القاء- محمد الكامل- - < أكد الدكتور تميم الشامي -المتحدث باسم وزارة الصحة العامة والسكان -أن المنظومة الصحية في اليمن باتت في حالة انهيار شبه تام.. مشيراً الى أن استمرار العدوان والحصار الذي يستهدف المدنيين والمنشآت الطبية أدى الى ارتفاع قياسي في أعداد الوفيات.
وقال الشامي في حوار مع صحيفة «الميثاق»: إن مرضى السكري والفشل الكلوي والسرطان أكثر المتضررين وفي وضع تراجيدي يتهددهم خطر الموت.
وأضاف: للأسف لم تفِ المنظمات الدولية حتى الآن بوعود إنقاذها لهم، وأوضح أن هناك منظمات دولية حقوقية وصحية مرموقة تواطأت مع العدوان ضد مرضى وجرحى اليمن.. الى التفاصيل
> في البداية ترحب بك صحيفة «الميثاق» وتشكرك على إتاحة هذه الفرصة.. برأيك إلى أي مدى أثر الحصار المفروض والعدوان القائم على القطاع الصحفي في اليمن؟
- الى مدى كبير جداً لا يتوقعه بشر ولا يتوقعه العالم، حيث إن العدوان استهدف بطريقة مباشرة كل المنظومات الحياتية في اليمن، علماً أن المنظومة الصحية بوزارة الصحة ومنشآتها الصحية المترامية في كل مكان هي إحدى هذه المنظومات، فقد تم تدمير أكثر من (100) مرفق صحي ما بين مستوصف ومركز صحي ومستشفى الى جانب تدمير أكثر (220) وحدة صحية مختلفة، وهذا وجاء الحصار المطبق والخانق ليزيد الطين بلة جاعلاً الوضع كارثياً وانهيار شبه تام للمنظومة الصحية بشكل عام.
> كيف تعاملت وزارة الصحة مع ذلك؟
- بحسب الامكانات المتوافرة لدينا في الوزارة وكذا بالتعاون مع التجار المستوردين للأدوية، وأىضاً مع الشركات المحلية والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة، إلا أننا في كثير من الأحيان نواجه عجزاً كبيراً في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية والاسعافية حيث كانت البداية بقصف العدوان مصنع الاكسجين بصنعاء ما تسبب في انعدام شبه تام للأكسجين في المحافظات وفي صنعاء العاصمة، وبالتالي توقف أعمال أغلب غرف العنايات المركزة بالمستشفيات، ولك أن تتخيل الآثار والأضرار التي تنتج عندما تفقد المنظومة الصحية عناياتها وغرف عملياتها لعدم وجود الاكسجين، ما يعني أن الوضع كان كارثياً حيث كان عدد الوفيات كبيراً جداً، والذي يعرف طبياً بمصطلح «hator mere peehr»، أي معدل الوفيات عالٍ جداً، فلا يوجد لديك المكان لاستقبال اصابات العدوان «نزيف دماء، رؤوس تشق، أرجل تتكسر وتبتر، بطون تفتح» نعاني وضعاً كارثياً..إلا أننا حاولنا التعامل مع الوضع المأساوي بما نمتلكه من قدرات وإمكانات متاحة لإعادة تأهيل وضع الاكسجين على سبيل المثال الى جانب إطلاق نداء استغاثة الى كثير من المنظمات لرفد اليمن بالأدوية الاسعافية والمستلزمات الطبية.
> ماذا عن الحالات التي تعاني أمراضاً مزمنة كالسكري والفشل الكلوي وغيرها؟
- بالنسبة للمحاليل الطبية سواءً لمرضى الغسيل الكلوي أو مرضى السرطان، فهناك مشاكل كثيرة جداً نعاني منها حتى اللحظة فلا توجد لدينا هذه المحاليل إلا بكميات شحيحة جداً، حيث إنه من توافر له المحلول أن يغسل بدلاً أن كان يغسل على نوعية معينة أو من أجل نوعية حياتية لا بأس بها يغسل ثلاث مرات على سبيل المثال لم يعد لديه الامكانية إلا أن يغسل مرة واحدة فقط، من كان يغسل مرة واحدة في الاسبوع لا يستطيع أن يغسل إلا مرة واحدة في الشهر نتيجة لانعدام المشتقات النفطية التي تلعب دوراً مهماً جداً في هذا الأمر.
