانت تحدث السقطات من بعض الأخوة المبتدئين لأن الغالب على المبتدئ الحماسة الزائدة وكنت آنذاك أحضّر رسالة الماجستير فما شهدنا ذات ليلة إلاّ بالقبض علينا فقبضوا على نحو مائة وخمسين وهرب من هرب فبقينا في السجن نحو شهر ونصف وبعدها خرجنا بحمد الله أبرياء«..
أما سجنه للمرة الثانية فكان عام ٩٧٩١م لمدة ثلاثة أشهر بتهمة كتابته لبعض رسائل المتشدد جهيمان بن سيف العتيبي المقتول من القوات السعودية أثناء تزعمه لجماعة اقتحمت الحرم المكي ذلك العام.
وبعد انقضاء سجنه رحلت السلطات السعودية الشيخ مقبل الوادعي الى اليمن وفي أوائل ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم أنشأ مركز دماج بصعدة لتعليم العلوم الشرعية مستقطباً من خلاله مئات الطلاب من خارج اليمن والآلاف من داخلها، وكانت الكتب التي تدرس ومازالت بين التيارات السلفية المختلفة -تنتمي الى المكتبة التراثية وأهمها: »العقيدة الطحاوية، وشرحها لابن ابي العز«، و»تطهير الاعتقاد لابن الأمير الصنعاني«، وله أيضاً »سبل السلام«، و»الدر النضيد«، و»الدرر البهية« للشوكاني وشرحها »الدرر المضية«، و»متن أبي شجاع«، و»الأحكام لابن دقيق العيد«، و»بلوغ المرام لابن حجر«، اضافة لـ»كشف الشبهات«، و»التوحيد«، و»الأصول الثلاثة« للشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي، وكلها كتب تتعلق بالعقيدة والفقه، والى جانبها يهتم السلفيون بدراسة كتب النحو لـ»قطر الندى« و»شرح ابن عقيل«، و»الأجرومية«، و»ألفية ابن مالك«.
افتراق الأخوة
عدد من الطلاب الملازمين لمقبل الوادعي أسسوا في مناطقهم مراكز دعوية تشمل مساجد وسكناً للطلبة الدارسين، في مقدمتها مركز بمعبر في محافظة ذمار، وآخر بمحافظة مأرب، لكن مع مرور الوقت على وحدة التيار السلفي الوهابي بدأ بعض الأتباع بتبني رؤى مخالفة لمنهجية الشيخ في الدعوة تطورت الى تصدعات أفرزت »جمعية الحكمة اليمانية« الدعوية الخيرية بزعامة محمد المهدي في إب والتي يرأس مجلس ادارتها حالياً عبدالعزيز الدبعي المنتخب للمرة الثالثة في أبريل المنقضي.. وكان منشأ الخلاف بينهما وبين الوادعي اعتقاد الأخير أن قيام الجمعيات يجر الى الحزبية المحرمة في نظر أغلب علماء الوهابية في اليمن وخارجه، كما أنكر على أتباع الجمعية أخذ العهود من بعض الطلبة للتعاون على البر والتقوى.
وفي حياة الوادعي ايضاً أسس عبدالمجيد الريمي، وحسن شبالة »صاحب مركز الدراسات الاسلامية بإب« جمعية دعوية وخيرية أخرى تحت مسمى »جمعية الاحسان«.
ومثلت الجمعيتان الجناح المعتدل للحركة السلفية في اليمن ولم يمانعا في التعاطي الحواري مع الأحزاب دون الذهاب بعيداً لانشاء أحزاب سلفية أو حتى الخوض في العملية الديمقراطية الانتخابية.
وما إن تُوفي مقبل الوادعي عام ١٠٠٢-٢٢٤١هـ حتى برز خلاف جديد بين طلبته طرفاه يحيى الحجوري الذي أوصى له الوادعي بخلافته على مركز دماج، وأبو الحسن الماربي صاحب مركز دعوي في مأرب.
وبوادر الخلاف بين الفصيلين كانت في حياة الوادعي بسبب »جمعية البر« الدعوية التابعة للماربي، والتي أشار بها شيخ الوهابية بالسعودية ربيع بن هادي المدخلي وثيق الصلة بقادة التيار السلفي باليمن، اضافة لإذن الشيخ مقبل بها، ثم توسعت الخلافات بين الجانبين بعد وفاة الوادعي آخذة مناحي علمية في قضايا شرعية منها رأي الماربي بجواز تصوير الأيتام لجمع المساعدات لهم.
ويعتبر الحجوري، والماربي اثنين الى جوار خمسة آخرين أوصى الوادعي طلبته بأن يكونوا مرجعيات استشارية في قضايا الدعوة السلفية باليمن والخمسة هم عبدالله عثمان، محمد الإمام بذمار، عبدالعزيز البرعي بإب، محمد عبدالوهاب في الحديدة، عبدالرحمن العدني صاحب مركز دعوي بعدن.. ومال هؤلاء ليحيى الحجوري، اضافة الى المدخلي وعدد من مشائخ السلفية في السعودية والأردن الذين حذروا من الماربي بعد فشله في اقناعهم بما أخذ عليه من آراء من بينها عدم تكفيره لسيد قطب، وصدور اشارات ايجابية منه حيال اتجاهات دينية غير سلفية.
ومع ذلك وجد الماربي مشايعين له من كبار طلبة الوادعي فيهم أصحاب مراكز دعوية منهم أحمد محمد منصور، ونعمان الوتر في إب، ومحمد المطري، عبدالرحمن العيزري بصنعاء، وعلي العريقي، علي الشيباني بتعز، وصالح الفقير بذمار، وفي حضرموت محمد بابحر، قاسم أبو عبدالله التعزي، وبمحافظة عدن عبدالعزيز الدراوردي.
وعلى الوتيرة يدور تحت السطح خلاف جديد داخل تيار الحجوري رأسه هو مع عبدالرحمن العدني الذي اقترح على طلبته جمع مبالغ مالية لشراء أرض في لودر بأبين للمساهمة في اقامة مركز دعوي هناك يتكلف »أحد فاعلي الخير« بدفع تكاليف تشييد المبنى.. الأمر الذي اعتبره الحجوري حزبية محرمة لأخذها بصيغة الاشتراكات وعمل الجمعيات.
وبطبيعة الحال فعلى الرغم من انشقاقات الحركة السلفية في اليمن إلاّ أنها بأطيافها وتزايد اتباعها تمثل رقماً صعباً، ورهاناً يستحيل اغفاله في حال قرر مشائخها الدخول في العملية السياسية والسير على خُطى التيار السلفي بالكويت، سيما وأن تصدعات وهابية اليمن لم تكن ذات طابع محلي بحت، بل كان للمؤثرات الخارجية وللجدل السلفي-السلفي في دول مجاورة دورها في ذلك.
مراجع
١- أحمد محمد منصور -سلفي.
٢- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الاسلامي.
٣- الخلاف السلفي-السلفي في اليمن، د.أحمد الدغشي.
٤- الوهابية وخطرها على مستقبل اليمن السياسي، أمين أبو زيد.
٥- عقيدة التوحيد، د.صالح الفوزان.
٦- الأصول الثلاثة وأدلتها، الإمام محمد بن عبدالوهاب.
٧- موسوعة الحركات الاسلامية، د.أحمد الموصللي.
٨- مواقع سلفية على الأنترنت.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|