فيصل الصوفي -
توقع الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، رئيس المؤتمر الشعبي العام أن يبقى المؤتمر محافظا على الأغلبية في الانتخابات النيابية 2009م. لم يكن هذا التوقع لدى المؤتمر ولدى الناخبين ولدى أحزاب المعارضة نفسها، ضربا من التنجيم بل أنه استقراء يستند لجملة من الحقائق تأتي في مقدمتها تجربة أحزاب المعارضة المخيبة للآمال.
رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر معروف عنه أنه الذي يدعم المعارضة ويحاول مساعدتها وإقالة عثراتها لكي تسهم في تطوير الحياة السياسية والاجتماعية، وللإبقاء على التوازن السياسي في حدوده الأدنى على الأقل، ولا يوجد في العالم العربي على الأقل رئيس دولة ورئيس حزب حاكم يدعم معارضيه إلا هنا في اليمن، حيث يفعل الرئيس ذلك لحسابات تخدم الصالح العام، ومع ذلك فإن هذه الأحزاب تقدم على ممارسات وتروج لرؤى تبقيها في القاع، تم تجأر بالشكوى من أن المؤتمر الشعبي يستخدم إمكانيات الدولة ليبقى في السلطة، أو صاحب أغلبية نيابية، وهو تفسير غير دقيق لبقاء المؤتمر في المقدمة أو تراجع المعارضة في المنافسة أو ضعف ثقة الناخب بها.
إن للأمر صورة أخرى أو تفسيرا آخر.. فبحلول يوم 24 أغسطس الحالي سيكون المؤتمر الشعبي العام قد أكمل السنة الخامسة والعشرين من عمر تجربته التنظيمية والسياسية، وخلال هذه الفترة كان وما يزال حزبا حاكما، مرة منفردا بالسلطة التنفيذية، ومرتين شريكا فيها مع أحزاب أخرى، وبذلك يكون أطول الأحزاب عمرا في السلطة، وهذه ليست ميزته الحقيقية على اية حال، بل إن الميزة تكمن داخل هذه التجربة، في ما أحدثه في الواقع وفي الكيفية التي أدار بها شئون الدولة والكيفية التي تعامل بها مع مشكلات المجتمع واحتياجاته.
يصعب نكران أن وجود الرئيس علي عبدالله صالح على قمة هرم المؤتمر الشعبي قد شكل عامل قوة لهذا التنظيم، لكن ثمة مصدر قوة أخرى لدى المؤتمر يغيب عن بال المعارضة، فهو من ناحية كيان سياسي نشأ لدواع سياسية واجتماعية محلية، لم يكن كيانا فوقيا جاءت به الصدفة، بل الرئيس علي عبدالله صالح خلص في تفكيره أيام بواكير حكمه إلى ضرورة تأسيس كيان سياسي كحل لمشكلة سياسية واقتصادية قائمة في المجتمع، ولذلك بقي لصيقا بقضايا المجتمع ويفكر فيها، وهو في بيئتها، بينما بقية الأحزاب التي عرفتها اليمن قبل ظهور المؤتمر وبعده هي عبارة عن فروع لأحزاب أخرى أو امتداد لأحزاب وجدت خارج البيئة اليمنية، لذلك فشلت تجربتنا الاشتراكية ولم تتلق البيئة اليمنية نماذج الإخوان والبعث والناصري بالقبول المناسب.. فهذه الأحزاب عندما تتعاطى مع الواقع ومشكلاته وتعقيداته واحتياجاته تستحضر نظرية أو تجربة طبقت خارج اليمن أو ولدت خارج البيئة اليمنية، ولضرورات ودواع مختلفة، فمن في اليمن سيقبل بعودة نظام الخلافة مثلا،، أو الاقتصاد الاشتراكي، أو نظرية الحزب الواحد، المذهب الواحد؟
إن نشأة المؤتمر الشعبي تشبه نشأة الأحزاب الكبرى في العالم، فالحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا لم يكونا امتدادا لأي حزب، فقد كان الدستور الأمريكي يحظر الحزبية أصلاً، ولكنهما نشآ نتيجة انقسام النخبة الأمريكية حول قضايا الفيدرالية والوحدة والضرائب وغيرها من القضايا المحلية التي تمايزت وجهات النظر حولها فانقسمت النخبة إلى فريقين ثم إلى حزبين لاحقاً كل منهما له سياسته وبرنامجه، والمؤتمر الشعبي خلق على ذلك النحو في البيئة اليمنية لذلك هو ينظر إلى داخل هذه البيئة عندما يفكر في المشكلات ويوجد حلولا لها، وهذا يفسر احتمال المواطنين له وتفضيله رغم بعض الثغرات التي يعمل المؤتمر جاهدا على تجاوزها.
*عن الثورة