أما بالنسبة لسؤالك عن مرضى السكري فمازالت المشكلة قائمة وخطيرة أيضاً بالنسبة لدواء الانسولين وهو من الأدوية المهمة جداً، ولو فرضنا أنك نزلت الى الاسواق للبحث عن الانسولين ستجد أنه غير متوافر في المخازن أو الصيدليات.. في هذه الحالة نضطر الى استخدام بدائل غير فعالة باعتبار أنها علاجات وأدوية غير ناجعة وذلك بإعطاء المريض حبوباً تعتمد على الانسولين نفسه مع أنها لا تقلص نسبة السكر لديه أصلاً إلا بكميات قليلة جداً قد لا تُذكر بنسبة (1% أو 2% أو 3 أو 4%) بتخفيض نسبة السكر لدى المريض الذي يستخدم الحبوب كحد أقصى، إذاً فإن مريض السكري بالفعل في وضع تراجيدي مأساوي.
> نفهم من كلامك أن مرضى السكر حالة خاصة جداً والأكثر خطراً؟
- إلى حدٍ ما فأنت سألت عن دواء هو من الأدوية المهمة جداً، ورغم النداءات التي أطلقت الى منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود والصليب الأحمر والذين وعدوا بإيصال كميات من الانسولين، ومن كل الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة والتي تشكل خطراً على حياة الناس، وحسب ما وصلني قبل يومين من أخبار أنهم لم يفوا بوعودهم الى الآن.
> إذا ما تحدثنا عن المستشفيات الأهلية.. كيف تقيمون وضعها في الوقت الحالي؟
- لاشك أن المشافي الأهلية مثلها مثل المستشفيات الحكومية مع احتمال، أن هناك بعض المستشفيات الخاصة وملاكها ممن قد تكون لهم علاقات معينة بالخارج تقدم على إثرها بعض التسهيلات، يعني على سبيل المثال وليس الحصر - المشتقات النفطية- فعندما نجد الاسواق مليئة بالمشتقات النفطية في حين أنها معدومة إلا فيما ندر في المحطات الحكومية والمحطات الخاصة ومع أنها قد توافرت في الفترة الأخيرة ولكن بأسعار مرتفعة عن السعر وليس الرسمي، وهذا أمر متعلق بمسألة العدوان ومسألة الحصار وهي مسألة سياسية بحتة.
العدوان يركز على أن يفشل الحكومة (وهي غير موجودة أصلاً)، ولكن الأجهزة الموجودة العاملة القائمة تقوم بأعمال الوزارات والمؤسسات الحكومية، لكي يزيد من إفشالها رغبة وظناً منه -وهو واهم في كل الاحوال- تأليب المواطنين على الوضع الداخلي في محاولة التسبب في إحداث أي انهيار معين، حيث يوفر لبعض الاشخاص ولبعض المحطات الموجودة في الداخل كميات معينة على سبيل المثال من المشتقات النفطية وتمرر وتباع في السوق السوداء في حين أن وزارة النفط لا تمتلك أي كميات.
الحال نفسه ينطبق على الدواء، وبالتالي لاشك هناك بعض القنوات - أنا شخصياً لست مطلعاً عليها- ولكن بعض الاشخاص والتجار لديهم بعض العلاقة قد تكون مع السعودية وقد تكون مع الغرب يستطيعون من خلالها مثل ما نقول (أنه يمشي حاله) داخل هذا المستشفى مع أن هؤلاء في أغلب الأحوال قلة، أما العموم فإن الوضع في المشافي الخاصة يعاني كما يعاني القطاع الحكومي.
> من نتائج العدوان وآثاره مغادرة الأطباء الأجانب لليمن.. كم يبلغ عدد من غادروا؟ وكيف تعاملتم مع هذه المعضلة؟
- هذا الأمر كان منذ بداية العدوان الشهر الأول والثاني والثالث، ونحن الآن سندخل في الشهر الثامن من العدوان، وقد تم التعامل مع هذه الاشكالية والأثر الأكبر كان في الكادر التمريضي أكثر منه في الكادر الطبي.
