نصر طه مصطفى -
غدا الجمعة ستمر خمسة وعشرون عاماً منذ عقد المؤتمر الشعبي العام أول جلساته التي كانت إيذانا بنشأته وتأسيسه كإطار سياسي لفكر الميثاق الوطني بعد عامين من الإعداد العلني المتواصل سبقهما عامان آخران من الحوارات غير المعلنة في مختلف المكونات السياسية للحكم مع بدايات عهد الرئيس علي عبدالله صالح الذي جاء للسلطة ليجد أمامه تركة ثقيلة تجعل الحليم حيران بالفعل من وطأتها على النفس...
وهكذا بدأت قصة المؤتمر الشعبي العام كتنظيم سياسي أنشأته الدولة لضرورات وطنية مختلفة في ظل دستور يحرم الحزبية ويعتبرها خيانة وواقعاً تمارس فيه أحزاب كثيرة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار نشاطاً مكثفاً تحت يافطات متعددة لكنها ليست مخالفة للدستور في ذات الوقت... واستمر المؤتمر يؤدي واجبه منذ ذلك الحين متنقلاً في مختلف الظروف السياسية والتنظيمية لكنه ظل ولازال صاحب صفحة بيضاء في تاريخنا المعاصر لأسباب مختلفة يمكننا التأمل فيها تالياً.
أدرك أن المعارضة ومعها آخرون يحملون المؤتمر الشعبي العام جل الإشكاليات القائمة حالياً في بلادنا الأمر الذي يجعل من حديثي عن صفحته البيضاء مسألة صعبة الإقناع، وهم في ذلك معذورون إذا ظلوا ينظرون للمؤتمر كحزب حاكم بالمعنى الحرفي للكلمة أو كما هم يتصورون من خلال واقعهم التنظيمي فكما هو معروف أن أغلب أحزاب المعارضة (إسلامية ويسارية) هي أحزاب حديدية في تكوينها التنظيمي صارمة في أدائها الحزبي على النمط الذي كان معروفا في الكتلة الاشتراكية ولدى الحركات الإسلامية، فالحزب في مفهومها هو الذي يدير الدولة والحكومة ويقرر كل شيء وهذا كما نعرف نمط شمولي ليس معمولاً به في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية في مختلف دول العالم من اليابان شرقاً وحتى الولايات المتحدة الأمريكية غرباً، وإلا أخبروني هل هناك لجنة مركزية أو مجلس شورى أو لجنة عامة على سبيل المثال في الحزب الجمهوري الأمريكي تقرر للرئيس بوش ماذا عليه أن يصنع تجاه مختلف القضايا وتملي عليه قرارته؟!
المؤتمر يدفع بلاشك ثمن كونه الحزب الذي يفوز في الانتخابات ويحصد الأغلبية منذ عام 1997م، لكن علينا أن نتذكر دوما أن المؤتمر هو التنظيم الذي نجح في تأليف قلوب المختلفين عام 1982م وكسر بينهم الحواجز النفسية وأزال الجفوة الفكرية وهيأ أبناء المحافظات الشمالية لمرحلة الوحدة... وبعد الوحدة عندما جاءت التعددية الحزبية ظل المؤتمر أقل الأحزاب السياسية معاناة من ظاهرة الانشقاقات بسبب مرونته التنظيمية التي كنا نعدها عيبا لكنها ليست كذلك مقارنة بتلك القبضة الحديدية التي تدار بها بقية الأحزاب، وظل المؤتمر أكثر الأحزاب تسامحاً سياسياً باتساع صدره لاستيعاب الكثير من الكوادر الوطنية وهو ما لا محل له لدى الآخرين مهما قالوا وهزؤوا وصوروا كل من يدخل المؤتمر بأنه .. وأنه .. مما اعتادوا أن يستخدموه من الأوصاف غير اللائقة، ولا نلومهم لأنهم قد لا يدركون المعنى الأخلاقي والقيمي والوطني، بل وحتى الشرعي لهذه الخاصية المؤتمرية... وفي كل تاريخه السياسي لم يرق المؤتمر قطرة دم واحدة لتصفية أحد خصومه، ولا أذكر أنه فصل أحدا من عضويته، ولم يمارس الخلط بين موقعه كحزب أغلبية وبين إدارة شؤون الحكم الذي هو شأن مؤسسات الدولة... ورغم ما قد يعتور تجربته هذه من قصور هنا أو هناك – وهذا أمر طبيعي – فإنه يقدم النموذج الأفضل حتى الآن بين سائر الأحزاب الموجودة بعد أن تدارك الكثير من النواقص في تجربته وتكوينه التنظيمي خلال المؤتمرات الثلاثة السابقة.
26 سبتمبر