إذاً أن نسبة الكادر الصحي التمريضي الأجنبي كانت عالية جداً في البلاد فسبب رحيلهم إشكالية وفجوة كبيرة.
> كم تبلغ النسبة أو يبلغ عددهم؟
- في الحقيقة لا يحضرني رقم، إذ لم أوفَّ بأي أرقام أكيدة أو دقيقة ولكن الأعداد كانت بالألف بالنسبة لتمريض يمكن (2000 الى 3000) ممرض هم من غادروا البلاد.
> من جنسيات مختلفة؟
- معظمهم هنود وجنسيات أخرى احتمال (1500 أو 2500) قد يكون أكثر أو أقل إلا أن هذا العدد كبير إذا ما عرفت أن (70%) من المشافي الحكومية كانت تعتمد على التمريض الهندي، ولك أن تتخيل حجم المشكلة، هكذا وبكل بساطة حدث الأمر فجأة، وفي أيام معدودة ودون إفادات مسبقة أن يسافر هذا الكم المهول مع وجود الحصار والعدوان والتدمير الى جانب فرار الكثير من الكوادر اليمنية من أماكن القصف في مراكز ومشافٍ حكومية وغير حكومية وبطبيعة البشر يفر الناس والموظفون خوفاً من الموت أو الإصابة مهما كانت درجة خطورتها.
وبالتالي فإن فرار الكادر الطبي والكادر الصحي من مناطق القصف الى مناطق أكثر أمناً كل تلك العوامل وغيرها أوجد إرباكاً وثغرات كبيرة في أداء المنظومة الصحية بشكل عام.. لكن مع الوقت فإن البشر يتكيف عادة مع أي وضع.
> كيف تعاملتم مع هذه المشاكل؟
- تم استبدالهم، لا بأس به من الممرضين تم تدريبهم، وقد تم فتح المجال أمام والخريجين والممرضين اليمنيين علماً أن هناك كوادر يمنية جيدة وممتازة لم تعطَ الفرصة إلا أن المشكلة تظهر في عامل التمريض النسائي المرتبط بعامل العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع اليمني، حيث إن الممرضات اليمنيات وخاصة المتزوجات تواجه صعوبة في العمل والمناوبة في الليل، وهذا ايضاً أوجد اشكاليات كبيرة لدى العمل داخل المستشفيات والمراكز الصحية، ولكن تم التغلب بشكل كبير على معظم هذه المشاكل.
> فيما يخص القدرة الاستيعابية للمستشفيات وقدرتها على تغطية العجز الحاصل في الوقت الراهن؟
- هذا أمر صعب للغاية، فعندما تنتشر الأوبئة في المناطق ذات درجة الحرارة العالية أو كثرة الحوادث المرورية أيام الأعياد، كانت القدرة الاستيعابية أصلاً ضعيفة، فعلى سبيل المثال مستشفى الثورة بالعاصمة صنعاء والذي يأتيه المرضى من جميع أنحاء الجمهورية، والمستشفى هو ذاته والعدد هو العدد من الأطباء والكوادر والأسِرَّة مع تطوير بسيط للقدرة الاستيعابية في حين أن المواليد السنوية عالية جداً وتحتل اليمن مركزاً في الصفوف الأولى في هذا الجانب وارتفاع عدد السكان على الجهة الأخرى، لا يوجد مكان لهم يتعالجون فيه، حيث إن الأم الحامل قد تحتاج ولادتها الى عملية قيصرية إذا ما دعت الضرورة لذلك لابد من زيادة في عدد المستشفيات والأسرة..
> إذا ما تكلمنا عن تدمير بعض المستشفيات وإغلاق بعضها.. ما البدائل في ظل الوضع والعدوان القائم؟
- البديل الأول يعاد تأهيل بعض المستشفيات عندما توجد أو توفر بعض الامكانات المادية ومع أن البلد في وضع اقتصادي غير مسبوق، ولكننا نقول من الناحية النظرية في ظل الشحة في الدخل نتيجة للحصار، ولتوقف الحركة التجارية.. كل ذلك أدى الى شحة في امكانات الدولة.. وبالتالي تسببت هذه العوامل في تعذر إعادة تأهيل الكثير من المستشفيات التي تدمر منها أجهزة -أبواب- زجاجات، كوادر تحاول البحث عن كوادر أخرى وتقدم مبالغ أكثر إغراءً في المناطق الأكثر عرضة للقصف والعدوان.
إذاً لاشك أن إعادة تأهيل المنطقة التي ضربت سيكون أسهل من بناء صرح جديد أو شراء أجهزة بل يتم إصلاح الأضرار إن أمكن، وإذا ما تعذر ذلك فإن أحد البدائل هو الانتقال، فمثلاً عندما ضرب بجوار مستشفى السبعين أكثر من مرة، «وزارة الدفاع السابقة ضربت وتأثر المستشفى، ضرب الأمن المركزي بصواريخ كبيرة ومؤثرة» اغلق المستشفى لمدة يوم أو يومين، تم خلالها التنسيق عن طريق عمليات طوارئ الوزارة الى مستشفيات أخرى لنقل الأمهات الحوامل والرضع وتوفي وقتها على ما أذكر (2-3) من الاطفال والرضع الذين ولدوا في أوقات غير وقتهم الأصلي وتم وضعهم في أماكن أو حاضنات الاكسجين ولإعطاء أدوية معينة.
وللأسف عندما ضرب انبوب الاكسجين توفي (3) منهم نتيجة لانقطاع الاكسجين كان له نتائج كارثية بكل تأكيد، ولكن تعاملنا مع الموقف بتحويل كثير من المرضى والأطفال الرضع - حديثي الولادة- الى مستشفيات أخرى.
> كيف تقيمون تفاعل منظمات المجتمع الدولي مع ما يجري في اليمن في ظل الحصار والعدوان وانهيار المنظومة الصحية؟
- أرى شخصياً - يرضى من يرضى ..يأبى من يأبى- أن تعامل المنظمات الدولية هو تعامل سلبي ولا أبالغ إذا قلت إن هناك تواطؤاً مع العدوان ووسائله من قبل هذه المنظمات.
وهذا التواطؤ لا اعتقد أنه نتيجة للقرارات الانسانية التي تتخذ داخل هذه المنظمات وإنما نتيجة للقرارات السياسية والاقتصادية المتخذة من قبل السعودية وحلفائها الذين يملكون المال الذي بدأ يشح لديهم وظهرت هناك مشاكل اقتصادية كبيرة وهذا سيكون أحد عوامل سقوطهم وكسر قرنهم، فقد بذلوا أموالاً باهظة للمنظمات الدولية لكي يتم حصارنا وتخفيض أي مساعدات إنسانية ممكن أن تقدم لليمن وتساعد في فك وتجاوز هذه الأزمة.
> كلمة أخيرة تختتم بها؟
- أوجه دعوة إنسانية لكل من مازال لديه سمع نظر وعقل وأقول لهم بأن ما يحدث في اليمن هو امتداد تاريخي لكل الحوادث والجرائم التي حصلت عبر التاريخ في ظل صمت مريب وفي ظل عدم معرفة الحق والباطل.. هذا السكوت عما يحصل في اليمن وهذا التواطؤ الموجود في المؤسسات والمنظمات الدولية الحقوقية والصحية في العالم مريب.. ونقول لهم: إن لم يتداركوا أنفسهم ويعيدوا حساباتهم في أن يقوموا بواجباتهم وبما هو مناط بهم تجاه أي ظرف إنساني يحدث في العالم بما فيه الظرف اليمني، فليعلموا أنهم سيجازون في الدنيا والآخرة، والله تعالى عدل.. وسيأخذ كل إنسان جزاءه وكل منظمة جزاءها وكل دولة وكل من شارك وتواطأ، ونقول لكل الاخوة المواطنين بأن النصر قادم وبأن ثقتنا بالله عالية لأننا مظلومون، فالنصر حليفنا.. والخزي والعار للعدوان وأولئك المرتزقة.
|